الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو إستراتيجية للأمن الإجتماعي في العراق

محمد حسين الداغستاني
صحفي وشاعر وناقد

2009 / 2 / 7
حقوق الانسان


يرتاب المراقب للشأن العراقي كثيراً في قدرة مؤسسات الدولة العراقية الحالية على مجابهة التحديات الخطيرة التي تستهدف النسيج الإجتماعي والهيكل النفسي للمجتمع نتيجة تفاقم مشكلات شريحة إجتماعية تتسع حجماً وعدداً يوماً بعد يوم وبصورة أسطورية لم يسبق لها مثيل في المجتمعات الإنسانية المعاصرة ، متمثلة بالنسوة الأرامل اللائي فقدن أزواجهن ، والأطفال اليتامى الذين فقدوا آبائهم أو أمهاتهم او الأثنين معاً ، نتيجة حالات العنف الأعمى والتناقضات العقائدية والتتصفيات السياسية التي عصفت ولا تزال بالبلاد منذ اكثر من خمسة اعوام ، فضلاً عن المآسي والحروب وحملات التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي شهدها العراق .
إن أعداد الأيتام والأرامل التي تتجاوز ثمانية ملايين عراقي وعراقية والتي تبدو في ظاهرها غير معقولة رغم أنها باتت شائعة ومتداولة دولياً ، تدلل على قوة العصف المدّمر التي ضربت البنية الإجتماعية للبلاد على المديين القريب والبعيد ، ومن حق المراقب أينما يكون أن يشكك بدقة هذه الأرقام الفلكية إلاّ ان حقائق الحياة والإقتصاد وحجم الفساد المستشري في جميع مفاصل المؤسسات والذي ينخر في شرايننها منذ العام 2003 هي الأخرى باتت عصية على الفهم والتصديق ، فمليارات الدولارات تهدر وتذهب الى جيوب القطط السمان والحسابات المصرفية للصوص الجدد القادمين الى العراق من أصقاع شتى من العالم ، يمتلكون البلاغة ويجيدون تمثيل الأدوار ويتفنون في إضفاء الأناقة على مظهرهم ويضفون السلاسة اللفظية والوعود وإدعاء الحرص على مصالح المواطن والوطن خلال لقاءلتهم وحواراتهم الإعلامية على شاشات الفضائيات ، ويتبوأون المناصب والمراكز على حساب معاناة وجوع الملايين من العراقيين ومنهم الأيتام والأرامل الذين يشكلون الحشد المقيم على الخط الأول من ضحايا هذا الوضع الشاذ .
ولا شك أن إستمرار ظواهر زرع الفتنة ونشر الكراهية بين أفراد المجتمع والإحتكام الى الرصاص لتصفية الخصوم ومنع الآخر من التعبير عن الرأي عبر ممارسة الصيغ الديمقراطية السليمة على معالجة التباين والإختلاف ، يشكل سياقاً منظماً يتبناه أكثر من طرف بدأب ٍ كبير لتغييب مدروس ومتعمد للسلم الوطني وتدمير الإقتصاد وتفاقم الإحتياجات الإجتماعية الأساسية والملحة وإدراج آمال الملايين في التغيير والرفاه في ملفات الغد المطوية المجهولة .
ومن البديهي الربط ما بين ظاهرة الترمل واليتم التي تؤدي الى فقدان الإشراف الأسري والأبوي وضعف دور وآليات الضبط الإجتماعي ، وبين الفرص المتزايدة لإمكانية شيوع حالات الإنحراف والتسيب وخاصة بين اليافعين والشباب من كلا الجنسين وتأثيراتها السلبية على إتساق فعاليات المجتمع الطبيعية ، ويذهب الكثير من الباحثين والدارسين والمهتمين المنتمين الى إتجاهات فكرية وإجتماعية مرموقة الى أن طرفا المعادلة يتجسدان خلال المحور الإقتصادي اولاً والذي يعني تخفيف وطأة ظروف ديمومة متطلبات القوت اليومي والعيش الكريم للأسرة التي فقدت معيلها ، هذه الظروف التي تشير إليها تقارير منظمة الإغاثة الدولية والتي تؤكد أن 43% من العراقيين يعيشون في فقر مدقع ، وأن حوالي أربعة ملايين شخص يحتاجون الى مساعدات غذائية ، فيما لا يحصل سوى طفل واحد من ثلاثة على مياه شرب آمنة . والمحور الحياتي البيولوجي ثانياً الذي يتمثل بتوفير الإحتياجات الإنسانية المشروعة ضمن سلوكيات الإنسان السوي والذي يوسع من مساحة المعضلات النفسية والجنسية وخاصة لنسبة معينة من النساء في مجتمعنا الشرقي والتي يمكن أن تتسع نسبتها طردياً مقارنة بالمجتمعات المستقرة .
وبالعودة الى تقارير أعدت من قبل فرق عمل متخصصة ومنها تقرير إعتمدته قناة الفضائية (العربية) في فترة بثها ليوم 10/ 5/ 2008 تضمن معلومات على قدر كبير من الأهمية وخاصة فيما يتعلق بزيادة أعداد النسوة الإنتحاريات في العراق ، وحالات القضاء على الحياة طوعاً نتيجة اليأس والإحباط وإستمرار النزاعات والعنف وتهميش دور المرأة في المجتمع ، ويعزو التقرير الى أن الخطر الأكبر يكمن في ممارسة المرأة للإنتحار بإرادتها لغياب الإستقرار وعدم الإطمئنان على المستقبل ، وتخلصاُ من مواجهة متطلبات الحياة بمفردها .
لقد أصبح واضحاً إن هذه الظاهرة المأساوية المستفحلة في المجتمع العراقي يشكل قنبلة موقوتة قد تؤدي في المنظور البعيد بأسس وأمن المجتمع ، وتعوق خطط ومشاريع التنمية ، وكل هذا مرده الإهمال الحكومي والتجاهل الرسمي لمضاعفات الحالة الراهنة والمخاطر الناجمة عنها ، مما يستوجب الأمر حث المجتمع ومنظماته المدنية للضغط بإتجاه الإلتفات الى ضرورة وضع إستراتيجية شاملة للأمن الإجتماعي والنفسي لشريحة الأيتام والأرامل والمعاقين وغيرهم ، والتخطيط العلمي السليم لإقرار المعالجات السريعة الصائبة وتشكيل لجان إختصاصية تضم علماء النفس الإجتماعي والإقتصاديين والمتخصصين في دراسة مشاكل المجتمع والإستعانة بالخبرة الدولية المتقدمة ودعمها بكل أسباب النجاح وتحقيق شراكة فاعلة بين هذه اللجان وبين الدولة ومؤسسات مجالس النواب والمحافظات والحكومات المحلية لتحديد الأولويات وتوظيف الجهود نحو الهدف المنشود ، على أن تؤكد الإستراتيجية المقترحة على القواعد الآتية :
1. تشكيل هيأة عليا لرعاية الأيتام والأرامل في العراق .
2. تسريع وسن القوانين التي تكفل حماية ورعاية الأيتام والأرامل في البلاد .
3. إقرار ميزانية طموحة لإستيعاب حجم المشكلة .
4. إستحداث مؤسسات تدريبية متخصصة لإعداد الملاكات العاملة في هذا المجال وخلق الكفاءات الوطنية الكفوءة
5. إنشاء المباني والمنشئاآت المتخصصة وذات مواصفات تقنية وعمرانية متقدمة للإشراف الإجتماعي والنفسي والرعاية الطبية والصحية النفسية .
6. إشراك الجامعات ومراكز البحوث والمؤسسات الإجتماعية المعنية لوضع الحلول والمقترحات الكفيلة بتجاوز المشكلة او التخفيف عن آثارها المدمرة على الأقل .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب العلوم السياسية بفرنسا يتظاهرون دعمًا لغزة


.. علي بركة: في الاتفاق الذي وافقنا عليه لا يوجد أي شرط أو قيود




.. خليل الحية: حققنا في هذا الاتفاق أهداف وقف إطلاق النار وعودة


.. البنتاجون كأنه بيقول لإسرائيل اقتـ.لوهم بس بالراحة..لميس: مو




.. مستشار الرئيس الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي يتجاوز مسألة استع