الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله / الوطن .. بالأمر

إبراهيم المصري

2004 / 3 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


قبل ربع قرن ، وما أشقانا بالزمن العربي ، التحقت بالخدمة العسكرية الإجبارية في جيش بلدي ، كنت بلا لحية يتوجب حلقها فلم تكن قد نبتت بعد ، وإن كنت حينها بشعر رأس حلقوه ( زيرو ) حتى تخلو الدماغ للواجب الوطني .
أذكر أننا كجنود ، كنا نقف بشكل روتيني في طابورين أحدهما صباحا ، والثاني عصراً ، وطابور العصر هذا كان يُسمَّى ( طابور الهتاف ) لأننا نهتف فيه للوطن ( تحيا جمهورية مصر العربية ) قبل أنْ يُطوى علم الوطن على ساريته ويذهب للنوم .
الرابعة والنصف عصراً نقف في طابور الهتاف ، وبعد التعليمات التي يلقيها ضابط أو ضابط صف حسب المتوفر من رتبٍ يظن أصحابها أنهم أخماسُ آلهة ، أقول بعد التعليمات يقول الضابط أو ضابط الصف الجملة الآتية :
ـ التعيين حسب الأحوال
الله الوطن بالأمر
وكان خمس الإلهِ هذا يقصد بالتعيين طعام العشاء للجنود وحسب الأحوال أي حسب ما هو متوفر كأن يكون الطعام عدساً أو جبناً أو أي طعام آخر
أمَّا عبارة ( الله الوطن بالأمر ) فقد كان الوطن محسوماً فيها بالأوامر العسكرية والتي كان من بينها أوامر لا تخطر على بال سريالي من وزن لوتريامون .
مثلا يقول الضابط أو ضابط الصف لجنوده أريدكم أن تذهبوا وأن يُحضر كل واحد منكم مائة حبة رمل ، على أن يكون نصفها ذكوراً ونصفها الآخر إناثاً ، هل أقسم لكم على القرآن والإنجيل والتوارة أن هذا كان يحدث .. أو أن يقول خمس الإله هذا في زيه العسكري إنه يرى إصبع أحدنا يتحرك في ( البيادة ) اللفظ المصري للحذاء العسكري ، ولو كان الوقت نهاراً لصدقت خمس الإله هذا ولكنه كان يقول ما يقول من جلسته أمام خيمته والظلام مخيم على الجميع بعد منتصف الليل ونحن وقوفاً في طوابير متراصة أمام عينيه اللتين لم تكونا بالتأكيد جهازاً للكشف بأشعة الليزر ، وكنت على ما أذكر أعتقد أن صاحبنا ضربه الأرق فجمع جنوده مثل قطيع ماشية في طابور ليلي لكي يتسلى .
لا يعني هذا أننا لم نكن نتلقى أوامر معقولة ، في الحقيقة كان يحدث هذا وحق الاعتراض في كل الأحوال كان مرفوضاً ويُقال لك دائما نفذ ثم اعترض ، ولم يكن أحد يعترض .
وإن كان الوطن بالأمر فإن الله لم يكن بالأمر ، لأن الضباط وضباط الصف أخماس الآلهة هؤلاء لم يعاقبوا جنديا على تركه للعبادة بقدر ما كان يهمهم الضبط والربط العسكريين.
ثم مرَّ الزمن كما يمرُّ دائما وكانت الصحوات الدينية على اختلاف أوهامها ، ورأينا وسمعنا وقرأنا أنَّ دعاةً قائمون هذه المرة بأمر الله ليس في بيوتهم فقط وبين أسرهم ولكن في المسجد والشارع والجامعة والمدرسة والمكتب والمصنع وفي كل مكان يمكن لهؤلاء الذين أفاقوا على إيمان متعثر بمشاكل الحياة أن يدخلوه وأن يرغموا البشر على الله بالأمر .
في المسيحية : الله محبة
في الإسلام : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله
لكن الحب في نظر الدعاة إلى الله بالأمر يعني الطاعة ، وليتها كانت طاعة الله ولكن طاعتهم هم بالذات .
يقول حسن البنا الرجل شبه المتعلم قياساً بقامة رجل مثل طه حسين ( من أطاعني فقد أطاع الرسول ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله )
على أن الوطن بالأمر يبقى مرحلة مهما طالت يمكن رفضها لأنها في النهاية تستند على هذا الوطن المدسوس في خطابات رسمية وأغان حماسية دعائية وصيغ ترويجية لوطن لا يقاسم الإنسان المصلحة وإنما يأخذ منه كلَّ شئ مقابل بطاقة شخصية أو جواز سفر أو شهادة وفاة ، ويمكن أيضاً أن نحلم في الوطن بالأمر ، بوطن بالقانون والعدالة والحرية .
لكن الله بالأمر تطور .. وهذه سُنة الحياة .. إلى الله بالقتل ، فمن ينكر معلوماً في الدين بالضرورة كافر ، ومن يجتهد في إطار الدين والثقافة كافر ومن يخرج عن تصورات ابن تيمية والغزالي كافر ومن يحب المسيحيين وغيرهم من غير المسلمين ويعتبرهم بشراً لهم نفس الحقوق كافر ، ومن يشاهد السينما كافر ومن يشرب الكوكاكولا كافر وهكذا في اصطفاف أسود يعلو بفئة الله بالقتل فوق البشرية كلها وهذه الفئة في أخذها الله على عاتقها بالقتل قسمت العالم إلى فسطاطين .. فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان على حد قول أسامة بن لادن صاحب الصوت المتقشف والعقل الدموي ، ثم ذهبت فئة الله بالقتل إلى ما ابتكره فسطاط الكفر كما تقول ، لكي تحوله إلى أسلحة دمار رهيبة تقتل البشر على اختلافهم في مجازر كونية مرئية بالصورة والصوت من نيويورك إلى بالي إلى الرباط والدار البيضاء والرياض إلى مدريد أخيراً .
في العالم العربي نعرف جيدا أن العسكر هؤلاء الذين يدعون إلى الوطن بالأمر لا تزال قبضتهم شديدة من ثورات بيانهم الأول وحتى بقائهم إلى اللحظة متربعين على عرش السلطة والمال والنفوذ ، لكن هؤلاء لا يرون في سوتيان أحمر معروض خلف واجهة زجاجية رجسا من عمل الشيطان ، وهم يقاسمون الشعوب الوطن ، يأخذون كل شئ ويتركون الشعوب في حياتها عاطلة عن الأمل ، لكنها تحيا على أي حال .
أمَّا دعاة الله بالقتل فهم يطالبون ليس بالأوطان فقط وإنما بالحياة أيضاً وإن لم تعطها لهم باصطفافك معهم انتحارياً أو استشهادياً فهم سوف يبادرون بأخذها لكي يذهبوا بها إلى الجنة ، فتحسس رأسك برفض دعاة الله بالقتل هؤلاء الذين لهم اسم واحد في الحقيقة يدل عليهم ( الإرهاب ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحزمة نارية عنيفة للاحتلال تستهدف شمال قطاع غزة


.. احتجاج أمام المقر البرلماني للاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ تض




.. عاجل| قوات الاحتلال تحاول التوغل بمخيم جباليا وتطلق النار بك


.. زيلينسكي يحذر من خطورة الوضع على جبهة القتال في منطقة خاركيف




.. لماذا يهدد صعود اليمين مستقبل أوروبا؟