الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخروج من الأسر

رمضان متولي

2009 / 2 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أؤيد تماما إضراب ملاحظي الإشارات في السكة الحديد، وأعتبره كإضراب عمال المحلة وموظفي الضرائب العقارية وغيرهم، خطوة وإن كانت بطيئة ومكلفة على طريق طويلة تنتهي بإعادة الاعتبار للغالبية العظمى من أبناء المجتمع المصري في مواجهة دولة تسيطر عليها مراكز القوى من أصحاب النفوذ والثروة وأطراف شبكات الفساد.

وحتى تصبح هذه الإضرابات قوية ومؤثرة في المدى الطويل، وحتى لا ينتهي أثرها بعد حل المشكلة سواء عن طريق العصا الأمنية أو الجزرة أو كليهما، ينبغي أن يستفيد هؤلاء العمال وزملاؤهم في كل موقع من تجربة موظفي الضرائب العقارية الذين أنشأوا نقابة ديمقراطية مستقلة بديلا عن النقابات والمؤسسات التي خربت وسيطرت عليها عناصر أمنية، وينبغي أيضا أن يستفيدوا من تجربة عمال المحلة الذين استطاعوا أن يحددوا معركتهم ويفضحوا التنظيم النقابي الفاسد والموالي للسلطة وأن يبتكروا من الأساليب الكفاحية ما يجعلهم قادرين على مواصلة المعركة والاستعداد لمعارك أخرى في المستقبل رغم شراسة القمع الذي تعرضوا له من قبل الدولة وخاصة أجهزتها الأمنية.

هذه الإضرابات تعتبر حلقات في سلسلة الأحداث العاصفة التي مرت بها مصر منذ انتفاضة الأقصى في عام 2000 وحتى الآن والتي طرحت بقوة معضلة التغيير في بلد الأهرامات والفراعنة. فقد شهدت هذه الفترة فضائح فساد وكوارث وتعديلات دستورية، وانتخابات مثيرة للجدل، ومخاوف تتعلق بمنصب الرئاسة وارتفاعا في الأسعار وأزمات وقضايا اقتصادية وبيئية متنوعة واكبها إضرابات عمالية كبيرة ومظاهرات جماهيرية في مختلف أنحاء القطر المصري، وشهدت إلى جانب الانتفاضة التي أعلنت موت مبادئ أوسلو حربا أمريكية دموية في أفغانستان وعدوانا إسرائيليا وحشيا على الفلسطينيين في 2002 وغزو العراق على أيدي القوات الأمريكية في 2003 ثم العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006 والذي لحقه عدوان آخر على غزة مؤخرا، وما تخلل ذلك من أحداث وأزمات داخلية عنيفة وتحركات تضامنية واسعة.

ولعل كلمة "التغيير" ترددت على ألسنة الكثير من الناشطين السياسيين وأصحاب الرأي خلال هذه الفترة التي امتدت ثمان سنوات مزدحمة بالأحداث والطموحات والإحباطات، حتى وإن كان مضمون هذه الكلمة مختلفا وفقا لاتجاه من يرفعها حلا للمعضلة. ومع هذا الحديث المتواصل عن التغيير، امتلأت الساحة الإعلامية والثقافية بالتوقعات والتخمينات بين من يرون الدولة قادرة وقوية ومتسلطة في مواجهة شعب خانع وجبان وحركات سياسية ضعيفة أو مهادنة، أو من يرون الدولة ضعيفة وخائرة القوى ولكن حداثة المجتمع المدني أو ضعفه هو العقبة الحقيقية أمام حدوث هذا التغيير، حتى وإن كانت هناك بعض الأحداث القليلة تدعو إلى التفاؤل بشأن فرص هذا المجتمع المدني في تحقيق تقدم على طريق امتلاك القدرة على الفعل.

وفي اعتقادي أن الدولة المصرية ضعيفة وقوية في نفس الوقت. ضعيفة بقدر تراجع قوة المؤسسات وتحللها لصالح أصحاب الثروة والنفوذ الفاسدين وتزايد الاعتماد على الذراع الأمنية وانهيار القانون والشرعية الأخلاقية بعد تعقد شبكات الفساد وانتشارها لتصبح دولا داخل الدولة تستخدم المؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة لتحقيق مصالحها الأنانية الخاصة، وقوية بقدر ما تستطيع اعتمادا على الجهاز الأمني قمع جميع التحركات العمالية والجماهيرية الواسعة وفرض سلطتها اللاأخلاقية واللاقانونية على شعب مقهور يعلن رفضه لهذه السلطة وعدم ثقته بها في كل مناسبة، يساعدها في ذلك نوع من الانهزامية منتشر بين مختلف الشرائح التي تمثل الغالبية العظمى من المجتمع.

وإذا كان ذلك صحيحا، ينبغي على من يسعون للتغيير أن يقرأوا بدقة جوانب القوة والضعف في كل من المجتمع والدولة ومحاولة تنسيق الجهود وبناء قدرات القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير لتصبح قادرة على تحقيق مكاسب حقيقية ونجاح ملموس في المواجهات المقبلة للقضاء على روح الانهزامية وتشجيع الفعل الإيجابي للخروج من الأسر.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاستثمار الخليجي في الكرة الأوروبية.. نجاح متفاوت رغم البذ


.. رعب في مدينة الفاشر السودانية مع اشتداد الاشتباكات




.. بعد تصريح روبرت كينيدي عن دودة -أكلت جزءًا- من دماغه وماتت..


.. طائرات تهبط فوق رؤوس المصطافين على شاطئ -ماهو- الكاريبي




.. لساعات العمل تأثير كبير على صحتك | #الصباح_مع_مها