الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حوار في المبادئ مرة أخرى- 3 أخيرة (من أجل توضيح الاختلافات)
سلامة كيلة
2009 / 2 / 6ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
"السياسة هي فن الممكن":
حينما ناقشت هذه المسألة في ردي السابق كنت أميّز بين المعنى البرجوازي لها وبين الفهم الجدلي الممكن لها، وإذا بالدكتور حبيب يشير إلى أنني رفضت الفكرة هذه لأنها فكرة برجوازية رغم صوابيتها كما يعتقد، معتبراً أنني أنحكم لمنطق شكلي يرفض "شيئاً صائباً لاعتقادنا بأنه برجوازي ليبرالي"، ومنها "الديمقراطية البرلمانية لأنها من مؤسسات الدولة البرجوازية"، ولا نعتبر أنها من "منجزات نضال وفكر الإنسان والعقل الجماعي للبشرية". ليصل إلى التمني عليّ بأن أتخلى "عن الرؤية الضيقة للتراث الحضاري الإنساني". شكراً لتمنياته، لكن كل ما قاله هو خارج الموضوع، لأنني لم أرفض الفكرة حول أن "السياسة هي فن الممكن" لأنها برجوازية، ولست ممن يرفض الديمقراطية البرلمانية كما يعتقد. أكثر من ذلك أعتبر بأن التراث الديمقراطي لعصر الأنوار هو مصدر أساسي من مصادر الماركسية، وأن ماركس وصل إلى الاشتراكية عبر طريق الديمقراطية. وبالتالي أظن بأنني أدافع عن الديمقراطية منذ عقود قبل انهيار الاشتراكية، وكانت احد نقاط نقدي للتجربة. لهذا لست ممن تسرّع إلى الدفاع عنها دون أن يعرف ماهيتها ككثير من تلبرل. وأيضاً لم أكن أربط بين الديمقراطية والحداثة عموماً كما كانت تفعل الحركة الشيوعية، حيث كانت ضدها لأنها برجوازية، ولا أربطها اليوم، ولهذا أدعو لأن يحقق الشيوعيون المهمات الديمقراطية. فأرجو من د. حبيب أن يعيد قراءة النص السابق لكي لا يركز الهجوم، ويصدر الأحكام على مواقف ليست لي، لكنه يلبسها لي، وعلى ضوئها يميل إلى "التشدد" في الرد بطريقة ليست مريحة له.
ما نختلف فيه هو المعنى المعطى لهذه الفكرة. أي ماذا يعني الممكن؟ وهل نتناوله وفق المنطق البرجوازي أم نعالجه وفق الجدل المادي؟ حيث عنت هذه المسألة في المنطق البرجوازي ممكنات الأحزاب في إطار قوتها الانتخابية، وبالتالي المكاسب الخاصة التي تؤهلها قوتها لأن تحصل عليها. وبالتالي كان ينظر إلى المسألة من زاوية السياسة فقط، الذي يعني التكتيك السياسي في إطار النشاط البرلماني. وبالتالي فإن الممكن هنا هو الحجم الانتخابي وليس أي شيء آخر. ما حاولت إيضاحه هو أن الجدل المادي يفرض أن نرى الممكن ليس بالحجم القائم بل بقدرات الطبقات التي نعتبر أننا ندافع عنها. وهنا ليس حجم الحزب هو الذي يحدد الممكن بل ممكنات دور الطبقات ذاتها. حيث أن النظر الماركسي ينطلق من وضع الطبقات ومن ممكنات فاعليتها، وبالتالي من علاقة الحزب بكل ذلك، ولا ينطلق من الحزب كذات مستقلة فقط.
يشير د. حبيب إلى "أن أي حزب يساري لا يمكنه أن يبني على الكامن من الطاقات والقدرات، بل على القائم منها لتحقيق المهمات"، وهو هنا يرد على ما قلته من قدرات في الواقع هي جزء من الممكن، هي قدرات العمال والفلاحين الفقراء وكل الطبقات المفقرة. وهو هنا يدخلنا في شربكة جديدة، حيث أن المسألة ستبدو وكأن الممكن هو الهدف الأساس، أي الإستراتيجية. الأمر الذي يجعل ما يجب أن نحققه كهدف هو ما تتيحه إمكانياتنا الراهنة. لهذا تتقلص الأهداف، وتصبح الإستراتيجية مبنية على تحقيق ما يبدو ممكناً الآن وراهناً، لا ما يمكن أن نحققه فيما بعد، وبعد مجهود في تطوير الصراع، وتعزيز القدرات، وتفعيل ما هو مكنون منها. وهذه الرؤية تجعله يطرح المسائل بحدة تناقضها: "إما السلطة أو لا شيء في العراق. وإما كل فلسطين أو الموت". بالتالي هل يمكن أن نأخذ ربع سلطة في العراق، أو بعض فلسطين؟ أو أن المسألة هنا ستبدو كالتحاق بسلطة تمثل طبقة معينة من أجل "ترشيدها"؟ أو التنازل عن معظم فلسطين لكي نطالب (وليس نأخذ) بعضها؟ هذه عقلية "إقبلْ ما يلوح لك" وليس عقلية ماركسية تنطلق من الجدل المادي.
وبالتالي فما نختلف فيه في المعنى المعطى لهذه الفكرة ثانياً هو: هل أن الممكن يحدد الإستراتيجية أم يحدد التكتيك؟ أي هل تبنى الإستراتيجية على الحجم الراهن للحزب أم على وضع الطبقات ذاتها؟ وهذا يعمق الخلاف مع د. حبيب، حيث تصبح مسألة معنى الإستراتيجية، وكيف تتحدد، مطروحة للنقاش.
كيف نحدد الإستراتيجية؟ على ضوء فهم التناقضات، وليس على ما هو ممكن. نحن نتناقض مع الوجود الصهيوني ليس كونه قد أقام كياناً استيطانياً في فلسطين على حساب سكانها فقط، وهذه مسألة كافية وحدها، لكن أيضاً لا يمكن أن نراه إلا كونه جزء من مشروع إمبريالي للسيطرة على الوطن العربي. هذا تناقض أساس، وهو الذي يحدد الإستراتيجية. هل نستطيع مواجهته الآن، وهزيمته؟ لا طبعاً، لكن ذلك لا يدفعنا لأن نقبل ما يبدو أنه ممكن، بل يدفعنا إلى البحث عن كيفية تطوير قدراتنا وتعظيم قوتنا. وفي سياق هذا الصراع نتعامل وفق الممكن، لكن فيما يتعلق بطبيعة الصراع وحدوده، وليس في قبول ما نتوهم أنه ممكن الآن، أو بعد قرن. وهنا فن الممكن يتعلق بالتكتيك وليس بالإستراتيجية.
في العراق هناك احتلال، ولاشك في أن ميزان القوى مختل إلى حدّ كبير، لكن أين هو التناقض الرئيسي، وكيف نحله عبر تطوير الصراع بتطوير قوانا. وليس بقبول مشاركة في سلطة احتلال، ورفض المقاومة من حيث المبدأ، وليس المقاومة الراهنة فقط، التي يمكن نقد كل بنيتها وطبيعتها ودورها، ولقد فعلت ذلك منذ بداية سنة 2004 وبعد ذلك. طبعاً أشير إلى ذلك لكي لا ينحرف الحوار إلى إتهامي بدعم الإرهاب كما يجري عادة حين تجري الدعوة إلى المقاومة ضد الاحتلال. بمعنى أن الموقف من الاحتلال، والعمل على مقاومته لا يتوقف على القدرات الراهنة لحزب ما، بل ينطلق من أنه أساس التناقض الموجود، والذي يدفع قطاعات متسعة من الشعب لمقاومته. مهمة الحزب هي تنظيم هذه المقاومة، وتطويرها. هنا تلعب القدرات دور في تحديد الأشكال، ولكن مع دراسة كيف تتطور؟
وبالتالي فإنني أختلف مع د. حبيب في الإستراتيجية بالأساس. وهو الخلاف الذي كان قائماً مع الأحزاب الشيوعية منذ زمن بعيد، حيث انطلقت ليس من تغيير النظم، وتحقيق المهمات الديمقراطية، بل من "النضال الديمقراطي السلمي" لتحصيل بعض الحقوق المطلبية والديمقراطية. ولقد كان دورها هو التغيير وتحقيق المهمات الديمقراطية، أي قيادة النضال من أجل هيمنة طبقية جديدة للعمال والفلاحين الفقراء، ومجمل الفئات الوسطى. هل كانت تستطيع ذلك؟ لكن لماذا لا تستطيع؟ وهل كان حزب البعث أكثر قوة وتأثير منها؟ لا في الشارع ولا في الجيش.
وهذا يوصلنا إلى ما طرحته نهاية الفقرة السابقة حول ممكنات أن يستطيع العمال والفلاحون الفقراء لعب دور أساسي في تحقيق المهمات الديمقراطية. الحزب الشيوعي ينطلق من الصراع الطبقي، وبالتالي من مدى التناقض بين الطبقات الشعبية والرأسمالية الحاكمة. وهو لن يستطيع الوصول إلى السلطة إذا كانت الطبقات الشعبية ليست في تناقض مع السلطة القائمة، لكنه ليس مفروضاً عليه أن يقبل هذه السلطة، بل عليه أن يتحضر لمرحلة تتفاقم فيها الصراعات الطبقية. ومهمته في ذلك هي تنظيم وتطوير هذه الصراعات. وهو هنا يقيس قوته، ليس بذاته، بل بمدى مفاقمة الصراع الطبقي. لكن حينما لا يسعى الحزب إلى التغيير فلسوف يعمل على طرح مطالب معيشية أو ديمقراطية، ويسعى لـ "التفاهم" مع النظم لكي تقبل بنظام برلماني، بغض النظر عن موقف العمال والفلاحين الفقراء من النظم هذه. طبعاً أنا هنا ربما كنت أوصّف ما كان يجري، ويجري، حيث إنبنت الإستراتيجية الشيوعية على المطالبة فقط، على طرح "مطالب بسيطة" لكي يكون ممكناً تحقيقها، لكنها لم تتحقق أبداً. فلأنها "بسيطة" فهي لا توحد قوى قادرة على فرضها عبر التغيير.
المشكلة هنا هي أننا نتناول أبجديات الصراع الطبقي التي يبدو أنها من الماضي، وأيضاً لم تُفهم عندنا، الأمر الذي عزز ممارسة النضال المطلبي وليس الصراع الطبقي. وأيضاً عزز المطالبة والمناشدة والاستناد إلى المساومات ولم يعزز النضال الوطني والمقاومة (التي تتضمن مساومات لكن بعد تغيير ميزان القوى). لهذا كان يكبر الحزب لكن أحلامه تبقى صغيرة، رغم أن العكس هو الضروري، حيث يجب أن تكون أحلامه كبيرة وهي صغير لكي يستطيع التحوّل إلى قوة تغيير. هذه العملية مرتبطة بفهمه للصراع الطبقي.
عودة إلى فلسطين:
أولاً، بالنسبة لرأي الرفيق فهد فإضافة إلى استنادي لكتاب سالم عبيد النعمان فقد أوردت نص الرسالة التي بعثها الرفيق فهد كما هي منشورة في الطبعة اللبنانية من "كتابات الرفيق فهد"، والتي لم تستوعبها طبعة بغداد (وكلتاهما في حزيران 1976). وهو الموقف الذي لم يغيره.
د. حبيب يلجأ إلى أسلوب ملتوٍ حينما يناقش الموقف من قضية فلسطين، ويعتمد شكلاً من أشكال "التشويه". لهذا حينما الحديث عن إزالة الدولة الصهيونية يلصق هذه المسألة بالقوى القومية والقوى الإسلامية من باب الشتيمة كونه يعتبر أنها شوفينية واستبدادية وظلامية. المشكلة تكمن في أن هذه القوى لا تطرح إزالة إسرائيل بل التفاوض معها، حتى القوى الإسلامية. ولا تعمل على إزالتها بل على "التعايش" معها كما يطالب د. حبيب بالضبط. وربما كان يغترّ ببعض التصريحات، أو يصدّق بعض الأحاديث، لكن الواقع يقول بأن هذه النظم اعترفت بالدولة الصهيونية، وتطالب ببعض الحقوق فقط، كما يفعل. وبالتالي أتمنى أن يناقش الأفكار بعد تحويل المسألة إلى ما يشبه الاتهامات: فهل من حق الشعب الفلسطيني أن يحرر أرضه؟ وهل من حق العرب أن يواجهوا دولة هي جزء من مشروع إمبريالي من أجل ضمان السيطرة على الوطن العربي؟
يؤسفني بأن أشير إلى أن د. حبيب يتعامل بمنطق مفرط البساطة، حيث يعتبر أن الدعوة إلى إزالة إسرائيل تبقي "الجمرة مشتعلة"، ونزيف الدم مستمر، لتتصاعد الكراهية والحقد والموت. حيث ستبدو المسألة وكأن هناك من يريد تأجيج نار الحرب، وليس أن وجود الدولة الصهيونية هو الذي يفرض ذلك. وليس تشريد شعب، والاعتداءات المستمرة هي التي تدفع هذا الشعب إلى المقاومة. هذه نظرة من لا يريد أن يرى، من ينطلق الاعتراف النهائي بوجود الدولة الصهيونية، وبالتالي التكيف مع ذلك، والقبول بما تطرح خشية تأجيج نار الحرب والحقد، ومن أجل "التعايش" و"السلام".
لهذا لا يرى سوى حماس، فقد دمرت القوات الصهيونية مخيم جنين في ظل سلطة ياسر عرفات وموافقته على أوسلو. ودمرت المقاطعة على رأسه ولا أحد يشك في أنه كان يريد "السلام". حماس نجحت في انتخابات ديمقراطية ليس لأنها إسلامية بل لأن ما تفعله الدولة الصهيونية يدفع كل الشعب إلى القتال ضدها. ويبدو أن د. حبيب لا يتابع ما يجري على الأرض، ولا يلمس "مزاج" الشعب الفلسطيني، إذا كان لا يريد أن يعرف طبيعة الدولة الصهيونية ودورها الإمبريالي.
هنا ماركسية د. حبيب نائمة، حيث يقبل احتلال الأرض، والتنازل عنها، وتشريد الشعوب، والقبول بما يرفضه الشعب ذاته. لهذا نراه يطرح ما يتكرر يومياً من كل الذين يرفضون المقاومة من النظم، والأحزاب: "يجب على إسرائيل أن تنصاع لقرارات مجلس الأمن الدولي"، شكراً، لكن إسرائيل فوق القانون الدولي وكل قانون، وهي مدعومة من قبل كل الدول الإمبريالية في كل ما تفعل، إذن من سيجعلها تنصاع (كلمة مفخمة تخيف إسرائيل)؟ وهي لذلك تفرض ما تريد، حتى كل تنازلات القيادة الفلسطينية لم تسعفهم الحصول على شبر مستقل. وإذا افترضنا أنه يجب أن تنصاع لهذه الحدود من المطالب، لا بد من قوة تفرض عليها ذلك، ألا يدلنا د. حبيب على هذه القوة؟ وكيف تتكون؟
ويكرر أيضاً: "والموقف الذي يفترض أن تتخذه الإدارة الأميركية الجديدة يتلخص بالتخلي عن الانحياز المطلق لإسرائيل"، لكن هل هو انحياز أم أن إسرائيل هي جزء عضوي من أميركا الإمبريالية لها دور أساسي في السيطرة على المنطقة؟ أو أن أميركا لا تهدف إلى السيطرة على المنطقة ونهب نفطها والتحكم بأسواقها؟ ألم يوضح احتلال العراق ذلك؟ أخشى أن يكون التحليل الطبقي في خبر كان، وبالتالي تعامل المسائل من منطلق أخلاقي!!
هذه هي فكرة "السياسة فن الممكن" كما تتجلى لدى د. حبيب، أن نقبل بالمحتل وأن نبقى نطالب لعقود جديدة. من قال أن الدولة الصهيونية بات لها الحق الشرعي بالاستمرار؟ ميزان القوى أو حق تاريخي ما؟ ومن قال أن المفاوضات تجدي إزاء قوى مصلحتها تتمثل في النهب والسيطرة؟
من الواضح بأن كل الأفكار الماركسية عن الاستقلال والمقاومة ورفض الاضطهاد والتحرر باتت قديمة، عفا عليها الزمن، ومن القرن الماضي. لكن آلام الشعوب ليست من القرن الماضي بل لازالت قائمة.
حينما أشرت في عنوان ردي الأول إلى "منظور العقل الليبرالي" كنت أقصد كل هذا الميل لقبول العدو، والتكيف مع سياساته، وترداد مفاهيمه من فئات كانت قبل انهيار الاشتراكية تطرح الموقف السوفيتي بالطريقة ذاتها، فتكرر النغمة ذاتها دون لحن، وتتهم المختلفين بالفوضوية وحتى الإمبريالية فقط لأن لهم ملاحظات على التجربة الاشتراكية. لكن على الأقل كانت الأفكار العامة وقتها لها وجهة تقدمية تحررية، لكننا الآن في وضع مأساوي، حيث باتت كلمة صراع تستثير الحنق، وكلمة مقاومة تستثير كل أشكال الاتهام، وكلمة وطن كل أنواع الاتهام بالشوفينية. وكلمة صراع طبقي كل أنواع الاتهام بالتخلف عن فهم "روح العصر".
لهذا منذ أن بدأت الولايات المتحدة الحديث عن الخطر الإيراني بات هذا خطراً واقعياً لدى الليبراليين، رغم أن أحداً منهم لم يتطرق إلى ذلك قبلئذ. وباتت إيران هي العدو الأول. أما من يحتل العراق فهو احتلال نتفاوض معه من أجل وضع العراق وليس من أجل الانسحاب. وأما الدولة الصهيونية فهي مظلومة لأن حماس تريد إذكاء الصراع. ومسكين الشعب الفلسطيني لأن حماس تجره إلى صراع لا ناقة له فيه ولا جمل.
لقد استقبل سكان الضفة الغربية وقطاع غزة ياسر عرفات استقبال الأبطال حينما عاد بعد أوسلو، لكنهم اكتشفوا الوهم بعد سنوات قليلة، حيث لم يتوقف الاستيطان، ولا زال الحصار والتضييق، ولم تصبح هناك سيادة. إضافة إلى كل الفساد الذي أتت به السلطة. فلماذا يظل هذا الشعب مصدقاً أنه يمكن تحقيق السلام مع الدولة الصهيونية؟ إنه يرى بعينيه كيف أن الأرض تتلاشى بفعل السيطرة اليومية عليها والتضييق يتزايد. هذا الوضع يجعل الطفل يقتنع بأنه ليس من تعايش ممكن مع هذه الدولة. وأن القتال ضدها أمر ضروري، لأنها تخنق بشكل يومي، وليس لأنها "مسالمة" و"خدومة". لقد رفض د. حبيب قمع واستبداد صدام حسين، وحارب نظامه بـ "الكفاح المسلح"، ولقد أفاض في توضيح ذلك، لكن لماذا لا يقبل ذلك من الشعب الفلسطيني، ويريده أن يقبل بواقعه؟ ولماذا لا يريده للشعب العراقي الذي بات يئن تحت نير احتلال غاشم ومدمر؟ من يرفض القمع والاضطهاد والاستغلال لشعب يجب أن يرفضه لكل الشعوب. ومن يقاوم الاستبداد يجب أن يقاوم الاحتلال.
أخيراً، لقد كانت سياسة الأحزاب الشيوعية هي هذه التي يطرحها منذ سنة 1948 لكن هذه الأحزاب كانت غير مقبولة من هذه الزاوية، وفي فلسطين تقلص الحزب إلى هامش. ويتحدث عن "فن الممكن"، وعن ضعف قوانا. طبعاً سوف تبقى ضعيفة لأن إستراتيجيتنا لا تنطلق من الواقع بل من أحلام في "السلام" كما كان يعمم الرفاق السوفيت، ومن القبول بميزان القوى الدولي كما كانوا يؤسسون سياساتهم. ورغم صحة تلك السياسة لهم لأنهم دولة فإن هذه السياسة ليست صحيحة لشعوب تئن تحت نير الاحتلال. إن أخطر ما فعله الرفاق هو أنهم ربطوا سياسة الأحزاب الشيوعية بتكتيكاتهم، وبالتالي فرضوا عليها عدم خوض الصراع، ورفض المقاومة، خصوصاً في فلسطين، لأن ذلك يتعارض في تلك اللحظات مع تكتيكاتهم، لكن الرفاق تعودوا على هذا النمط من "الصراع" ولا يريدون تغييره رغم كل ما يقولون بأنهم ينقدون سياساتهم الماضية، وأنهم يبنون سياسات جديدة، لا نلمس سوى أنها السياسات القديمة ذاتها.
لسنا من اختار الصراع، بل نولد في خضمه، ليكون أن نختار خوضه أو الهامشية. الصراع الطبقي ليس من اختراعنا، إنه موجود في الواقع، وعلينا أن نحدد دورنا فيه فقط. كذلك الصراع ضد الإمبريالية، حيث لم نذهب نحن إلى "عقر دارها" بل هي التي تزحف وتستعمر وتسيطر وتفرض سياساتها والنظم العميلة لها. وهي التي فرضت وجود الدولة الصهيونية ليس حلاً للمسألة اليهودية بل من أجل أن يكون هؤلاء جيش محارب لها في الوطن العربي.
سيقول د. حبيب "فن الممكن"، لكن فن الممكن ينبع من تحديد آليات الصراع هذا، وليس من تقزيم ما نطرح، وقبول ما يفرضون، أو بعضه، بحجة كسب ما تبقى. فن الممكن يتعلق هنا بكيف نخوض الصراع وننجح. بكيف نطور قوانا لكي نحقق أهدافنا لا أن نقبل أول مساومة تعرض علينا.
وبالتالي قبل الحديث عن القدرات وميزان القوى يجب تحديد السياسات والإستراتيجيات تحديداً صحيحاً، لأن ذلك هو الذي يحول الأحزاب الصغيرة إلى قوة كبيرة، بفعل تعبيرها عن الصراع الطبقي، والصراع الوطني، وليس التسارع في المشاركة في سلطة هي سلطة احتلال، ولا التوهان في مفاوضات عبثية واضح أنها لا تأتي بشيء. ولا إتباع خطاب ليبرالي مشوه لأننا نريد التخلي عن خطاب يساري ماركسي يطرح صراع الطبقات، ويعرف كيف يحسب موازين القوى.
آمل ألا تظل المسألة هي مسألة حماس وإيران وسورية وحزب الله، هؤلاء ربما يكونوا طارئين، لكن الصراع ليس طارئاً، وحين نتخذ موقفاً فيه خاطئاً ليس من حقنا أن نلوم أحد.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - عزيزي سلامة كيله
أحمد الناصري
(
2009 / 2 / 5 - 21:46
)
عزيزي سلامة كيله
القسم الأخير من مساهماتك ينطوي على زبدة وخلاصة دقيقة ورائعة في الجدل والتحليل الماركسي، ويستند الى قراءة الواقع الحقيقي وما يتعلق بجميع أشكال ومراحل الصراع الاجتماعي والتاريخي لنماذج وتجارب محددة وقائمة الى الآن في فلسطين والعراق، والموقف الوطني والطبقي المطلوب في حالة الاحتلال، وهذه القراءة لا تزال مفقودة للوصول الى مواقف وإستراتيجيات سليمة وصائبة لا تزال غائبة ومغيبة. وأنت لا تكتفي بذكر ماركس إنما تلجأ الى منهجه، حيث إن الإكثار من ذكر ( ماركس والماركسية والطبقية واليسارية والهجوم على البرجوازية والإسلام السياسي والقومية) لا تعني شيئاً ولا قيمة لها( والماركسية ليست أيقونة وليست واجهة أو إعلان ضوئي)، إذا لم تكن مرتبطة بموقف حقيقي آخر يفهم التاريخ ويلامس اللحظة الراهنة، ويعرف طبيعة وجوهر العدو وأهدافه وخططه، لكي يخوض معه صراعاً لا بد منه لأنه ببساطة يفرضه العدو عليك في أحيان كثيرة، أو في الحالات المحددة التي نتكلم عنها. وإن ما أسميته ( منظور العقل الليبرالي ) المتهالك والمتهرئ ( من عندي)، كان موجوداً وكامناً في تجربتنا السابقة والتي تعرفها أنت عن قرب، بدرجات وأشكال أخرى تساهلت وتداخلت مع الاستبداد المطلق والفاشية المتخلفة، تحت وابل من الشروحات الإنشائية الرثة، وقد
.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد
.. Socialism 2024 rally
.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة
.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا
.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط