الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صباح الخير يا كاسترو!

صبحي حديدي

2004 / 3 / 23
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


الآن وقد غاب صدّام حسين عن مسرح الشرّ، وليس من الواضح متى سيغيب عنه أسامة بن لادن أو تخترع الولايات المتحدة إبليساً جديداً صانعاً للشرور جمعاء، فإنّ بعض الأمريكيين يزجون الوقت بتأثيم جارهم... فيديل كاسترو. وبالأمس قرأت مادة على الإنترنت كتبها الصحافي الأمريكي، الكوبي الأصل كما يبدو، هومبيرتو فونتوفا، بعنوان "جارنا الإرهابي"، يزعم فيها أنّ مكتب التحقيقات الفيديرالي الأمريكي أحبط خطة إرهابية شيطانية، كانت تستهدف تفجير عدد من محطات الأنفاق في مانهاتن، فضلاً عن مصفاة نفط في نيوجيرسي، وبالطبع... نسف تمثال الحرّية العزيز، دون سواه. رجال الـ FBI عثروا على أكثر من 500 كيلوغرام من مادة الـ TNT، وقنابل يدوية، ومخططات هندسية للمواقع المستهدفة. ولكنّ السلطات الأمريكية تكتمت على حقيقة أنّ الذين يقفون وراء هذا المخطط الشيطاني هم، حسب فونتوفا، رجال استخبارات كوبيون يتسترون بالعمل في بعثة كوبا إلى الأمم المتحدة!
وهذه حكاية أخرى إضافية، إذاً، تذكّرنا من جديد بأنّ الزعيم الكوبي فيديل كاسترو ما يزال على قيد الحياة، بل هو يواصل العيش في هيئة الكابوس لدى البعض في أمريكا. وهذه مناسبة لإلقاء التحية على هذا الثوري العجوز الذي بات غريب الوجه واليد واللسان، عن العالم بأسره ربما. إنه اليوم على أعتاب عامه الثامن والسبعين، وقد أكمل 55 سنة من العمل الثوري المتواصل، إذا احتسب المرء انخراطه في انتفاضة جمهورية الدومنيكان (1947) قبل لجوئه إلى جبال سييرا مايسترا (1956) لشنّ حرب العصابات التي انتهت بالزحف على هافانا وإسقاط نظام الدكتاتور باتيستا.
والعالم تغيّر كثيراً منذ ذلك التاريخ، بل إن بعض متغيراته أخذت صيغة الإنقلابات الكبرى والهزات العارمة، من نوع اضمحلال المعسكر الاشتراكي، وتفكك الإمبراطورية السوفييتية، والتبدّل الجذري الذي طرأ على مفهوم العالم الثالث وحركات التحرر الوطني وأساليب النضال ضد الإمبريالية، واعتماد مفهوم الغزو العسكري بوصفه الضربة الوقائية الأمثل. العالم تغيّر كثيراً، ولكن كاسترو لم يتغيّر إلا قليلاً...
صحيح أن الشيب خط لحيته الأسطورية، ولم يعد السيكار هو العلامة الفارقة الملازمة، وبزّته العسكرية الخضراء أخذت تختفي بين حين وآخر لتحلّ محلها الـ "سموكنغ" وربطة العنق أثناء الزيارات الرسمية الخارجية القليلة. وصحيح أن الرجل بات يتحدث، على استحياء وبكثير من الإرتباك والحيرة، عن الاستثمار الحرّ واقتصاد السوق والخصخصة الجزئية، وتراجع قاموسه الإيديولوجي اللاهب إلى حدود لا سابق لها من الإنضباط والرزانة. ولكنه بقي كاسترو القديم، غير المنتقَص جوهرياً، وليس من سياق سياسي أنسب من هذه الأيام للوقوف عند ظاهرته، وعند سلسلة الدوافع الموضوعية التي تشجّع الرجل على مواصلة عناده.
فعلي الصعيد الداخلي لا يجادل إلا قليلون في أن الخطوط الكبرى لإنجازات الثورة الكوبية (مثل محو الأمية، والإصلاح الزراعي، وتطوير صناعة السكر، والثورة الثقافية) أعطت أكلها، بل طفحت وزادت. وحجم المبادلات الكوبية مع أوروبا الغربية يبرهن على حيوية مدهشة، وعلى مرونة متقدمة إذا ما قيس بما آلت إليه الاقتصادات الأخرى للدول الاشتراكية سابقاً. وإذ يؤخذ بعين الاعتبار حجم المصاعب الخارجية التي تعرضت لها كوبا، من حصار "خليج الخنازير" أيّام أيزنهاور وكنيدي إلى أحدث أطوار إحكام الخناق على يد بيل كلينتون وجورج بوش، فإنّ سجل نظام كاسترو يترك انطباعات تستحق التأمل حقاً.
وعلى الصعيد الإيديولوجي لا يلوح أن كاسترو خسر الكثير من جراء سقوط الشيوعية السوفييتية، لأنه أصلاً كان حالة وسيطة بين اللينينية الرومانسية، والماوية الثقافية، والبلانكية المعقلنة. وفي وسعه أن يرقب الهدوء الداخلي النسبي الذي تتمتع به الصين المعاصرة، وأن يضحك في عبّه على مشهدين متناقضين ـ متكاملين: مشهد الرأسماليات الغربية وهي تتسابق على خطب ودّ الصين وتوقيع ما يمكن توقيعه من عقود مع اقتصادها الذي يتنامى مثل تنّين، ومشهد الرأسماليات ذاتها وهي تتملص من أعباء العلاقة مع روسيا فلاديمير بوتين واقتصادها الذي يترنح مثل "موجيك" ذهبت الفودكا الرديئة بعقله وقواه.
وكاسترو لا يحتاج اليوم إلى كثير من المهارات التكتيكية لكي ينفذ من ثغور المصالح المتضاربة بين الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وله أن يسترخي وهو يتابع فصول الشدّ والجذب بين قرارات الكونغرس الأمريكي من جهة، وعقود الشركات الأوروبية الطامحة إلى الاستثمار في كوبا من جهة ثانية. وبهذا المعنى لا يبدو أن الرجل على عجلة من أمره في التقاعد، ومن المبكر الحديث عن استراحة المحارب المقترب من الثمانين!
كانت تنقصه تهمة واحدة وها أنهم يلصقونها به اليوم، ممّا يجعل تحيّته واجبة على أمثالي. صباح الخير، إذاً، أيها الرفيق فيديل كاسترو... الإرهابي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد| اعتراض قذائف أطلقت من جنوب لبنان على مستوطنة كريات شمو


.. حصانة جزئية.. ماذا يعني قرار المحكمة العليا بالنسبة لترمب؟




.. المتحدثة باسم البيت الأبيض تتجاهل سؤال صحفية حول تلقي بايدن


.. اليابان تصدر أوراقا نقدية جديدة تحمل صورا ثلاثية الأبعاد




.. تزايد الطلب على الشوكولا في روسيا رغم ارتفاع سعرها لعدة أضعا