الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من سيصنع المستقبل ؟؟؟

إبتهال بليبل

2009 / 2 / 8
حقوق الانسان


ما زلت أحدق في هذا الكون المذهل فأجده مسكوناً بالمزيد من الرعب ، ليصير إيقاع قلبك في تلك اللحظات امتدادا لإيقاع الليل الموحش في صحراء نائية بعيدة ، فتشعر بأن اللغة الكونية غير مقنعة ولا تقنع ومصرة على إذهالك حد الوجع المرير ...
ما زالت أحدق في الآخرين كما لو أنني لم أرى أنساناً يتوجع من قبل وكأنني لم أذق الجرح يوماً ما ...
وبينما أنا أقف أمام بوابة احد المجالس البلدية التابعة لأحدى مدن بغداد ، أجد نفسي لا تزال تجذبني إلى تلك الملامح المتعبة من هذا الزمن ، وأجدني مازلت أحدق في خرائبها وخطوط الدهر عليها وأصر في البحث عن أساسات الأمل فيها ، وأحدق في نظراتها المحروقة التي ترميها لمن حولنا ، وأصر على رؤية البذرة وهي غاطسة في تراب الوحل ، محاولة الاستماع إلى نبرات صوتها المفجوعة ، ودفء نبضها الحي وهي تمد بجذرها الدقيق في تراب الهشيم ، وتطل بحزنها ووجعها مثل نافذة تنفتح على السماء ولو كانت هذه النافذة بحجم ثقب الإبرة ـ وأنا أحدق في البركان الذي كانت هي مصرة على زراعة سفوحه ، وأحدق بأكوام الهموم المحروقة التي تحملها وأركض بينها محاولة التقاطها كمن يلتقط القش في عام عاصف ..
في هذا الزمن الرديء ... سردت لي حكايتها تلك الأرملة الجملية المتعبة ـ ياااه ما أقساه هذا الزمن ، مزق أحشاء قلبي وتقافزت دموعي وأنا أستمع لها ، لا يمكنني إلا أن أكون حزينة كراع فقد قطيعه ، لكنني مصرة على امتلاك حنجرتي وصوتي ونايي وسأضل أغني حتى في حضرة الضباع والوحوش التي انتهت للتو من التهام خرفان الفرح والأمل ...
الآء ... هذا هو أسمها ابنة (33) من العمر تحمل ما خلق الله من جمال ، وكأن الله يخبرها أن الجمال مقابل السعادة ، لديها ستة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر (12 ) سنة ومنذ عامين تحديداً منذ عام 2006 قد قامت بدفعهُ للعمل في أي مكان وكل مكان لكي يتحمل مسؤولية هذه العائلة ، كانت هذه عباراتها وهي تحكي لي ما ألم بها ، صرخت بوجهها كصرخة الأم التي يحترق قلبها على ضناها وقلت لها ( ظالمة ) أترمين بطفلك للعمل مع وحوش البراري ، بكت وبكت حتى تصورت أني طعنتها بخنجر من كثر بكائها وقالت بوجع " ماذا أفعل فقد كنا عائلة متكاملة ونسكن في مدينة ( تل الأسود ) نهاية الشرطة الرابعة من ناحية الكرخ ـ إلى أن دخلوا على زوجي نفر من الملثمين وأخذوه من بيننا وأخذوا مركبته ( التاكسي ) الذي كان يعمل فيها وبعدها ضربوا منزلنا بقذيفة وهددوني أن بقيت في هذا المنزل سيقتلون أبني ، فهربت أنا وأطفالي لوحدنا دون ملاذ ومكان والى الآن نحن هكذا دون معين ، كم جعنا وكم تعرينا ، كم تمزقت قدماي للبحث عن مكان يلمنا وعن خبز أشبع به بطونهم ، وصرخة بوجهي بألم لتقول " هل تذوقت طعم الجوع والخوف ؟؟؟ هل شعرت بالغربة والضياع ؟؟؟ أخبريني ؟؟؟قلت لها كلنا ذقنا طعم المرارة يا أختي ودموعنا جفت ويبست من مرارته ...
صدقوني اليوم زرت قلبها لا بيتها هذه الأرملة وزرت أحلامها وخيبتها لا قناعها واليوم جرحي يعانق جرحها ، وننزف معاً دونما مجاملات في أزقة النفس الموحلة وفي الأرواح الكئيبة المتعففة وفي أرصفة الضياع من على منارات النسيان ...
زيارتي إلى قلبها لم تكن ذلك بل هي لقاء حب بين جرح وآخر وطموح وآخر وسقوط وآخر ...
أني أتسلل إليكم اليوم عبر إيقاع القلب العربي المؤمن بقضية هذه الأمة ، وأركض إليكم سراً داخل دهاليز الدورة الدموية العكرة لزماننا المضطرب ، لست زائرة عادية ترتدي أرقى وأبهى ثياب التهذيب والتصنع التقليدي واللغوي ، أنني مشردة في صحراء الحيرة واليقين ـ نازفة في فصول لا تنتهي من عواصف الوجع المتراكم دون فضهُ وتهديمه ، أنا لست ضيفة بقدر ما أنا صرخة في حنجرة هذه المرآة وتلك وأنا نزف الجرح الذي يحملهن ، وأنا ألاحتجاج على تلك الظاهرة ...
أن وجود عشرات بل مئات النساء من شعبنا بهذا الحال لا يؤكد غير حقيقة واحدة وهي ضياع جيل المستقبل ، الذي سيلغى حضوره في مسيرتنا نحو الازدهار والتقدم بكافة المجالات ...
يا سادة يا كرام ....
كم حزنت عندما أخبرتني هذه الأرملة أن طفلها لا يستطيع نسيان حادث خطف أبيه ، بات متعباً نفسياً مهزوزاً نومه قلق ودائم الصمت والكآبة ...
هذا هو جيلنا ، لقد وجدت العشرات منهن ينتظرن دورهن في من ينتشلهن من هذا الواقع المرير ، ينتظرن المنح ينتظرن اليد الحنون التي تمتد إليهن بعطف ، على الرغم من أن قرار تعويض المهجرين لم يصلهم إلى الآن ، أو أي منحه منه أو لم يكن لهم دور في الحصول عليه ...
في النهاية فنحن شهود على عصرنا وشهود على حضورنا فيه ، شهود على ما لنا فيه أو ضده ، لكننا في النهاية نؤكد أن حضورنا أو غيابنا يؤكد على استمرارية حضور الإنسان بالمعنى الشمولي لكلمة ( إنسان ) ، أنهم يحلمون فقط بامتلاك رغيف خبز فهذا بات همهم اليوم ، هل هذا بات هدف أجيالنا ؟؟؟ ومن سيصنع الإبداع ؟؟ ومن سيصنع المستقبل ، من ؟؟؟؟










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخت ابتهال حزنك حزني وحزني من حزن العراق
ناديه كاظم شبيل ( 2009 / 2 / 8 - 09:36 )
الاخت ابتهال
تحية عراقيه لروحك العراقيه
في العراق لاتزال المراة تتخبط بدماء احبتها تمسح عليها علهم يعودون اليها ، على الدولة ان تمسح وبسرعه دموع العراقيات ولا تدعهن ريشة في مهب الرياح العاتيه ،كي لا تدفع بها الى هاوية الجنون والجريمه ، كيف ستربي امراة فقدت الحنان وفجر بيتها وقتل زوجها وشردت عائلتها كيف ستواجه مثل هذه المرأة المجتمع، في يوم ما رايت دعاية في احدى الفضائيات العراقيه تصور امراة كل مافيها يرتعش وبذلة تقول انها اصبحت ارهابيه لان الاشرار فجروا بيتها وقتلوا زوجها واطفالها فقررت تفجير نفسها ،ولكنها تابت ورجعت الى توازنها بعد ان سمعت اية قرانيه تمنع الانسان من قتل نفسه ، عزيزتي ابتهال على الدوله استحداث العديد من الوزارات لخدمة المرأة والطفل اليتيم لانهم امانة في اعناقنا جميعا كل من موقعه ، لانريد للمرأة العراقية التي اعطت كل مالديها للوطن ان تنحدر الى الجحيم بل ان نمد ايدينا ونمسح دموعها بكل حب ونعوضها عما فقدته اضعافا مضاعفه ، فهي تستحق من العراق الكثير وهذا اقل واجب على الدولة القيام به ،

اخر الافلام

.. شبكات | طرد جندي إسرائيلي شارك في حرب غزة من اعتصام تضامني ب


.. مع مطالبات الجيش الإسرائيلي سكاناً في رفح بالتوجه إليها. منط




.. لبنان: موجة -عنصرية- ضد اللاجئين السوريين • فرانس 24


.. أزمة المهاجرين في تونس.. بين مخاوف التوطين واحترام حقوق الإن




.. استمرار الاحتجاجات في جامعات أميركية عدة رغم اعتقال المئات م