الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة اولية في انتخابات مجالس المحافظات

خالد صبيح

2009 / 2 / 4
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق


لم تظهر نتائج انتخابات مجالس المحافظات بعد ولكن بعض ملامح هذه النتائج بدأت تتضح معالمها، فالتيار الإسلامي، أفرادا وكيانات، لا يزال هو المتصدر للواجهة، ولهذا أسبابه المعروفة، لكن ذلك لن يغير من احتمال ظهور بعض المفاجآت كفوز شخصية قومية ذات خلفية بعثية في كربلاء،(ألحبوبي)، وكذلك بعض التغير في رصيد التيارات العلمانية التي يفترض، حسب التصورات الأولية، انه ستكون لها حصة اكبر مما اعتادت الحصول عليه في الانتخابات السابقة. وبالتأكيد أن ظهور النتائج سيقدم بعض المعطيات التي ستؤشر لتبدلات محتملة في الخارطة السياسية والتي ستمهد الأرضية لتحولات أخرى ستلحقها في الانتخابات النيابية نهاية هذا العام. لكن حتى ظهور النتائج وقراءة الواقع تفصيليا يمكننا النظر في وقائع الانتخابات ورصد واقعتين تبدوان، بتصوري، مهمتين:

أولاهما هي زيارة القنصل الإيراني في البصرة لعدد من المراكز الانتخابية في المدينة دون إذن من السلطات الرسمية. ويبدو أن القنصل قد قام من خلال زيارته هذه بإرسال رسالة صريحة ومفهومة المعاني للحكومة العراقية وعلى وجه الخصوص لرئيس الوزراء (نوري المالكي) الذي جنح كثيرا عن ماتتمناه إيران وتخطط له، وذلك من خلال تصريحات مباشرة له أشار فيها إشارات واضحة لإيران وتدخلاتها في الشأن العراقي، وأيضا بسبب صراعه وحزبه، (حزب الدعوة الإسلامية)، مع حزب (عبدالعزيز الحكيم) (المجلس الإسلامي الأعلى) الذي اخذ يظهر للعلن وبإشارات واضحة وصريحة شهدت تصعيدها الأبرز في مرحلة التهيئة للانتخابات حيث اخذ الطرفان يتبادلان الانتقادات والاتهامات، وأخذا يعبئان جمهور ناخبيهما ببرامج وشعارات مضادة. وهذا التباين والخلاف بين (المجلس الإسلامي الأعلى) و (حزب الدعوة) ليس بالجديد؛ بل هو قديم قدم علاقتهما، وهو قائم على قضايا عقدية حول مفاهيم ومواقف سياسية تبلور أبرزها بشكل خاص بعد سقوط النظام ألبعثي وتركز حول الموقف والعلاقة من ومع إيران، وكذلك الموقف من فدرالية الجنوب التي يتحمس لها (الحكيم) ويتحفظ عليها (حزب الدعوة) ويرفضها (المالكي) بشدة في إطار سعيه لصنع قاعدة وطنية صلبة تسند مشروع إعادة بناء الدولة العراقية الذي يسعى للاضطلاع به. لهذا جاءت رسالة القنصل الإيراني لتأكيد نقطتين جوهريتين للمالكي ولحكومته. أولاها: أن إيران لا تزال لها اليد الطولى وأنها لا تزال قادرة على أن تكون فاعلة في الشأن العراقي. وأنها لا تزال، من اجل ذلك ومن خلاله، تدعم حلفائها المخلصين المتمثلين بحزب الحكيم. وهذان الهدفان يفسران إلى حد كبير الطابع الاستفزازي والخالي من أي لباقة دبلوماسية لتصرف القنصل الإيراني الذي أراد لزيارته أن تكون رسالة تحدي وليس إبلاغ فقط. فالقنصل كـ(دبلوماسي) يعرف جيدا انه لكي يستطيع زيارة أي مركز انتخابي، كمراقب دبلوماسي، عليه الحصول على إذن وموافقة الحكومة العراقية المتمثلة بالمفوضية العليا للانتخابات. لكنه لم يفعل ذلك عامدا ليقدم الإيحاءات الكافية لرسالته، وربما تكون الحكومة قد استلمت الشفرة لكنها ردت عليها بالصمت، وهذا يضاعف الظنون حول طبيعة موقفها. وصمت الحكومة هذا لم يكن صمتها الأول، فقد سبق لأكثر من مسؤول و (دبلوماسي) إيراني أن عبر بطريقة فظة عن تدخل إيران بالشأن العراقي وواجهته الحكومة بذات الصمت أو بالرد الخجول.

الواقعة الثانية هي ضعف المشاركة في التصويت من قبل المواطنين حيث بلغت نسبة المصوتين 51% وهي نسبة ضئيلة جدا في المقاييس العالمية(عدا الولايات المتحدة)، وقليلة أيضا بالمقارنة مع ما شهدته الانتخابات السابقة من إقبال، وكذلك بالقياس إلى ما كان متوقعا من احتمال المشاركة الواسعة بعد فيض الحث والتشجيع الذي قامت به كل الأطراف المعنية عبر وسائلها الإعلامية، بالإضافة إلى الدور الجيد الذي لعبته الدولة في هذا الحث، علما أن ليس هناك أية قوى سياسية، حتى تلك التي تسمي نفسها(مقاومة)، دعت إلى مقاطعة الانتخاب. وهذا يؤكد باختصار أن إجماعا على ضرورة المشاركة قد تحقق. وعلى ضوء هذا الواقع يمكننا استخلاص دلالتين بارزتين تفسران هذا الانحسار في الاندفاع للمشاركة عدا ما عكسه من غياب أية ضغوط على المواطنين لفرض المشاركة عليهم.

أولا الدلالتين هي أن هذا العزوف عن المشاركة عبر بشكل أساسي عن انعدام للثقة لدى المواطن بما ستأتي به الانتخابات من أشخاص يشك مقدما وتلقائيا في جدارتهم ونزاهتهم بعد ما عاشه من إحباط أوصل الكثير من المواطنين إلى حالة من اليأس بسبب ما شهدوه بأنفسهم من تكالب القوى السياسية، التي محضوها ثقتهم، على المناصب والمغانم، وبعد ما شهدوه أيضا من ضعف ملموس في كفاءة ممثلي هذه القوى في مجالس المحافظات وعدم استعدادهم للاستجابة لتذمر وانتقادات المواطنين وشكاواهم. وهذا التراجع والموقف السلبي يؤشر، بتصوري، لمقدمات تحول مقلقة في ثقة المواطن وموقفه من العملية السياسية ومن الديمقراطية كفكرة أو نهج، لاسيما وان الفرد العراقي، ولسنوات طويلة، كانت علاقته بأنظمة الحكم المتعاقبة علاقة صعبة وغير مثمرة في الكثير من مفاصلها، أورثته شعورا مزمنا بعدم الثقة بالحكام. فصار بهذا حساسا إزاء أي إخفاق للمسؤولين والساسة. وقد وجد هذا التشكك وانعدام الثقة تعبيرا واضحا عنه في ردود الفعل الشعبية التلقائية التي عبر عنها المواطنون عبر وسائل الإعلام في مناسبات ومراحل مختلفة، حيث ردد كثيرون تصورا واحدا مفاده:

أن المسؤول ما أن يصل إلى كرسي الحكم حتى ينسى أبناء الشعب وينشغل بالسرقة والنهب.

ثانيا إن السلبية التي عبر عنها العازفون عن المشاركة لا تعني أنها كانت عقابا للذين مارسوا الفساد وخيبوا آمال مواطنيهم فحسب، لان عقاب هؤلاء يمكنه أن يكون باختيار بدائل لهم، وإنما كانت تعبر أيضا عن يأس كبير من أي بديل. وغياب البديل هذا هو مسؤولية القوى العلمانية والديمقراطية التي كان يفترض بها ملء الفراغ الذي خلفه تراجع رصيد القوى الإسلامية بتزايد انعدام ثقة الناس بها وبمشاريعها. فتراجع القوى الإسلامية ولد فراغا، والفراغ هذا لا يملأ بصورة آلية من قبل القوى التي وقفت على الضفة الأخرى من مشاريع الطائفية، وإنما كان على هذه القوى أن تلعب دورا فعالا في إقناع المواطن بأنها قادرة على أن تكون فعلا هي البديل. من جانب آخر لا يمكن ولا يحق لهذه القوى أن تعول، بدون جهد ولا حتى تقدير معقول للأوضاع، على معادلة فقيرة تفترض أن المواطن إذا لم يختر الإسلاميين سوف يختارها هي بالضرورة وكأن الأمر تحصيل حاصل. هذا غير جائز لأنه غير منطقي فالمواطن ليس طفلا غرا يلهوا ويغير ألعابه دونما تمييز.

إن رفض المشاركة والانسحاب هو إدانة ورفض ليس للقوى التي مارست الفساد والنهب وأحبطت آمال المواطنين في حياة كريمة فحسب، وإنما هو أيضا، وبشكل اكبر، رفض للقوى الأخرى التي خذلته بعدم قدرتها على ملء الفراغ.

إن 49% من الناخبين العراقيين الذين رفضوا المشاركة في الانتخابات هم صرخة احتجاج عالية في وجه كل القوى السياسية التي عليها أن تعيد حساباتها وتضع في اعتبارها أن المواطن العراقي، بوعيه وآماله، هو اكبر من قدرتها على قيادته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - محاولة ارضاء الجميع
منير العبيدي ( 2009 / 2 / 3 - 20:23 )
إن رفض المشاركة والانسحاب هو إدانة ورفض ليس للقوى التي مارست الفساد والنهب وأحبطت آمال المواطنين في حياة كريمة فحسب، وإنما هو أيضا، وبشكل اكبر، رفض للقوى الأخرى التي
خذلته بعدم قدرتها على ملء الفراغ.
الفقرة اعلاه مقتبسة من النص و هي صائبة تماما ، لقد أقدمت أحزاب غير علمانية على خطوات و مواقف شجاعة مثل قيادة المالكي و قيادة حزب الدعوة أرضت الأوساط التي ترغب ان ترى نهاية لتسلط الاسلام السياسي. فيما تقاعست عن ذلك الاطراف التي كان الشعب ينتظر منها المبادرة عن تحديد موقف ملموس . ان محاولات ارضاء الجميع قد تمخضت عن اغضاب الجميع .
أحسنت


2 - ..........
sami marx ( 2009 / 2 / 3 - 21:46 )

ما هي النتائج التي حصل عليها الحزب الشيوعي العراقي من له معلومات فليجبني مشكورا


3 - الخلاف ذاتي
abdul aziz ( 2009 / 2 / 3 - 22:01 )
ان الخلاف الاساسي بين تجمع حزب الدعوة والمجلس الاعلي وربماتنافسها مع القوي والتجمعات الاخري الفاعلة علي الساحة السياسة في العراق حاليا يكمن ليس في مفردات برامجهالازالة الفقر والجهل وتراكمات الماضي البغيضة او حول كيفية اعادة بناء الدولة -الامة وتطوير الوعي والالتزام الاجتماعي وتحشيد الجماهير من اجل البناء والتعمير وانجاز مهمات التنمية الاقتصادية الاجتماعية العادلة والمستديمة, بل يكمن الصراع علي ما يبدو في حيثيات استغلال مرحلة الفراغ السياسي لعهد الاحتلال وما شيدة من نظام المحصصاصة الطائفية والعريقة كلة من اجل تعزيز مكاسبها الانانيةو الذاتية وليبقي العراق ... الوطن والشعب في غيبوبة. .


4 - رد
خالد صبيح ( 2009 / 2 / 4 - 13:41 )
تحياتي للجميع
عزيزي الاخ منير
هناك افكار كثيرة تحتاج للمناقشة بهدوء لايتسع لها مكان التعليق هنا
شكرا لزيارتك
الاخ عبدالعزيز
الصراع بطبيعة الحال لايخلوا من الدوافع النفعية لكننا لايمكننا دائما الارتكان الى باعث او سبب احادي في الصراع والخلاف فطالما العمل هو في ميدان السياسة والسياسة تطرح بكل الاحوال فكرا ما فان الخلافات والتباينات تكون عقدية حول وجهات نظر وافكار. وحزب الدعوة بالتحديد حزب ساسي له جذور مميزة لاسيما في الجانب الفكري وهو شهد حراك مستمر تجسد في تغيير طروحاته وبرامجه ورؤيته للكثير من الامور الاساسية باختصار انه من القوى السياسية التي تمتلك قدرة على الاجتهاد الفكري والسياسي(وهذا حديث يطول) لهذا ارى ان صراعه مع المجلس الاسلامي هو في جانب كبير منه صراع فكري وسياسي
مودتي


5 - تحية لك وللأستاذ منير
صائب خليل ( 2009 / 2 / 4 - 18:26 )
اخي العزيز خالد صبيح، تحيتي لك وأتفق تماماً مع الأستاذ منير العبيدي في اقتباسه أهم جملة في مقالك واثني على ثنائه عليها وابعث تحياتي لكما..

اخر الافلام

.. قمر الطائي من انطوائية وخجولة إلى واثقة بنفسها ??????


.. قصص مؤلمة في كل ركن.. شاهد ما رصدته CNN داخل مستشفى في قطر ي




.. بين طلبات -حماس- ورفض نتنياهو.. كيف يبدو مشهد مفاوضات وقف إط


.. ماذا يحدث على حدود مصر فى رفح..




.. اشتباكات في الفاشر تنذر بانطلاق المعركة الفاصلة بدارفور