الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوثب العالي على التاريخ والجغرافيا

رابحة الزيرة

2009 / 2 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


"نحدّد مربعاً، ثم نبدأ بإزالة التراب، فتظهر أوّل ما تظهر طبقة الحضارة العربية الإسلامية وهي بعمق متر – أكثر أو أقل – لكننا لا نتوقف عندها، بل سرعان ما نتجاوزها بناء على طلب الخبراء البلجيك، أمّا إن ظهر بها بعض الفخّار فيأخذونه ليخزّنوه إذ لا يوجد مختصّ بالآثار الإسلامية بين أفراد البعثة، وإذا ظهرت آثار بعض المباني فسرعان ما يتم تجاوزها بالحفر إلى أعمق من ذلك فتنخرب، حتى نصل إلى الطبقة الرومانية، عندئذ يبدأ العمل الحقيقي، فيدرسون كل طبقة تراب بعناية فائقة، يرسمونها بدقة ويسجلون كل تفصيل مهما بدا صغيراً ويحافظون على كل أمر مهما بدا تافهاً، ونفس الشيء يقال عن المرحلة الهلنستية واليونانية فلا يتركون أيّ شاردة أو واردة تفوتهم .. لقد جاءوا وهاجسهم الوحيد الوصول سريعاً إلى هذه الطبقات لذلك يزيحون الطبقة العربية الإسلامية من طريقهم بكل بساطة فيتلفونها"، هذا ما يؤكّده أحد دارسي علم الآثار الذين يعملون مع البعثة البلجيكية التي تواظب على القدوم إلى أفاميا (مدينة سورية أثرية) على مدى خمسين عاماً.

المنظومة الغربية قائمة على الكذب والتزوير، فلم يسلم الأنبياء (ع) من التقول عليهم، ولم يكن كتاب اليهود المقدّس بمنأى عنه، ولا الآثار، ولا الوقائع التاريخية، وحتى الأحداث الحاضرة التي تحدث على الملأ وبتغطية مباشرة من وسائل الإعلام لا يتورّع الغرب ولقيطه الإسرائيلي أن يلوي عنق الحقائق ويزوّرها نهاراً جهاراً.

الهولوكوست، أحد أسوأ الخدع اليهودية التي كثر تداولها هذه الأيام مدعّمة بالصور، حيث يشبّهها الناس بما حدث في غزّة خلال حرب الإبادة الأخيرة عليها، ورغم أنه لا توجد أدلّة قاطعة على حدوث محرقة أُبيد فيها ستة ملايين يهودي على يد النازيين بل أثبت بعض المحقّقين المنصفين من اليهود والمسيحيين استحالة حدوث ذلك، إلاّ أن الكيان الصهيوني استفاد أقصى استفادة من الترويج لهذه الكذبة التاريخية والويل لمن يحاول أن يكذّبها أو يشكّك فيها وفي أرقامها، وقد لوّح بها بيريز، الكذّاب الأكبر، في مؤتمر دافوس عندما حُشر في الزاوية بعدما واجهه رئيس وزراء تركيا بجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في غزّة إلاّ أنّ الحقائق الدامغة التي أتى بها أردوغان في العُجالة التي سُمح له بها أفسدت عليه محاولة الظهور في مظهر الضحية.

عادة، يصدّق الكذّاب المحترف كذبته وخاصة إذا كانت محكمة الحبكة وطال حبلها، إلا أنّ هؤلاء الدجّالين حيل بينهم وبين ذلك إذ قيّض الله من الأحرار من يفسد عليهم خططهم ويكشف تزويرهم وكذبهم، لا من قبل مناهضيهم أو ضحاياهم لأنّ أصوات هؤلاء مقموعة، بل من حلفائهم حيناً ومن أبناء جلدتهم أحياناً، وهؤلاء الأحرار رغم قلّتهم قياساً إلى المزوّرين إلا أنّ لكل واحد منهم دوراً في زعزعة أسس هذا البنيان القائم على أساس من الزور والكذب والظلم والعدوان إذا استطعنا - نحن أصحاب القضية - أن نستثمر جهودهم ومواقفهم لصالح قضيتنا العادلة.

رجب طيّب أردوغان أحد هؤلاء الأحرار حين سجّل موقفاً شجاعاً في عقر دار الإمبريالية العالمية أمام ناظر مئات الملايين من المشاهدين، ولم يتعلّل بارتباطه باتفاقيات اقتصادية وأمنية مع إسرائيل الغاصبة تمنعه من التعبير عن استيائه من سلوك حكومة العدو الصهيوني في غزة، ولم يفكّر في مصير طلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إذا واجه بيريز بجرائم الحرب التي ارتكبها وزراؤه أمام من صفّق له بعد تبجحه بأسطورة الدفاع عن النفس الملفّقة، بل تصرّف بما أملاه عليه ضميره آنذاك، فأوصل أقوى رسالة سياسية للعالم، وأبلغ رسالةِ انتصارٍ للكرامة الإنسانية حين قرّر ترك دافوس إلى الأبد وأعلن: "اجتماعات دافوس غير عادلة، وأنا إنسان مرن، ولكني لست خروفا وديعا"، ولا أعلم إذا استلم رسالته تلك ممثّل الأنظمة العربية الذليلة، المغلوب على أمره، الذي كان يجلس على بعد أمتار من بيريز وأردوغان - ولا أقول ممثّل العرب – لأنّ الأمة العربية الأبيّة بريئة من كل الذين لم ينتصروا للعدالة في معارك الكرامة التي تخوضها المقاومات الشريفة.

غداً، إذا حمل الناس صورة أردوغان، ورفرف علم تركيا في أي مسيرة مناصرة للقضية الفلسطينية تقديراً له على مواقفه الشجاعة، حينها سوف يُتّهم حاملو الصورة والأعلام التركية بولائهم وعمالتهم لتركيا كما اتُّهموا قبلاً بعمالتهم للمقاومة اللبنانية، ولإيران، وما أسهل كيل التهم جزافاً، ولكن لن ينفع هذا شيئاً في إصلاح العلاقة بين الحكام العرب وشعوبهم، بل سيزيدها تأزّماً، فهلا فكّر أحدهم أن يبحث عن أسباب تعلّق الناس بمن يشعرهم بالعزّة والكرامة بغض النظر عن قوميته أو ديانته أو مذهبه، فشافيز، ونجاد، ونصر الله، وأردوغان، من قوميات وأعراق وجنسيات ومذاهب مختلفة، إلاّ أنهم صاروا محترمين من غالبية الشعوب العربية والإسلامية لأنهم يشتركون جميعاً في أنهم كانوا عوناً للمظلوم في فلسطين، وتصرّفوا بحرية واستقلالية، فلم ترهبهم سطوة أمريكا، ولم يخافوا سخط أوروبا، فأصبحوا رقماً يُحسب له ألف حساب من الدول الغربية، لذلك أحبّتهم تلقائياً شعوبهم وشعوب العالم الإسلامي والعربي، فتجاوزت المشاعر تجاههم ما فرّقته تمايزات التاريخ والجغرافيا.

جمعية التجديد الثقافية









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله