الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الميل نحو اليسار: لكن أي يسار؟

سلامة كيلة

2009 / 2 / 3
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


مع أزمة الرأسمالية تعود نغمة اليسار من جديد، وبتسرّع شديد تعود المراهنة على اليسار. نعم اليسار ضرورة، لكن أي يسار؟
غالباً مع يتضمن الجواب لمحاً إلى أن المقصود هو الماركسيين والشيوعيين. لكن لنتفق أولاً بأن معنى اليسار يتحدد بما هو سياسي وليس بما هو أيديولوجي، حيث يشير إلى القوى التي تحمل راية التطور والتقدم والتحرر والحداثة. وأيضاً الاستقلال والتكافؤ، ورفع الاضطهاد عن الطبقات المفقرة والدفاع عن مصالحها. وهذا تحديد عام، وبالتالي يشمل قوى أيديولوجية متعددة، ماركسية وقومية وديمقراطية.
لكن سنلمس بأن القوى القومية انزاحت نحو التحول إلى الليبرالية فيما يتعلق بالأقسام التي وصلت إلى السلطة، أو الأسلمة والتكيف مع الموجة الأصولية للقوى الأخرى. رغم أن كل القوى التي لازالت تحمل القيم المشار إليها للتو هي في اليسار.
ما يهمنا هنا هو القوى الشيوعية والماركسية (والتمييز هنا بين نمطين من الماركسيين أو من اعتبر أنه ماركسي). حيث أفرز انهيار النظم الاشتراكية يسارات في هذا اليسار. فلقد مال قطاع كبير ممن كان يعتبر أنه ماركسي، وماركسي متشدد أحياناً، إلى أن يسير في فضاء آخر، حيث هيمنت قيم الديمقراطية، ونشطت موجة الليبرالية على أثر الانهيار. ولهذا أخذ يتسمى بـ "اليسار الديمقراطي" (مثل حركة اليسار الديمقراطي في لبنان)، أو بـ "الشعب" (مثل حزب الشعب الديمقراطي السوري)، أو "الديمقراطي الاجتماعي (مثل بعض المجموعات في مصر) أو حتى الاشتراكي الديمقراطي. ولقد قام كل هذا "اليسار" على فكرة جوهرية هي أن الهدف المركزي هو الديمقراطية، وأن الديمقراطية هي الليبرالية. لهذا كان يميل إلى "التحالف" (أو الالتحاق) بقوى برجوازية، هي كومبرادورية في طبيعتها. وينطلق من "موازين القوى العالمية" التي كانت تصبّ عند الولايات المتحدة. كما تجاهل كل المطالب الشعبية، ونسي مسألة الاستقلال، وبات جزءاً من منظومة العولمة، التي هي رأسمالية إمبريالية في طبيعتها.
هذه الموجة من "اليسار" كانت تعبّر عن تحول قطاع من الشيوعيين والماركسيين، فكرياً أولاً، حيث باتت الماركسية من الماضي، لكنه تحول منطقي في المستوى السياسي الطبقي، حيث كانت وهي شيوعية تنطلق من ضرورة انتصار البرجوازية، لكن "الوطنية" التي تحقق الحداثة وتبني الصناعة وتوسع من حجم الطبقة العاملة. لكنها اكتشفت، كما يبدو، أن هذه البرجوازية هي "صورة ذهنية" لم توجد في الواقع، لهذا لم يكن أمامها وهي المدافعة عن انتصار البرجوازية سوى التكيف مع "البرجوازية الواقعية" بكل إهابها الكومبرادوري، وميولها التابعة، وتخلفها باستخدامها كل مكنونات التخلف القائم (الطائفي والمذهبي، والقبلي). الأمر الذي دفعها إلى حصر المسألة في الديمقراطية كشكل مضاد للنظم "القومية"، وقبول طابعها الليبرالي، وبالتالي تقديم مشروع ليبرالي على مقاس تلك البرجوازية.
هل لازال هذا القطاع في اليسار"
إذا تجاوزنا الطابع الأيديولوجي الذي فُقد لدى كل هؤلاء، فإن البرنامج السياسي المطروح، والتحالفات التي قامت على أساسه، يشيران إلى تحوّل نحو اليمين، أي نحو التعبير عن الطبقة المسيطرة، أو الساعية نحو السيطرة في النظم التي أُسقطت فيها البرجوازية القديمة. وهنا لا يعود الماضي هو المحدد لطبيعة هذه القوى بل يكون الراهن هو أساس تحديد طابعها السياسي الطبقي. إذن، لقد باتت خارج اليسار بغض النظر عما تسمي ذاتها، حيث ليس الشخص بما يدّعيه بل بما هو في الواقع، كما أشار ماركس مرة.
من هذا المنطلق يجب أن نعيد تحديد معنى اليسار، والماركسي خصوصاً، لأن فرز الجبهات أمر ضروري في كل صراع، وحيث أن الخلط يشوه ويدمر. ولا أظن أنه يمكن أن يكون هناك يسار لا ينطلق من الصراع مع الرأسمالية المهيمنة، والتي تقف أمام تطور كل الأمم المخلّفة. ولا ينطلق من تحقيق الاستقلال في مواجهة قوى الاحتلال، ويقبل بالتكوين المجتمعي الذي تعمل البرجوازيات التابعة على تكريسه، مثل الطائفية والنظام الطائفي. ولا يدافع عن الطبقات المفقرة، ولا ينشد التطور والحداثة.
هذه قيم عامة لليسار، ليس من يساري من لا يدافع عنها. وهي قيم يمكن أن تُتضمن في أيديولوجيات متعددة، ماركسية وقومية وديمقراطية، رغم اختلاف الخيارات بين هذه الأيديولوجيات. وبالتالي بات من الضروري تحقيق الفرز انطلاقاً منها، لأنه يجب تجاوز الشكلية التي تقوم على اعتماد التسمية كتحديد لطبيعة القوى. فليس مهماً أن يكون اسم الحزب يسار ديمقراطي أو اشتراكي ديمقراطي أو اجتماعي ديمقراطي، بل المهم ما يطرحه من تصورات وأفكار وبرامج.
لقد استخدمت بعض القوى تعبير اليسار وهي تميل نحو اليمين طيلة العقدين الماضيين، متكيّفة مع التوسع الرأسمالي المعولم، ومدافعة عن اقتصاد السوق وإنهاء دور الدولة الاقتصادي، وبالتالي عن الليبرالية التي عممتها المراكز الإمبريالية. ولقد تجاهلت مسائل الاستقلال والتطور (إلا عبر التكيف مع الرأسمالية)، ووقفت ضد الميول القومية والمقاومة، ورفضت الصراع الطبقي والثورة، مكتفية بالنضال السلمي الديمقراطي. واعتبرت بأن الاشتراكية هي وهم، أو على الأقل هي أفق بعيد إلى حد التلاشي. لهذا لم يعد لليسار من معنى، ولم تعد هي من اليسار رغم التسمية التي باتت لا تعني شيئاً.
هذه مسألة يجب أن تفرض أن يعاد النظر في معنى اليسار واليساري، وأن لا يُكتفى بالتسميات، بل أن يجري الانطلاق من المواقف والسياسات. ولهذا حينما يجري التأسيس لعمل يساري يجب أن ينطلق من هذا الفرز، ويقوم على أساسه، وإلا استمر الاختلاط القائم، واستمرت الفوضى الفكرية. فاليسار ليس تسمية بل موقف وفعل أولاً وأساساً. لقد انسلخ جزء مهم ممن كان في صف اليسار في العقود الماضية، وهذه حقيقة يجب ألا يجري تجاهلها، وبات في صف آخر هواه ليبرالي.
وإذا كان وضع الأزمة الرأسمالية يفرض إعادة بناء اليسار فيجب أن تكون البداية واضحة، أي يسارية.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اليسار السياسي واليسار الإقتصادي
هرمز كوهاري ( 2009 / 2 / 3 - 07:17 )
تحياتي الى الأستاذ كيلة وأقول:
إن الأزمة التي تعانيها الرأسمالية اليوم ، هي أزمة إقتصادية وليست أزمة سياسية ولو من الصعب الفصل القاطع والواضح بينهما ، الأزمة الإقتصادية العالمية هي عبارة عن تجاوز شركات المال حدودها المالية وإمكانياتها الإقتصادية ، سواء بقصد أو بغير قصد مثل المضاربات والمزايدات حتى صارت كالبالون الفارخ ينفجر في أقل لمسة .
إن مثل هذه الأزمات المالية والإقتصادية تحلها النظريات
الإقتصادية وليس النظريات القومية والدينية والديمقراطي ، فالديمقراطية تقول [ دعه يعمل ] !دون حسيب أو رقيب ، وبذاوجب تدخل الدولة وهذا خلاف ما تقوله الديمقراطية الرأسمالية وما يقوله آدم سميث ولهذا لابد من تطبيق بعض النظريات الماركسية .

إن فشل النظام الشيوعي كان فشل إدارة النظريات الماركسية وليس النظريات بحد ذاتها

اخر الافلام

.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد


.. Socialism 2024 rally




.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة


.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا




.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط