الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل آن لها أن تُفتح

أنوار سرحان

2009 / 2 / 4
الادب والفن


الرسالة الأولى- 1
وحدك تدري, أيّها المقيم فيّ ما عشت…وحدك تدري, أنّني كنت أمزّق قطعة من كبدي, كلّما كنت أمزّق رسالةً أكتبها لك,…ووحدك تدري, أنّني تعوّدت أن أنشغل عن الدّنيا مرّتين, ألوذ بك فيهما…مرّةً يوم مولدك, ومرّةً يوم خلّفتني لأختنق بحشرجتي وحيدةً وسبقتَ إلى هناك….وليكن منذ اليوم, أنّني لن أمزّق ما سأكتب!
وحدي .. أضيء الليلة شموعك .. لن أطفئها أبدا.. حسبك أن الدنيا أطفأت شموعك قبل الأوان.. فلا تقلق.. سأضيئها منذ الآن.. وأحتفل الليلة بذكرى ميلادك.. لن تغالبك هواجس عيد ما بعد الثلاثين أو الأربعين.. ولن تقلق مثلي من انطفاء سنةٍ أخرى من عمرك.. فعمرك قد توقّف عند أجمل جيل.. لتبقى في ريعان شبابك.. أجمل وأنضر ابن عشرين.. لك أن تبتسم إذن كما عهدتك ..
أعرف أنك تتساءل عن سر كتابتي إليك الليلة.. وبعد كل هذي السنين.. لا لا .. لا أكتب لأحدثك عمّن بقوا من بعدك فوق هذي الأرض… فهناك حيث أنت لا مكان إلا للطيب …
ولن أخبرك عما لحق الكون من دنسٍ بعدك.. لا أريد أن أصدّع رأسك بما غزانا من حروبٍ أشعلت الأرض ناراً.. ولا بتمزّق وتشرذم الأمة التي أحببتَها.. لا يا صديق… أنا لا أسعى لتصديع رأسك في ما يؤلمك..
لكني مدينةٌ لك بدين.. ورسالتي الليلة ما هي إلا سعيٌ للتسديد.. لا تضحك.. ما بك؟ ؟ ألا تصدقني.. أعرف أعرف أني لم أستدن منك أي مال.. ولم أستعِر منك أيَّ غرض.. لكني مدينةٌ لك.. ما زلت تضحك؟؟؟ حسنا.. لا تتساءل.. كنت مدينةً لك بكلمة لم أرضَ بقولها قبل أن تغادر… فليكن إذن أن أُسمعها لك الآن.. أحبك.. وحق الله أحبك. عشقتك عمرًا مداه طويلٌ .. ألم يأن وقتٌ لأعلن حبي؟؟؟ ربما كان علي البوح بها قبل عديد من السنين… بل ربما في قولها كنت أجنّب نفسي كل هذا العذاب والشوق والحنين.. ربما كنت بقولها أخفف عبئا وأزيح حملا ..
.. لا أدري.. المهم أني أقولها الآن ..
.. ولو بعد كل هذي السنين.. ربما كنت تحدس هذا .. فحدسك لا يكذب ولا يخون.. لكني لم أعترف به قبلا… فليكن إذن أن أقطع الشك باليقين.. أحببتك جدا ..أحببتك حلماً لم يتحقق.. وأملاً لم ينطفئ.. أحببتك روحاً محلّقة في السّنا والسُّمى.. أحببتك ضوءًا ينير قلبي.. نبراساً يضيء دنياي .. ألم يحن وقت إعلاني إذن؟.. فلتعرف يا غالي أنك لم تكن صديقاً، ولا زميلاً.. كنت وما زلتَ وستبقى حبيباً .. حبيبا له من القلب مكانه ومكانته..
أعرف أنك ما زلت تحتفظ بشعرك الأملس الساحر.. الوحيد الذي نجح في جعلني أعجب يوماً بشابّ أشقر.. وأنا من رضعت الغزل بشابّ أسمر.. وجدتك في لحظةٍ تمحو من خيالي كلّ صور الفرسان الذين حكت لي عنهم جدتي في حكاياتها .. مؤكدةً أن الوسيم لا يكون إلا أسمر.. فكذّبتها مذ رأيتك.. وأيقنت أن ذاك الفارس الذي سينقذني بقبلةٍ دافئة فوق جبيني بعد أن أموت سنواتٍ.. لن يكون إلا أنت.
منذ نظرتي الأولى حين رأيتك هناك.. تتبختر مزهوّا.. تطمئنني . . شدتني أسرارك .. لما قرأتَ ما دار في قلبي حينها من مخاوف وهواجس.. كنت مستسلمةً للارتباك والخوف من عالمٍ مجهول.. وأنا ألج عتبة الجامعة للمرة الأولى..
تلك الجامعة التي أحببتها يومها.. في وجهك.. .. جعلتني أعشق تلك البوابة الواسعة التي جمعتنا عند طرفها فالتقت ابتسامتي الخائفة بابتسامتك المطمئنة .. ما زالت تعرفني.. بل وتبتسم في وجهي كلّما عدت لذلك المكان .. متباهيةً بحفظها لسر أعيننا.. ونظراتها..
ما زلت ألتقي عينيك تستقبلانني كلما وصلتُ إلى هناك.. .. وتلك الساحة التي كانت تجمعنا كلما دقّت ساعة انتهاء المحاضرة.. فيسرع كلٌّ منا للقاء الآخر.. لقاءَ عيون، لقاء كان صمته أعمقَ وأجمل وأوفى من أي كلام.. أسكنه صمت الكلام ، فصخب بثرثرة العيون.. وتعانقت فيه تسبيلات الجفون.. لتقول أعذب قصائد لم ينجح في قولها الشعراء.. وتنقش على جدران المكان حروفَ عشق لن يمحوها الزمان.. ولا تجديداتُ المكان.. حروفاً سحرية خطّتها قلوبنا من دون أيدينا.. ورسمتها أرواحنا من دون ريشاتنا.. حروفاً من نورٍ.. لا يراها إلا العارفون.. حروفا حفرت في قلبي قبلاً.. سأقرؤها الليلة كما اعتدتُ في هذي الليلة من كل عام.. وسأغنّيها على ضوء الشموع.. دون أن أبللها بالدموع.. سأغنيها قصيدة عشقٍ غزلية.. وألحان حبّ عذرية.. ليعرف من بقي من بعدك فوق هذا الثرى .. أن كل زماٍن لا يخلو من حكاية عشق أبدية..
فليشهد أهل هذا الزمان إذن.. أن حبي لك يغلب ما يصرّون على وصم زماننا به من كذبٍ وزيفٍ وخداعٍ ورياء.. كون حبي لك لم ولن يعرف إلا الصفاء والنقاء..
لن أبكيك الليلة حبيبي..
ما زلت تغمرني بذات النظرة ؟؟ سامحك ربي… وحفظك قلبي.. لا تنزعج كوني لم أبكِك يوما. .. أنا لا أبكيك.. لا قلة حبّ .. لا ولا قسوة قلب.. أنا لا أبكيك لأنك لم تمت عندي.. فالموت ليس مغادرة الروح للجسد.. إنه مغادرة الروح للروح التي تحبها .. وروحك لم تغادرني، فلمَ أبكي ؟؟ لا لست بحاجة للبكاء أيها الغالي..
لن أبكيك الليلة…
فأنت الرابح أصلاً بمغادرة هذا العالم.. وإنما في موتك اعترافٌ من كلّ الكون أنه ضاق بصدقك.. ولم يحتمل نقاءك.. ولم يتّسع لطيبتك… ولم يقدر على احتضان صفائك.. فهذا العالم لا مكان فيه لكل صفاتك.. أليس في طردك منه شهادةٌ لك إذن أنك غلبتَه لما ضاق بكلّ معانيك؟؟ وغلبه ذاك الثرى الحكيم حين اختار احتضانك.. فلفّك بين ذراعيه الواسعتين ليغمرك بدفئه .. ليس محبةً فيك فحسب.. إنما حاجةً إليك.. لتطهّر تحت هذي الطبقة ما يدنّس من فوقها.. فهنيئا لك إذن بمهمتك السامية ..
حبيبي البعيد جسدا.. القريب روحا .. بل الأقرب مني إليّ.. الساكن هناك فيّ.. في اعماق روحي ودمي
لم أخُن عهداً إليك.. فنحن لم نتفق أن أنجب لك صغارا يضيئون عتمة الليالي .. لكني قد فعلت.. يا غالي…. . أنجبت طفلا يشبهك تماما. هو ليس أشقر .. وليس شعره بأملس.. ليست عيناه بلون عينيك… وملامحه ليست تماما كملامحك.. لكنه يشبهك.. يشبهك بحبّي له.. وبإنارة قلبي وروحي كما اعتدتَ أن تنيرهما.. لم أسمّه باسمك طبعاً.. فمنك لا يمكن أن يوجد اثنان… لكنه يحّبني كما كنت تحّبني..ويسعدني كما اعتدتَ أن تسعدني.. ويضيء عتمة أيامي كما كنت تفعل.. إلا الليلة ، حبيبي.. فالليلة لك وحدك.. لن يضيئها إلا شموعك..
حبيبي الغالي… لا أعرف تماما بالضبط إن كان بريدكم هناك حيث أنت في ديار الموت يستقبل رسائلي . لكني على يقين أن كلماتي ستصلك، ربما تتلقّاها روحك التي تحوم حولي ملاكاً يحرسني كلّ ليلة ، يدفئ بردي ويهدهد جراحي.. يمسح دموعي بحنان يتدفق.. .. .
وربّما روحي التي ما زلتَ تسكنها تشي لك بما أكتب … فتقرأه بامتنان.. وتبتسم باطمئنان .. فتربّت بيمينك على كتفيّ .. وبيسارك ترمي بزهرة إليّ… ثم تحتضن عباراتي بكل حنان.. وبنبرتك الساحرة الرزينة .. وبهمسك الذي ألفتُك فيه.. باثا إلي أجمل ابتسامة .. تقول : "بحبك"!
ليس مهما كيف تصلك كلماتي . كل ما يعنيني أن تصلك… حاملةً زفراتي اللاهثة بحبك.. ستعرفها وتميّزها جيدا.. فنبرتي لم تتغير كثيرا.. وإن سكنتها هزّةٌ ورجفة.. هي من فعل السنين.. لكنها ظلّت على حالها.. لم يغزُها الشيب كما غزا شعر رأسي .. ولم تحفر بها التجاعيد كما حفرت بملامح وجهي. ولم تسمن وتترهل كما بدني. إن هي إلا رجفةٌ ضئيلةٌ لم تنجح في تغيير ملامح نبرتي .
ستصلك حتما.. فاحرص عزيزي ألا تغادرك.. واحفظها كما حفظتُ كلّ ما لك عندي..لأوقن أن الموت لم يغيرك.. ولم يشُب صفاءك.. ولا نقاءك.. فأنت أملي في نقاء هذا العالم.. ما زلت أحارب بك الدنيا.. وأغلب بك كلّ الشر.. فلنقائك طعم الحقيقة… لا ترضى بالخديعة.. ولا تستسلم لظلمٍ أو خداع.. ولا ترتضي بارتداء أي قناع.. ذاك أن نقاءك صادق… وصدقه يتجلى هازما زيف العالم .. ومطهرا لؤمه وكذبه، غالبا ما فيه من دنس وشر، طارحا فيه كل معاني الخير… أعرف كل هذا والله.. لكني احتجت أن أعترف أمامك..أن أقول إني أحببتك كما أحببتني.. وإني لم أنسك كل هذا العمر… فهل تسامحني حبيبي على تأخّر اعترافي.؟؟؟ أعرف أعرف.. أعرف أن قلبك لا يملك إلا أن يسامحني.. فهنيئا لي بك إذن… وبشموعك التي لن تنطفئ فيّ…………… أحبك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان


.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير




.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام


.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي




.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية