الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب غزة ومعايير النصر والهزيمة

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2009 / 2 / 4
الارهاب, الحرب والسلام


لا توجد أمة على وجه الأرض تحقق الانتصار على طول الدوام، فتاريخ الأمم يتأرجح بين النصر والهزيمة غير أن هناك معايير واضحة تساعد على التمييز بين النقيضين. إن عالمنا العربى لم يعد قادرا على تحديد معايير النصر والهزيمة التى تداخلت خيوطها وتشابكت. لا شك أن النصر حالة تتجلى إذا استطاعت الأمة تحرير أرضها من الاحتلال أو إذا استطاعت أن تصد محاولات لغزو أرض الوطن. وفى الواقع فإن الانتصار الحقيقى هو أن توفر الحماية للمدنيين وألا تعرضهم لضربات العدو التى لا ترحم طفلا ولا ترحم امرأة أو مسنا. إذا طبقنا هذه المعايير على مواجهاتنا مع الاحتلال الإسرائيلى خلال الأربعين سنة الماضية فعندئذ سنستطيع أن نفرق بين فترات النصر وفترات الهزيمة.

لقد خاضت الأمة العربية عدة حروب مع إسرائيل تأرجحت نتائجها بين النصر والهزيمة. ففى 1967م خاضت ثلاث جبهات عربية "المصرية والسورية والأردنية" حربا لم تدم سوى ستة أيام وانتهت الحرب بعد أن خسرنا أرض سيناء وقطاع غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية ومرتفعات الجولان. لقد لعب الإعلام دورا فى تحويل الهزيمة إلى نصر. مازلت أتذكر صرخات المذيع أحمد سعيد فى صوت العرب مشيرا بين لحظة وأخرى بأن دفاعاتنا الجوية أسقطت نصف الطائرات الإسرائيلية وأن طائراتنا تدك تل أبيب. ثم خضنا حرب 6 أكتوبر حيث حطمنا خط بارليف ووقف جنودنا على أرض سيناء. النتيجة واضحة فى هذين الحربين: حرب 67 مثال واضح للهزيمة حيث فقدنا أرضنا ولم نستطع تحقيق الهدف وهو تحرير أرض فلسطين. أما الحرب التالية فهى تجسد الانتصار لأننا عبرنا القناة وسيطرنا على جزء من سيناء. وإذا انتقلنا الآن إلى المواجهة الأخيرة فى غزة فسنجد أن طلقات الرصاص لم تكد تتوقف حتى خرج متحدثان باسم حماس وأعلنا عن انتصار الحركة فى دحر العدوان الإسرائيلى. وأكد ذلك خالد مشعل فى خطاب له يوم الأربعاء 21 يناير حيث صرح أن حرب غزة هو أول حرب تنتصر فيها غزة. إذا توقفنا لدراسة النتائج السياسية لهذا الحرب فسيتبين لنا أن فلسطين لم تنل استقلالها ومازالت أراضيها تحت الاحتلال. أما على الصعيد العسكرى فالفرق واضح فى الخسائر المادية والبشرية. فبالرغم من أن الصواريخ التى أطلقتها المقاومة على المدن الإسرائيلية قد بلغت 849 صاروخا إلا أنها لم تقتل سوى أربعة مواطنين ولم تصب سوى 8 بجروح خطيرة. وفى المقابل فإن القوات الإسرائيلية قد دمرت 25 ألف منزل فى غزة مما أدى إلى تشريد حوالى 35 ألف مواطن وحسب تقارير الأنروا فإن الهجوم الإسرائيلى أسفر عن مقتل 1300 مواطن نصفهم من الأطفال والنساء وجرح أكثر من خمسة آلاف مواطن.

وبعد أن اختفى أزيز الطائرات وهدأت أصوات المدافع والقنابل والصواريخ وصيحات الفضائيات العربية فإن السؤال الذى يسنح فى الذهن هو لماذا هذا التباين فى الخسائر المادية والبشرية بين طرفى القتال؟ وفى ظنى فإن هذا التباين يعزى إلى درجة استعداد كل طرف للمواجهة المرتقبة. لقد كان واضحا أن رجال المقاومة فى غزة لم يستعدوا جيدا لمواجهة الغارات الغاشمة التى شنتها الطائرات الإسرائيلية. فمثلا لم نر إسعافات أولية ولم نر حاملات نقل الجرحى والموتى بل كانت أيدى وأذرع المواطنين هى السبيل لنقل هؤلاء إلى المستشفيات والمقابر. ومن الواضح أن مواطنى غزة لم يجدوا ملجأ تحت الأرض ليلوذوا به من النيران التى تنهمر فوق رءوسهم. وفى المقابل فإن سلطات الأمن الداخلى فى إسرائيل سعت لتقليل الأضرار الناجمة من إطلاق صواريخ القسام وغراد من خلال توفير الملاجئ ووضع أجهزة إنذار تنطلق فور إطلاق الصواريخ من غزة. وبالإضافة إلى ذلك فقد أصدرت هذه السلطات تعليمات التزم بها أهالى مدن الجنوب الإسرائيلى فور سماع صفارات الإنذار، منها مطالبة أهالى المدن القريبة من سور غزة بعدم مغادرة منازلهم عند سماع الإنذار. أما الأهالى الذين تبتعد مدنهم "شكيلون ونيتيفوت" عن غزة بحوالى 10 أو 20 كيلومترا فعليهم الاحتماء بالملاجئ خلال 30 ثانية من سماع الإنذار. وبالنسبة للمدن الإسرائيلية التى تتراوح المسافة بينها وبين غزة من 20 إلى 30 كيلومترا مثل "أشدود وكيريات مالاتشى وكيريات جات وراحات فعلى أهلها الاحتماء بالملاجئ خلال 45 ثانية. وهذا يفسر التباين الحاصل فى الخسائر المادية والبشرية فى كل من غزة والمدن الإسرائيلية.

والخلاصة أن النصر الحقيقى يكمن فى درجة الاستعداد للحروب التى نخوضها مع عدو لا يرحم والنصر الحقيقى لا يتأتى بالأناشيد والعبارات الرنانة التى تنطلق من هنا وهناك بل يتحقق بمدى الحماية التى نوفرها للمواطنين العزل حتى لا تنهمر النيران على رءوسهم وهى الحماية التى وفرها الجانب الإسرائيلى لمواطنيه أثناء حرب غزة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دون إجماع على البيان الختامي.. اختتام قمّة السلام في سويسرا


.. بقارب مفخخ.. هجوم حوثي جديد على سفينة يونانية وحراس أمنها يق




.. شاب مُصاب يتلو القرآن خلال نقله للمستشفى


.. قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان: واثقون من عودة الوطن




.. حميدتي: ما حدث في الفاشر تتحمل نتيجته حركات الارتزاق التي تخ