الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شفاه أطفال غزّة ترتّل مزامير الرجولة

رابحة الزيرة

2009 / 2 / 5
الادب والفن


على مساحة ضيقة من نفس المكان الواسع الذي وقعت فيه المأساة، وبعد مرور عامين على المجزرة التي اغتيل فيها أبوها وحُصد - أمام ناظرها - أرواح سبعة من أفراد عائلتها على شاطئ البحر، تقف (هدى غالية) في عمر السادسة عشر لتبثّ الأمل في نفوس الأطفال الذين يصغرونها سنّاً من أبناء بيت لاهيا في مخيّم صيفي، لتكون اليوم هي المسئولة عن تدريب وتعليم "ألعاب الصيف البحرية" لأطفال اللاجئين في غزّة بعد أن كسرت حاجز الرعب ونزلت الشاطئ لأول مرة منذ مجزرة عائلتها وتعلمت السباحة وأصبحت قائدة في فعاليات الأطفال، هذا الوضع الخاص لهدى أهّلها لتكون خير مربٍّ في هذا المجال، ومثلها إلهام، التي قُتلت والدتها وثلاثة من أشقّائها في اعتداء صهيوني غاشم، حين كانت في الحادية والعشرين من عمرها، فاستطاعت أن تعرف طريق النجاة والسلامة من هذا الألم، لتقول بتحدٍّ وإصرار: "سنواجه مأساتنا بالعطاء وسنجعل من فجيعتنا جسراً للنجاح والفرح".

إلهام وهدى بالأمس القريب، واليوم لُؤي الصغير الذي فقد عينيه وشُوه وجهه البريء في القصف العشوائي على غزة ورغم ذلك استطاع أن يشرح بكل هدوء ما حدث له، ولم ينسَ أن يشكر من أتاح له فرصة التعبير عن نفسه، ولم يتلفّظ ولو بكلمة واحدة تعبّر عن حنق أو غيظ أو كراهية لأحد، ولم يكن ليلام لو فعل، فحقّ لمن ذاق ما ذاقه أن ينقم على العالم من حوله، ولكنه لؤي، ابن الصمود والمقاومة، لا لقيط العنف والرذيلة.

وجميلة الجملية التي بُترت ساقاها إثر قذيفة طائشة (أو موجّهة) أصابتها، ومع ذلك لم تفارق الابتسامة وجهها وهي تصف ما جرى عليها ولما يندمل جرحها بعد، كما لم تنسَ أن تعبّر عن أمنيتها في أن تكون إعلامية في المستقبل لتستكشف ما يجري وراء الكواليس ... ودلال، وأمل، ورامي، وأحمد، ومحمد، وغيرهم العشرات من الأطفال الذي عاينوا أبشع جرائم الحرب ولكن لم نرَ إلا دموعهم الممزوجة بإصرارهم على الصمود والتحدّي والبقاء.

وأعجب والله من رباطة جأش بعضهم ممن لم يتجاوز العشر سنوات وقد فقد كل عزيز من أسرة وأهل ومتاع، فيذهب وحده ليعاين أطلال بيته ليبحث عن لعبة هنا أو يلتقط كتاباً من هناك، وربما عثر على أشلاء أمه المتناثرة، أو ملابس أبيه المقطعة، ورغم ذلك يقف أمام الكاميرا ليعبّر عن آلامه، ويستنكر، ويناشد، ثم ليعود أقوى من ذي قبل، وأشدّ إصراراً وتحدّيا مما ذهب.
*********
"أنا طفلكم .. هذا الذي يتّمتموه بهجركم
فلسوف أحفر في حجار الأرض رغم الموت أنشودة البقاء ..
ولسوف أروي من دمائي زيتون هذي الأرض ..
كي تُجنوا بعزّتي الفخر..
فتَفرَّجوا .. يا سادتي .. وتأمّلوا فعل الصغار
ثم اكتبوا عني وتبتّلوا بقصيدكم ..
كي يستريح على شقاء حكايتي إنسانكم وضميركم" ..
*******
"أبي، إني أموت" ..
يهرع إليه والده ويضمه بين أحضانه، يتحسس نزيفاً من بطنه، ينادي على زوجته لمغادرة المكان، تهرول الأسرة إلى الخارج، فيزداد وابل الرصاص، رصاصة تشلّ حركة الأم فتعجز عن السير، وأخرى تتمكن من خاصرة الأب فتطرحه أرضاً، ويسقط إبراهيم إلى جواره لتباغته رصاصة دامية تسكت آخر أنفاسه، ويحتمي الطفلان المتبقيان خلف كومة من ركام المنزل .. يهدأ ضجيج الموت هنيهة، ليبدأ من جديد .. جنود قادمون، يراهم الأب فيتظاهر بالغيبوبة، يقترب أحدهم من جسد إبراهيم ويقلّبه بقدمه يميناً ويساراً، ترتفع ضحكاتهم، ويصوّب أحدهم رصاصة إلى رأس إبراهيم، تتبعها قهقهة تنزل سكيناً حاداً في قلب والده، يسحبون الطفل إلى مكان مرتفع، يرمونه برصاصات المباهاة، ويتسابقون في القنص على الطفل الشهيد، دقيقة، فعشرة، فساعة، وصدر إبراهيم ورأسه لوحة متحركة لقنصهم، يضحكون، يلهون، ويتسابقون، ثم ينسحبون ..

وتبقى العائلة - رغماً عنهم - على قيد الحياة, ويبقى شهود عيان كُثر ليكونوا شهداء على زمانهم وعلى الدمار الشامل الذي تسبّب فيه الصهاينة، ولتبقى وصمة عار على جبين مدّعي التقدّم والحضارة والرقي، ولوثة خسّة وخذلان في تاريخ ساسة الأنظمة العربية الذين يفتخر أحدهم بالتبرّع بزجاجة من دمه الملوّث لضحايا الحرب (!)، ويتبجّح الآخر بأنه تكفّل بعلاج طفلة أو طفل من ضحايا الصهاينة، ويدّعي الثالث بأن محاولته إصدار قرار وقف إطلاق النار (غير المعتبر) هو أهم إنجاز قام به لحقن دماء الأبرياء، والقائمة تطول من مواقف خزي للأنظمة العربية في ملحمة الشرف والكرامة التي تعيش مخاضها الأمة، ويأبى هؤلاء إلاّ أن يكون رصيدهم فيها صفراً، أو دون الصفر.

"فيا أبناء غزة علّمونا بأن نصبح رجالاً ..
فلدينا الرجال صاروا عجيناً ..
قد لزمنا جحورنا وطلبنا منكم أن تقاتلوا التنّينا
قد صغرنا أمامكم ألف قرن وكبرتم خلال شهر قرونا
يا أحباءنا الصغار.. سلام ..
جعل الله يومكم ياسمينا ..
أمطرونا بطولة وشموخاً ..
واستعدوا لتقطفوا الزيتونا ..
إن هذا العصر اليهودي وهْمٌ .. وهم ..
سوف ينهار لو ملكنا اليقينا .."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا