الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن اعادة ترتيب الدبابات

هشام نفاع

2004 / 3 / 22
القضية الفلسطينية


يمكن الافتراض بأن مسألة الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة باتت امرا محسومًا. وليس لأن اريئيل شارون وحكومته اليمينية قرروا: الى اليسار دُر! وبالطبع، فإن الدوافع (الاضطرارية) لدى شارون، لا تتوافق مع ما يقوله رافضو الخدمة العسكرية من الشبان اليهود، مثلا. الفرق شاسع. هؤلاء الاخيرون يتحدثون بمفاهيم التسوية، والعدالة (النسبية) والشراكة بين الشعبين والمستقبل، بينما شارون يفعل ما يفعل على مضض. ولكن هل سيعني اختلاف الدوافع لدى رئيس حكومة اليمين عنها في أجندة رافعي راية التسوية العادلة - بمختلف أطيافهم - أن يتم اتخاذ موقف سلبي من هذا الانسحاب؟ سؤال.

ففي سلة الدوافع التي تجعل الجنرال شارون يطرح علانية مشروعه الانسحابي، تجتمع الكثير من الثمار الفاسدة. هناك "الخطر الدمغرافي" (المنسول من وهم) النقاء العرقي لاسرائيل، ومحاولة شارون ايهام العالم وكأنه يقوم بخطوات سياسية فعلية، وكذلك دفع ثمنٍ ما في غزة بهدف تكريس سيطرة احتلالية استيطانية في مواقع واسعة من الضفة الغربية. واذا كانت هذه الاسباب تتشابه في كونها تعبر عن النقيض التام لمفاهيم التسوية السياسية، بل تعني استمرار التخبط في وحل التفكير العسكري الحربي، فإن الامر لا يجب ان يعني ان الانسحاب من غزة هو امر مرفوض. بل على العكس، ربما من الأفضل الترحيب بكل انسحاب لجيش الاحتلال ومستوطنيه من أي موقع فلسطيني، مع ان الامر يتم اضطراريا من طرف واحد وبدون ترسيم حل شامل. وهنا لا بد من ملاحظتين / استدراكين:

1. الموقف من أي انسحاب جزئي سيكون مختلفا تماما فيما لو تم من خلال اتفاق بين الطرفين، الاسرائيلي والفلسطيني. لأن الامر سيعني عندها ليس الموافقة على "هذا الانسحاب" فقط، بل أيضًا التنازل عن الانسحاب التام من الاراضي المحتلة عام (1967).
2. طالما أن أعلى سقف قد يصله شارون من حيث التحركات السياسية هو الانسحاب الاضطراري والجزئي والمنقوص، لأهداف (صراع) البقاء في السلطة - فمن الافضل ان يتم ذلك الآن من طرف واحد وبدون اتفاق. وهذا لا يعني بالطبع رفضا لاستراتيجية الاتفاقات بل يعني التشكيك بقدرة شارون على التوصل الى اتفاق سياسي حقيقي، بما يعنيه ويتضمنه من مفاهيم التسوية والنظر الى المستقبل واعتماد معادلة لا تقوم على الاستغلال والاستعلاء - بل على المساواة والتكافؤ.

وبما ان شارون علّم الجميع عبر مختلف الترجمات الدموية لطروحاته، انه غير مستعد وربما غير قادر على اعتماد تلك الرؤية، وانه لا يزال أسير التوغلات والاجتياحات والدبابات وفرض الامر الواقع بالبنادق - بما انه كذلك، فمن الافضل ان ينسحب بعض الشيء. وقبل ان يحل يومه القادم لا محالة، حين سينسحب من الحلبة السياسية. فمهما كانت فترة حكمه قاسية ودموية ومحبطة يجب التذكر دوما انه يملك اجلا (سياسيا أقصد) محتوما. لن يكون شارون للأبد، ولا الاحتلال بالتالي. وحتى لو كانت دوافع ورثته كدوافعه، فإنه سيظل من الصعب تكريس الاحتلال على شعب يرفض الانكسار. وما سيخليه الآن من مواقع فلسطينية سيكون وسيلة تذكير بان استمرار الاحتلال حتى بقيادة الجنرال الأعنف هو أمر غير وارد.

الانسحاب كلمة مضللة بالطبع. خاصة عندما تُصاغ كـ "انسحاب ما عدا.." (مستوطنات معينة، محاور عسكرية، "مواقع حيوية"..). مع ذلك، وبسبب ذلك، يجب اعادة التأكيد أن ما يجري الحديث عنه ليس انسحابًا، بقدر ما هو اعادة صياغة أو ترتيب أوراق الاحتلال. ليس أوراقه بل دباباته!

من هنا فربما ان الطريق الأحكم للتعامل مع مخطط شارون الجنرال هو نزع العبوة التي يزرعها. حسنًا، لا يمكن لعاقل أن يعارض أي انسحاب مهما كان محدودًا، ولكن ليكن واضحًا انه ليس انسحابًا بالضبط. قد يسمي شارون ما يسوّقه "حلاً"، كي يهرب من المستحقّات الواضحة تجاه الشعب الفلسطيني، ولكنه يكشف في الوقت نفسه واحدة من نقاط الضعف المثيرة للرضى! فها هو "آخر الطلقات في مسدس الاحتلال" يصل الى ما وصله سابقوه: تكريس الاحتلال مستحيل. صحيح أنه يواصل لعبة التجزئة وتقطيع أواصل الأرض الفلسطينية والقضية الفلسطينية، ولكن هذا لن يجلب هدوءًا.

قد يكون من الملائم النظر الى ما يفعله شارون "من مسافة ما". انه يفعل ما يفعله مكرهًا، لأن الوزن النوعي للقضية الفلسطينية، بوصفها قضية تحرر، في ارتفاع مستمر. بالنسبة الى معارضي شارون الحقيقيين هذه فرصة لتأكيد أمرين غير جديدين: الاحتلال ينتج نقيضه من داخله، وهناك حدود للقوة مهما استثمرت قنابل بوزن طن من المتفجرات التي تطلقها طائرات "اف - 16" على الاحياء السكانية المكتظة. فالمفارقة (المؤلمة) هي أنه حين جرى استعمال هذه الذخيرة الثقيلة بدا جهاز الاحتلال كمن أطلق النار على نفسه. وكأنه أشار الى حدود ما يمكنه المضيّ فيه.

ما العمل الآن اذن؟
ربما أن المسألة المركزية ستظل ضرورة فتح كافة العيون على نهج شارون، ولكن من خلال عدم التخلي بالمرة عن التفكير والنشاط والعمل لنشر الوعي البديل - حتمية العيش المشترك بين الشعبين، كمنظور وحيد لمستقبلنا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح