الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
جدلية التحرير ( المقاومة ) والتغيير الديمقراطي الاجتماعي - 2/3 -
بدر الدين شنن
2009 / 2 / 4مواضيع وابحاث سياسية
كان للتحولات الكبرى التي جاءت بها نتائج الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي ، التي تمثلت في ، إعادة تشكيل خرائط النفوذ الدولي ، وخرائط الكثير من البلدان في أوربا وآ سيا وأفريقيا ، وانهيار النظام الاستعماري العالمي ، والتي أدت إلى انقسام العالم إلى معسكرين أساسيين ، المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي ، الذي عبر عنه ( حلف وارسو ) ، والمعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ، الذي عبر عنه ( حلف الأطلسي أو الناتو ) ، كان لها تأثير كبير في تحقيق إنجازات تحررية كبرى لاحقاً في أواخر الأربعينات وأوا سط الخمسينات من القرن الماضي في آ سيا وأفريقيا ، ولعل أهمها بمكان ، هي انتصار الثورة الصينية 1949 ، واستقلال الهند 1949 ، وهزيمة فرنسا المدوية في معركة ( ديان بيان فو ) وانتصار الفيتنام 1954 ، واندحار العدوان الأميركي على كوريا الشمالية 1953 ، كما كان لها تأثير هام في تلك الفترة في بروز وتوسع حركة التحرر العربية .
في الأربعينات من القرن الماضي ، ماقبل إقامة الكيان الصهيوني - الاستعماري ، عندما كانت تنهض ثورات ومقاومات ضد المحتل الأجنبي في سوريا والعراق ومصر والسودان .. ألخ .. كانت تلك الثورات والمقاومات تواجه المحتلين الأجانب كحالة عابرة ، ويتحدد أفق انتزاع الحرية برحيل الاحتلال . ما بعد إقامة هذا الكيان ، وانفضاح مخططاته التي تقضي باقتلاع وإبادة وتشريد الشعب الفلسطيني وإحلال تجمعات عنصرية مغامرة مهاجرة محله ، وبإعادة احتلال البلدان العربية المتحررة بأ شكال جديدة ، بات العدو حالة وجودية شبه دائمة ، ويحمل جوهاً متعددة ، وبات مضمون الصراع مع العدو مركباً ووجودياً ، واتخذ منحى موضوعياً وطنياً وقومياً وديمقراطياً واجتماعياً ، بإيجاز ، بات بناء قوى مقاومة مكافئة لقوى العدو المركب ، وفي مقدمة ذلك بناء الدولة المستقلة وترسيخها على مؤسسات وسلطات ديمقراطية ، واستكمال استقلالها السياسي وبناء اقتصادها المستقل ، وتجاوز الأطر الجغرافية القطرية التي فرضتها معاهدة سايكس - بيكو ووعد بلفور ، وصولاً إلى دولة الأمة .
وعلى ا ستحقاقات هذا المنحى انطلقت في الفترة ذاتها ، أوا سط الخمسينات ، بدايات جادة لنهوض وطني وقومي تحرري في بلدان المشرق العربي ومغربه على حد سواء . وقد كان على قدر من الوضوح أن هذا النهوض ، رغم تعدد العناوين التي حملتها تلك البدايات ، والتي كان معظمها يتمثل في التحرر من الاحتلالات والمخططات الاستعمارية ، إلاّ أنها كانت تنطوي على قدر عال من الرغبة في بناء الذات المقاومة واالإعداد لتحرير فلسطين من الكيان الصهيوني وحلفائه ، التي تكثف فيها أيضاً مضامين النهوض المتعدد الأبعاد ، بحيث أصبح تحرير فلسطين رافعة هذا النهوض لحقبة طويلة بامتياز .
ففي ( 14 شباط 1954 ) قام التحالف السياسي - العسكري الديمقراطي بإسقاط نظام الشيشكلي الديكتاتوري ، على خلفية الخلاص من الاستبداد الذي يهدر الكرامة الانسانية ويهدر الطاقات الوطنية ، وأعاد بناء الدولة على أ سس ديمقراطية ( 1954 - 1958 ) بصورة لم تشهد سوريا مثيلاً لها في كل تاريخها قبل وبعد السنوات المذكورة . إذ تمكنت سوريا في تلك الفترة من التمتع بحريات عامة شاملة ، حرية التنظيم الحزبي والنقابي ، حرية الاجتماع والتظاهر ، حرية الصحافة والرأي والتعبير والاعتقاد ، حريات مكنتها من فضح ومقاومة كافة المخططات والأحلاف الاستعمارية ، وخاصة حلف بغداد ومبدأ أيزنهاور ، ومكنتها من تحديد خياراتها الوطنية والقومية ، حيث جددت تسليح الجيش من دول المعسكر الاشتراكي ، ووقفت إلى جانب مصر إبان العدوان الثلاثي ( 1956 ) كما مكنتها من أن تصبح في حينه أحد مشاعل الحرية في العالم ، وأن تصبح الرئة الحية التي تتنفس منها فلسطين ، وتحدت الحصار الاستعماري الذي فرض عليها عام ( 1957 ) من الجهات الحدودية كلها ، مستندة في ذلك على الوطنية الأصيلة وعلى البناء الديمقراطي وعلى رؤاها القومية السليمة ، التي لخصها الرئيس الراحل شكري القوتلي عندما رفع لأول مرة علم الاستقلال في ( 17 نيسان 1946 ) بقوله ( لن يرتفع فوق هذا العلم إلاّ علم الوحدة العربية ) ، ومستندة إلى المقاومة الشعبية التي عبرت إلى جانب الجيش عن الوحدة الوطنية المتعاقدة ديمقراطياً على رؤى مستقبلية حمالة أوجه صون الاستقلال الوطني في مواجهة المشروع الصهيوني والمخططات الاستعمارية وعلى صون الديمقراطية المنفتحة على العدالة الاجتماعية .
وفي 23 تموز 1952 تم ا سقاط النظام الاقطاعي الملكي في مصر ، على خلفية فساده وعجزه في حرب فلسطين في نهاية الأربعينات وتحمله مسؤولية مهانة الهزيمة التي لحقت بالجيش المصري إبان تلك الحرب ، وعجزه عن القيام بإعداد مصر لقيادة النضال التحرري ضد المشروع الصهيوني في فلسطين ، وكذلك على خلفية فساده وعجزه عن تحقيق تحولات اجتماعية توفر العدالة الاجتماعية في الداخل . ورغم وقوع النظام الجديد في أخطاء سياسية كبيرة ، أبرزها عداؤه للديمقراطية وقمعه غير المبرر لقوى المعارضة ، التي طبعت النظام بطابع التسلط المباحثي السيء الذكر ، إلاّ أنه بالمقابل حقق إنجازات هامة في بدايات عهده ، أهمها إجلاء القوات البريطانية عن مصر ، وتأميم قناة السويس ، وكسر احتكار السلاح من قبل الدول الاستعمارية بتسليح الجيش المصري بأسلحة من دول المعسكر الاشتراكي ، وتحدى البنك الدولي بالتوجه للاتحاد السوفييتي لبناء السد العالي وبناء قاعدة صناعية عملاقة ، شكلت لاحقاً قطاعاً صناعياً عاماً ، لعب دوراً كبيراً في توفير فرص عمل لملايين العاطلين عن العمل وفي توفير خدمات اجتماعية للطبقات الشعبية وسنداً مهماً لبنية وقدرات الدولة في مواجهة الآخر الأجنبي المتحفز لاستعادة سيطرته ونفوذه على البلاد .
ورداً على ذلك ، وفي وقت متزامن مع انطلاقة تلك التحولات ، قامت فرنسا وبريطانيا والكيان الصهيوني بالهجوم على مصر ، وسمي ذلك بالعدوان الثلاثي ، لإسقاط النظام المصري المتمرد ، واستعادة المصالح الاستعمارية الفرنسية والبريطانية التي صادرها النظام ، وتحقيق بعض من حلم صيوني توسعي يوفر للكيان الصهيوني في آن القدرة الأكبر على توسيع خدماته التشاركية مع المنظومة الرأسمالي الاستعمارية على حساب الأراضي المصرية ، حيث كانت خرائط العدوان تقضي بأن تحتل فرنسا وبريطانيا غرب قناة السويس ، ويحتل الكيان الصهيوني شرقي القناة أي سيناء كلها . ووصلت قوات العدوان إلى كامل المساحات التي حددتها الخرائط . لكن العدوان .. تحت ضربات الجيش والمقاومة الشعبية .. وتحت تهديد الاتحاد السوفييتي الشهير ، وتضامن ودعم الشعوب العربية وكل قوى الحرية في العالم ، قد فشل وانسحب المعتدون .. وتحررت أرض مصر وإرادة مصر . وهذا مافتح في المجال أن تلتقي مصر والهند والصين الشعبية وأندونيسيا 1956 في باندونغ ، ومن ثم تأسيس منظمة دول عدم الانحياز ، للحفاظ على السلم العالمي ودعم الشعوب المستهدفة من قبل الدول الاستعمارية .
وفي 14 تموز 1958 أطاح الجيش والقوى الثورية في العراق بالنظام الملكي العميل ، وتم إ سقاط حلف بغداد ، الآلية الاستعمارية الأكثر خطورة على مصائر شعوب المنطقة ، الذي كان يضم النظام العراقي وإيران الشاه وتركيا وباكستان وبريطانيا وفرنسا كأعضاء علنيين والكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية كأعضاء غير علنيين ، وذلك لتعميم فرض الهيمنة الاستعمارية - الصهيونية على الشرق الأوسط وخاصة سوريا ومصر ولإحكام الحصار الاستعماري حول الاتحاد السوفييتي . وشكلت الجمهورية العراقية فجر حرية على أفق الشرق العربي ، ولعبت دوراً هاماً ضاغطاً على بريطانيا وحلفائها في الخليج لإيجاد مخرج ( ا ستقلالي ) للكيانات القبلية الخليجية .
وعلى خلفية نداء الاستحقاق القومي التاريخي الملح ، وا ستكمالاً للتقاطعات المشتركة المتعددة والمتزايدة في السياسات الوطنية والعربية والدولية التي تتلاقى عندها كل من سوريا ومصر ، قرر البلدان 1958 إقامة الوحدة الكاملة بين البلدين تحت ا سم الجمهورية العربية المتحدة . وكان الهدف المضمر والمعلن من قيام هذه الدولة ، هو توفير مقومات قيام دولة قوية قادرة على تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي ، قادرة على حماية ذاتها من مخاطر التهديد الخارجي ، أي بناء دولة توفر إمكانات مقاومة مكافئة للمشروع الصهيوني - الاستعماري الدولي .
ما لا يجب تجاوزه أو نسيانه ، أن ا شتراك الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) بالحرب مع فرنسا وبريطانيا على مصر عام 1956 ، وكذلك الاشتراك مع حلف بغداد في حصار سوريا عام 1957 ، قد قدم البرهان على أن العلاقة ما بين الكيان الصهيوني والقوى الرأسمالية الكبرى هي علاقة عضوية تندمج فيها المصالح والأحقاد التاريخية مشكلة معاً العدو الواحد المركب للبلدان العربية .
وفي أواسط الخمسينات 1954 ا شتعلت ثورة الجزائر . وخاض جيش التحرير الجزائري مقاومة بطولية ، أ سقط فيها رهانات التسوية مع العدو والالتحاق الأبدي بالمركز الاستعماري ، كم أ سقط مقولات الخلل في موازين القوى والفوارق التكنولوجية بين المقاومة وقوات الاحتلال ، وانتزع مليون شهيد الاستقلال من المستعمرين الفرنسيين .
وفي المغرب العربي 1956 نهضت المقاومة الوطنية لتحسم السجال ما بين السياسيين ( المتعدلين ) وقوات الاحتلال ، وفرضت بنضالها وتضحياتها خيار الاستقلال التام وطردت المحتلين الفرنسيين .
كم نشبت المقاومة في اليمن الجنوبي 1967 وتمكنت ببطولاتها وتضحياتها الكبيرة من طرد الاحتلال البريطاني من البلاد وأعادت السيادة العربية على باب المندب الممر البحري الاستراتيجيي المقابل لقناة السويس جنوباً .
اللافت في المشهد التحرري الثوري ما بين أوا سط الخمسينات وأوا سط الستينات من القرن الماضي ، أن المقاومة هي الآلية الفعالة الأساس أو الوحيدة ، إن لتحقيق تحولات ديمقراطية أو لانتزاع الاستقلال الوطني . وأن التحرير .. تحرير الشعوب من الاستبداد الداخلي ومن الاحتلال الأجنبي يستدعى في كل الأحوال بناء العقيدة الوطنية والقومية ، التي تحدد العدو وتحدد مستلزمات مواجهته . وقد تبلورت هذه العقيدة عبر جحيم الصراعات والحروب في التاريخ العربي المعاصر ، على أن الكيان الصهيوني منذ وجوده هو العدو دائماً ، بينما غابت بقية مكوناته وعلاقاته التحالفية العضوية مع المنظومة الاستعمارية أحياناً . وهذا ماشكل إلتباساً في التعاطي مع الطبيعة المركبة للعدو .
لاغلو في القول ، أن النهوض التحرري الوطني .. القومي العربي .. في أوا سط القرن الماضي ، الذي كانت أبرز تجلياته هي ، فشل العدوان الثلاثي 1956 وانتصار مصر على دولتين عظميين وتراجع التوسع الصهيوني في سيناء ، وكسر حصار سوريا الاستعماري - الصهيوني 1957 ، وانتصار ثورة 14 تموز في العراق وا سقاط حلف بغداد ، وا شتعال الثورة في الجزائر والمغرب العربي ، قد أحدث رعباً وارتباكاً كبيرين في المعسكر الغربي الاستعماري . وقد مثل ذلك تسارع الولايات المتحدة الأميركية لمليء الفراغ الناتج عن انحسار النفوذ البريطاني الفرنسي ومهزلة توسع الكيان الصهيوني في سيناء تحت غطاء شريكتيه العظميين ثم انسحابه منها ، بطرحها مبدأ أيزنهاور ، الذي جاء عديم الفاعلية لانعدام وزن المفاعيل التي عول عليها لتحقيقه في المنطقة ، ثم مثل ذلك لاحقاً ضرب الحمهورية العربية المتحدة ب( فصل سوريا عن مصر ) أي ما سمي منذئذ بالانفصال . وكان ذلك بحق مفتاح الهجوم الاستعماري المضاد على حركة التحرر الوطني العربية المستر حتى الآن .
وقدحاول التيار القومي البعثي ، ما بعد الانفصال ، إلتقاط المبادرة القومية والعودة إلى مسارات النهوض مرة أخرى . إلاّ أن العنف الدموي في العراق والعنف الاستبدادي في سوريا قد أضعف هذه المبادرة وحولها احتياط للهجوم الاستعماري المضاد ، الذي تجلى بعد سنوات قليلة في العدوان ( الإسرائيلي المباشر - والأميركي غير المباشر ) 1967 على مصر وسوريا والأردن ، الذى أدى إلى هزيمة حزيران الكارثية .. حيث عاد أفق النهوض التحرري إلى حالة الانسداد .
وفي غمرة ظلام " الثورة المضادة " برزت قوى تحرر وطني من نوع آخر .. قوى جذرية في رؤاها العقيدية المقاومة .. هي المقاومة الفلسطينية .. قوى د شنت عهداً جديداً ونوعاً جديداً من المقاومة .. وجذبت إليها قوى اجتماعية وأطياف متعددة شريفة .. باسلة .. جذبتها إلى صفوفها .. وساحات نضالاتها وتضحياتها ..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر