الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفن في حياة الناس .

رضا الشوك

2009 / 2 / 7
الادب والفن


لم يعد المجتمع البشري مقسما الى دوائر مُستقلة ومتمايزة بعضها عن البعض الآخر ، كما كان في المراحل الأولى من تواجده ، فأضحى يشكل كُلا متجانسا من الظواهر التي تؤثر الواحدة بالأخرى وتستمد قوتها الدافعة من العامل الإقتصادي ، وبهذا الشكل فإنه ليس من الممكن فصل الإبداع الفني عن نمط الأنتاج والفضاء الفكري عن الحياة الإجتماعية . ومن ذلك نتوصل الى إستنتاج بأن الأدب والفن مرآة الحياة بكل تفاصيلها ، وعليه يمكننا القول أن لا وجود لمعايير فنية مطلقة أو أزلية وإنما علينا التمسك بما هو أصيل ، وأن يضع الفن نفسه في خدمة الناس كما طالب إفلاطون في جمهوريته ، ويرى إفلوطين بعد إفلاطون أن يمثل الفن طبيعة مثالية لا طبيعة معينة . ويؤكد أرسطو على أن " كنه الفن هو النظام والعظمة " ويَذكُر بهذا الشأن تولستوي " لا يعبر الفن عن الحالات العاطفية فحسب وإنما يفسح له مجالا آخر غير مجال المشاعر والعواطف" . ومن صفات الأنسان أنه يمتلك حس الجمال الذي يجد له إنعكاسا في الحياة التي يعيش في ظلها وبعبارة أخرى فإن الناس يشعرون بمتعة من نوع خاص تحت تأثير بعض الظواهر وذلك لأن طبيعة الأنسان تجعل منه قابلا لإمتلاك مشاعر وإحساس جمالي والظروف التي يعيش في ظلها تحول تلك الطاقات الى وقائع حية ملموسة . وتَبين من خلال دراسة الفن عند الشعوب البدائية فإن الأنسان ينظر في بادئ الأمر الى الظواهر التي تحيط به من خلال فوائدها . ففي هذه الحالة لا يأخذ بنظر الإعتبار جماليتها إلا في وقت لاحق من تقدمه الحضاري . ويورد بليخانوف مثلا عن ذلك ، وهو "أن الزنجيات يحملن في معاصمهن وأقدامهن حلقات حديدية ثقيلة تُربك مشيتهن ، لكنهن يحسبن إنهن بذلك يزددن جمالا والشغف بأدوات الزينة الحديدية يتطور لدى القبائل التي تمر بعصر الحديد ، فهذه القبائل تطلب الحديد ، والثمين يبدو في نظرها جميلا لأنها تقرن بالجميل فكرة الوفرة والثراء ، والزنجية التي تحمل عشرين رطلا من الحلقات الحديدية تعتقد أنها تزداد حُسنا عما كانت عليه حين كانت لا تحمل سوى عشرة أرطال منها ، أي حين كانت أقل غنى ." ويلح بليخانوف في أكثر من مناسبة على أهمية المضمون والفكر والمعنى في العمل الفني : " المضمون في الفن كما هو في كل شئ إنساني ، أهمية حاسمة ، وسبق أن قال بيلنسكي " الفن بلا فكرة ، إنسان بلا روح ، أي جثة."
إن كل نتاج أدبي وفني يعبر عن عصره ، مضمونه وشكله يتحددان بمشارب ذلك العصر وعاداته وميوله . وكلما كان الكاتب أو الفنان أعظم كانت أقوى وأوضح تبعية سمة نتاجه لسمة عصره ، والفنان غالبا ما يقوم بتوزيع تعاطفه دون أن يفقد إخلاصه لحقيقة الوقائع بين مختلف الظواهر التي قد تكون بنفس الدرجة من الجاذبية والتي تمتلك تبريرها أمام التاريخ وأمام المستقبل .
إن الواقع هو مادة الفن ، وإن الفنان يقوم على الدوام بالإختيار ، وهو صاحب رؤية خاصة للواقع حتى حينما ينسخ ، فهو يعيد الخلق لأنه يعيش دوره بصدق ودرجة عالية من الوفاء والأمانة في تأدية حرفته ، إن صح التعبير ، ولهذا فالفنان الحقيقي يجب أن يكون من النخبة التي يعير لها المجتمع درجة كبيرة من الإهتمام والتقييم وليس الثروة الطبيعية التي يدخرها بلد ما تمثل وحدها الغنى لذلك البلد ، فمن الممكن أن يكون بلدا يفتقر للثروات الطبيعية لكنه يمتلك نخبةَ نسبة عالية من مواطنيه في مختلف ميادين الحياة الإجتماعية . فيقال إن البلد الفلاني غني بفنانيه ورجال العلم وقد يحصل أن يختفي من الحياة هذا الفنان أو ذاك العالم ولكن يبقى متواجدا في ضمير الناس حيا خالداً الى الأبد بينما نجد بعض الدول كانت يوما ما غنية بثرواتها الطبيعية وعند زوال هذه الثروات تحولت الى بلدان فقيرة متخلفة .
إن الفن الذي يعبر عن وجهة نظر طبقة معينة يعتبر فن سياسي والروح الكفاحية التي تسري في عروقه تجعل منه سلاحا طبقيا ، والفن الأصيل يبغيه أوسع الناس لأن كل شئ فيه حقيقي وله ما يمثله في الحياة . وإذا تحول الفن للفن أصبح سلعة ، فلا عجب إذا صار الفن يباع ويشرى في عصر يقبل منه كل شئ البيع والشراء ولكن نتاج الفنانين الكبار على إختلاف مجالات نشاطاتهم الفنية تبقى حية ومعاصرة لا يشوبها شئ مهما توغل الزمن في القِدَم لأن الفن لا يعني غير إنتقاء ما هو جوهري وأساسي في الحياة وصياغة هذا الأنتقاء في صورة فنية تتبلور فيها العملية الإبداعية من خلال ذات الفنان المنفعلة والفاعلة في نفس الوقت .
ورد في مؤلف دارون (أصل الأنسان والإصفاء النوعي) المقطع التالي : ( حسن الجمال ، يقال إن الحس خاص بالإنسان..إلخ ، ولكن حين نرى طيراً ذكراً ينشر بزهو ريشه بألوانها الأخاذة أمام الأنثى ، بينما تقوم الطيور الأخرى الأقل حظا منه بأي عرض من ذلك القبيل ، علينا أن نقر بأن الإناث تعجب بجمال الذكور ) ويستمر قائلا : ( إن النساء في جميع بلدان العالم يتجملن بذلك الريش . وهناك نوع من الطيور لها قدر كبير من الذوق على أشياء براقة لتزين بها أعشاشها وأماكن أجتماعاتها ، وفي هذا برهان مؤكد على أنها تشعر وكذلك الحال فيما يتعلق بتغريد الطيور ، فالألحان العذبة التي يصدح بها كثير من ذكور العصافير خلال فصل الحب تحظي بكل تأكيد بإعجاب الإناث ، ولو كانت الإناث عاجزة عن تقدير الألوان الرائعة والزينات وأصوات الذكور لكان ذهب هباء كل الغناء وكل الإهتمام الذي يتحمل مشقتها الذكور لعرض مفاتنهم أمام الإناث ) . من هذه الوقائع التي ساقها دارون على الحيوانات ، لرأينا أنها قادرة على أن تشعر كالإنسان تماما بالمتع الجمالية وانه على الأغلب تتفق مشاربها الجمالية مع مشاربنا ، لكن هذه الوقائع لا تفسر لنا أصل تلك المشارب ، وإذا كانت البيولوجيا لا تفسر أصل مشاربنا الجمالية ، فإنها لأشد عجزا عن أن تُفسر لنا تطورها التاريخي . ولكن لندع الكلام لدارون نفسه : ( ليس حس الجمال فيما يختص بالجمال لدى المرأة على الأقل مطلقا في العقل البشري ، إذ أنه يختلف عند العروق المختلفة ولا يتماثل حتى عند الأمم المنحدرة من عرق واحد ، فإذا بنينا حكمنا بالإستناد الى بشاعة الزينة التي يعجب بها أكثر المتوحشين والموسيقى التي لا تقل عنها فظاظة فقد يجوز لنا أن نستنتج أن الملكات الجمالية لدى المتوحشين لم تبلغ درجة التطور الذي بلغه بعض الحيوانات كالطيور مثلا .)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب


.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز




.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم