الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو إستراتيجية للتحرر الوطني الفلسطيني

محمد منير مجاهد

2009 / 2 / 3
القضية الفلسطينية


بعد أن سكتت المدافع في المجزرة الإسرائيلية ضد شعب غزة، وبعيدا عن إدعاءات الانتصار المتبادلة بين إسرائيل وحماس، قد يكون من المفيد أن نسترجع السيناريوهات المحتملة لحل القضية الفلسطينية، لتصحيح انحرافات أراها خطيرة وقد تؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وذلك حينما يصبح السلاح بلا عقل يوجهه ويحدد أهدافه، وحين لا تنجح قيادة الشعب الفلسطيني في بلورة رؤية، وفي تحديد دقيق للأعداء وللحلفاء، وفي بلورة تكتيكات لتضييق معسكر الأعداء وتوسيع معسكر الحلفاء وتحييد من تفشل في ضمه إلى الحلفاء، فإن السلاح يصبح في الحقيقة سلاح فاسد يرتد إلى نحر حامله.

لقد تعرض شعبنا العربي في فلسطين منذ أوائل القرن العشرين لهجمة صهيونية استيطانية عنصرية تهدف لتفريغ فلسطين من شعبها، وإحلالهم بمهاجرين يهود من شتى بقاع الأرض وبالذات من أوروبا، ويمكننا أن نتعرف على أربعة سيناريوهات تمثل أربعة مصائر محتملة لحل القضية الفلسطينية.

أول هذه السيناريوهات هو استمرار الوضع الحالي (Business as usual) الذي يتسم بتحقيق الحركة الصهيونية لانتصارات مضطردة منذ نجاحهم في الحصول على وعد بلفور في نوفمبر 1917 الذي أدى لحصولهم على دعم الإمبراطورية البريطانية في استيطان فلسطين، ثم نجاحهم في تثبيت أقدامهم وتنفيذ أكبر عملية تطهير عرقي في القرن العشرين وإعلان تأسيس الدولة، التي نجحت بعد أقل من عشرين سنة في الاستيلاء على كل فلسطين التاريخية إضافة إلى احتلال أجزاء من دول الطوق العربي، ونجاحهم في إخراج مصر من المعادلة العربية بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد التي أضعفت الجبهة العربية إلى حد كبير، وخفضت من أسقف أي تسوية سياسية محتملة بين إسرائيل والأنظمة العربية المختلفة.

والحدود الدنيا لهذا السيناريو هو الاستيلاء على كل أرض فلسطين وحصر الفلسطينيين داخل حدود الجدار العازل أو جدار الفصل العنصري بالضفة الغربية، وفي حدود قطاع غزة، وقد يتسع لتهجير الفلسطينيين داخل إسرائيل من خلف الجدار إلى جانبه الآخر فيما تبقى من مناطق الضفة الغربية، أما الحدود القصوى لهذا السيناريو فتتسع لتنفيذ مخطط التهجير القسري للتجمعات العربية داخل فلسطين التاريخية – بما في ذلك الفلسطينيين الموجودين بإسرائيل - إلى الدول العربية المجاورة لتكون فلسطين دولة نقية لليهود،

يدعم هذا السيناريو التعاون الوثيق بين الدولة الصهيونية والولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والدول الغربية عامة، وانهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية، وتولي قيادة المقاومة الفلسطينية قوى مغامرة ذات خطاب ديني طائفي منفر وقد كفاني الدكتور محمد السيد سعيد في عموده اليومي بجريدة البديل بتاريخ 19 يناير 2009 مئونة الرد بتعليقه العقلاني على إعلان معظم الفصائل الفلسطينية استمرار المقاومة المسلحة إذ قال "... وتبدو لي هذه الإعلانات وصفة قاتلة وشديدة الضرر بقضية التحرر الوطني الفلسطيني .... وهذا معناه تقديم مزيد من الذرائع لإسرائيل لاستمرار الاحتلال ومواصلة حملتها العقابية الإجرامية المريعة ضد شعب غزة .... ولاشك في تقديري أن هذا الإعلان ينطلق من سوء تقدير واضح لطبيعة الموقف العسكري .... وحقيقة الأمر أن الموقف العسكري الراهن ليس في صالح فصائل المقاومة بأي حال ... ليس هناك مجال للمغامرة باستمرار الحرب، وصولا لمرحلة تقتحم فيها إسرائيل المواقع القوية للمقاومة، وفوق ذلك يرجح أن يتبخر تماما التعاطف العالمي مع الفلسطينيين إن تمكنت إسرائيل من «إثبات» مسئولية هذه الفصائل عن استمرار الحرب".

السيناريو الثاني هو سيناريو فلسطين العربية (أو الاسلامية) من النهر للبحر الذي تطرحه الحركات الإسلامية والقومية، ويتطلب هذا السيناريو أن يعقب الانتصار على الدولة الصهيونية وحلفائها حملة منظمة من التطهير العرقي والمذابح لدفع الإسرائيليين للهجرة الجماعية من فلسطين واستبدالهم باللاجئين الفلسطينيين في الشتات، أي أنه صورة المرآة العربية لما فعلته الصهيونية قبيل وبعيد إنشاء دولة إسرائيل، فيستعير هذا الحل من الحل العنصري الإسرائيلي كل مفرداته ويحولها إلى حل عنصري إسلامي، فبدلا من فلسطين يهودية تصبح فلسطين أسلامية، و بدلا من أن تكون فلسطين أرض الميعاد تصبح فلسطين وقف إسلامي ... الخ، والأهم أن هذا الحل يستعير الوسائل الصهيونية لتحقيق هذه الغايات العنصرية وهي العنف الدموي الضروري لطرد اليهود من فلسطين، وبغض النظر عن الإمكانية العملية في بناء تحالف دولي يقبل بـ أو يتغاضى عن مثل هذه الجرائم، فإنه ليس من المتصور أن يقبل الضمير العربي القيام بمثل هذه الجرائم ناهيك عن الضمير العالمي الذي يمكن أن يقبل بإلحاق الهزيمة بالصهيونية ومشروعها ولكنه لا يقبل مع ذلك إبادة ملايين اليهود.

وللحق فإن هذا الحل لم تطرحه قط منظمة التحرير الفلسطينية ولا أي من المنظمات المكونة لها فقد كان الحل المطروح في سنوات الثورة هو الدولة الديمقراطية العلمانية التي يعيش فيها الجميع (مسلمين ومسيحيين ويهود) على قدم المساواة.

وهذا السيناريو الذي تتبناه حماس وغيرها من التنظيمات "الجهادية" والقومية غير قابل للتنفيذ لأسباب تتعلق بموازين القوى وبالوضع العربي والعالمي، ولكن يمكن في سياقه فهم العمليات الموجهة ضد المدنيين سواء الاستشهادية (قبل إنشاء جدار الفصل العنصري) أو صواريخ جراد أو القسام أو غيرها، ففي هذا السيناريو فإن مجرد وجود الإسرائيليين يمثل عدوان على الفلسطينيين ولهذا فإن المطلوب هو إزالة هذا الوجود، الطفل قبل المرأة، والمرأة قبل الشيخ، والشيخ قبل الشاب، فالهدف إذن هو الإبادة ولا يوجد تطلع في هذا السيناريو لعمل مشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين لهزيمة الصهيونية كما فعل الأفارقة والأفريكانا لهزيمة الأبارتايد في جنوب إفريقيا.

السيناريو الثالث هو سيناريو الدولتين لشعبين، بثلاث تنويعات رئيسية أولهما القرار 181 بتقسيم فلسطين (الذي رفضه العرب والفلسطينيين)، وثانيهما القرار 242 وتبعاته بإنشاء دولة فلسطينية في الضفة والقطاع على حدود 4 يونيو 1967 (الذي كان من نتائج هزيمة 1967)، والثالث هو إنشاء دولة فلسطينية على بقايا الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكل من هذه التنويعات "شرعيته"، ولكن يبدو أن الرأي الفلسطيني قد استقر على الحل طبقا لـ 242 إن لم يكن بالأغلبية فبالتوافق وفي هذا السيناريو فإن هدف العنف الثوري هو إنهاك الآلة العسكرية والاقتصاد الصهيوني وإرسال رسالة واضحة بأن الإسرائيلي على هذا الجانب من الحدود آمن وعلى الجانب الآخر غير آمن وهو نفس التكتيك الذي اتبعه حزب الله في تحرير الجنوب اللبناني.

إلا أن هذا الحل تكتنفه مجموعة من الصعاب ناتجة عن طبيعة المشروع الصهيوني الذي يهدف إلى الحصول على كل أرض فلسطين، فقد أدى إنشاء المستوطنات في الضفة الغربية إلى تقطيع أوصالها وفقدانها للتواصل الجغرافي، وشاركت حماس بانقلابها على السلطة الفلسطينية في تعزيز الفصل الجغرافي لغزة عن الضفة بفصل فعلي بسلطة سياسية أخرى تنازع منظمة التحرير الفلسطيني شرعية التمثيل الفلسطيني، كما أن هذا الحل لا يعالج قضايا جوهرية كحق العودة، ووضع مدينة القدس، والمياه وغيرها مما يطلق عليه "قضايا الحل النهائي".

السيناريو الرابع هو سيناريو الدولة الواحدة ثنائية القومية غير الصهيونية، وهو تطوير للشعار الذي كان مرفوعا إبان مرحلة الثورة بالاعتراف بأن المسألة ليست فقط مساواة بين الأديان ولكن مساواة بين قوميات أي القومية العربية الفلسطينية والقومية الإسرائيلية وهي شيء مختلف عن إدعاء الصهيونية بأن اليهود يمثلون قومية، فالقومية الإسرائيلية قد نشأت بين المهاجرين لأرض فلسطين الذين عاشوا على هذه الأرض وربطتهم أواصر اللغة والامتداد الجغرافي والثقافة والاقتصاد وهو نفس ما حدث بالنسبة للمهاجرين البيض في جنوب إفريقيا حيث تكونت منهم قومية خاصة (الأفريكانا) ذات لغة خاصة وثقافة خاصة ..الخ ونفس الشيء بالنسبة للمهاجرين لأمريكا وكندا وأستراليا وأمريكا اللاتينية.

ويعتمد نجاح هذا السيناريو بدرجة كبيرة على دمج الفلسطينيين داخل إسرائيل واليهود المعادين للصهيونية في حركة التحرر الوطني الفلسطينية، وعلى نجاح بعض الشعوب العربية – خاصة المجاورة لفلسطين في مصر وسوريا والأردن ولبنان – في إسقاط أنظمة الحكم الاستبدادية فيها وإقامة نظم حكم ديمقراطية، ومن ثم يقتضي هذا السيناريو وضع تصور تقدمي لهذه الدولة الموحدة يتلافى كل العيوب القائمة في دولنا العربية فليس المطلوب أن يكون وضع الإسرائيليين في هذه الدولة كوضع الأكراد في العراق أو البربر في الجزائر أو الجنوبيين في السودان..الخ وبالطبع فإننا لا نستطيع دعوة الإسرائيليين في الدولة الجديدة لأن يتحولوا من مضطهدين (بالكسرة) إلى مضطهدين (بالفتحة) أو أهل ذمة. وفي هذا السيناريو يكون العنف الثوري موجها ضد آلة العنف للدولة الصهيونية والأهداف الإستراتيجية وفي تحالف وثيق مع عرب 48 والقوى المناهضة للصهيونية داخل إسرائيل والعمل على زيادة أعدادها وتأثيرها في المجتمع بهدف هزيمة الصهيونية أيديولوجيا وسياسيا. وفي هذا السيناريو لا مكان لعمليات استشهادية ولا لأي قصف صاروخي عشوائي موجه للإسرائيليين كأفراد، وبالطبع سيكون الأمر مختلفا لو كانت العمليات العسكرية موجهة ضد الجيش أو مخزن لأسلحة الدمار الشامل أو محطة كهرباء أو مخزن وقود، وفي بعض الظروف قد نجد شركاء لنا في هذه العمليات من داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه.

لقد كان حل الدولة الواحدة هو الحل الذي تمسك به الشعب الفلسطيني والشعوب العربية منذ ما قبل حرب 1948 وأظنه كان الدافع وإن يكن بشكل غير واعي لرفض قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، وكان هو الحل الذي تبنته منظمة التحرير الفلسطينية، وفي إطار هذا الحل يصبح مواطني الدولة الجديدة متساويين بغض النظر عن أصولهم القومية والدينية، ويوفر هذا الحل حلا للمشاكل المستعصية مثل قضية مدينة القدس التي ستصبح في هذه الحالة عاصمة للدولة الموحدة، ومشكلة عودة اللاجئين حيث سيعودون كمواطنين في دولة جديدة، ولكن تبني هذا الحل لن يوفر حلا فوريا للقضية الفلسطينية، لأنه يحتاج إلى كفاح طويل يعتمد أساسا على قيادة فلسطينية موحدة وراء هذا الحل، وعلى اكتساب أعداد متزايدة من الإسرائيليين إليه لتشكيل جبهة موحدة للنضال ضد الصهيونية، وبناء تحالف قوي قوامه هذه الجبهة الموحدة، والحركات التقدمية العربية والعالمية، وحتى لو رأى الشعب الفلسطيني اختيار حل الدولتين مرحليا، فالأمر يتطلب اكتساب مؤيدين إسرائيليين للضغط على حكومتهم للتوصل لدولتين بحيث تكون الدولة الفلسطينية قابلة للحياة، وإزالة المعوقات التي يمكن أن تعترض توحد هاتين الدولتين مستقبلا في دولة واحدة.

الخلاصة هناك حلين لا ثالث لهما لقضية الشعب الفلسطيني إما تأسيس الدولة الواحدة ثنائية القومية غير الصهيونية التي تضم الفلسطينيين والإسرائيليين على قاعدة المساواة والمواطنة، وإما تأسيس دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل، وكلا الحلين يتطلب حداً أدنى من التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من خلال هزيمة العنصرية الصهيونية على الجانب الإسرائيلي، وقبول معظم الفلسطينيين والإسرائيليين لفكرة التعايش مع الآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث تحت الأنقاض وسط دمار بمربع سكني بمخيم النصيرات في


.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وإعادة المحتجز




.. رغم المضايقات والترهيب.. حراك طلابي متصاعد في الجامعات الأمر


.. 10 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في حي النصر شمال مدينة




.. حزب الله يعلن قصف مستوطنات إسرائيلية بعشرات صواريخ الكاتيوشا