الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-فالس مع بشير- مشاهد خارج نشرة الأخبار

ليندا حسين

2009 / 2 / 9
الادب والفن


في معرض دفاعها عن ضرورة عرض الفيلم الإسرائيلي "فالس مع بشير"، قالت المخرجة الألمانية ومديرة جمعية "أمم للتوثيق والأبحاث" مونيكا بورجمان: "من المؤسف ألا يعرض فيلم في لبنان ينتقد إسرائيل"، وأضافت قائلة: "إن رؤية وجهة نظر الآخر أمر مهم للغاية". وبورجمان كانت بدورها قد ساهمت في إنجاز فيلم وثائقي يتناول مجزرة المخيمين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا، وهو المحور الذي بني عليه فيلم "فالس مع بشير".

تظهر بين وقت وآخر دعوات للاطلاع على النتاج السينمائي الإسرائيلي، لكن خطابها حذر ومتحفظ. بحيث يبقى التبرير الذي لا يشك بسلامة نواياه ولا يتعرض للتخوين هو أن الفيلم "ينتقد إسرائيل" وسيكون من المؤسف عدم عرضه. بالعموم لا أرى أنه من المؤسف ألا يعرض فيلم ينتقد إسرائيل في لبنان وغير لبنان. فنحن نرى يوميا وأحيانا طوال الساعات الأربع وعشرين لكل يوم في الأسبوع، انتقادات لإسرائيل. في سينمانا في موسيقانا في الشعر، والافتتاحيات الجليلة. في الأغاني في المعارض. في نشرات الأخبار وبشكل مكثف في مناهج التعليم. كل هذا لم يكن بالضرورة كافيا ليجعل جيلنا الشاب، الذي عاصر كل هذا الخطاب، قادرا على رسم خريطة تقريبية لإسرائيل. لم يكن هذا الرصيد من الأعمال الناقدة لإسرائيل كافيا لجعل جيلي قادرا على تحديد موقع القدس على الخريطة. لجعله يعرف ولو بشكل تقريبي أين القدس من الضفة، أين القدس من إسرائيل.

في مدارسنا وإلى اليوم تلقَن الجغرافيا كما كانت قبل أكثر من خمسين سنة بحجة عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني. النتيجة: في العقل بقيت إسرائيل صورة ضبابية مبهمة، رمزا لشر لا حدود له، دون أن يكون لهذا الشر إحداثيات أو جغرافيا. هناك منطق غريب في التجاهل، في الانسياق وراء البروباغندا، يفسح المجال واسعا أمام ثقافة شفاهية مبنية على العواطف أكثر منها حصيلة للوعي والاطلاع. ربما لهذا يجب إعادة النظر في علاقتنا الرهابية فيما يتعلق بالتعامل مع المسألة الإسرائيلية، وإعادة النظر بالتحفظات. وعلى الأرجح فإن الاستمرار في تجاهل المواد الإسرائيلية ورفضها وفرض رقابة مطلقة عليها لن يفيد في شيء. رؤية المجتمع الإسرائيلي عبر المواد الفنية تتيح فرصة لرؤية هذا المجتمع خارج إطار كاميرات الأخبار. إغماض العينين، لا يلغي المشهد، بل يفوت كثيرا من الفرص. وربما لهذا نحتاج إلى تغيير الخطاب، فنحن لسنا بحاجة لرؤية فيلم "فالس مع بشير" لأنه ينتقد إسرائيل. بل نحن بحاجة لمعرفة ماذا يحدث. نحن نتحمل مسؤولية أن نعي مشهدهم خارج الدبابة وخارج شاشة الأخبار. إذ لا تكفي تصريحات الصحف ومختارات البرامج الوثائقية لفهم الصورة الكاملة. ما ينقصنا ليس أبدا شحن العواطف بل تعامل عقلاني مع القضايا.

الحديث عن ضرورة الاطلاع على الآخر الإسرائيلي، لم يبدأ بترجمات هاني الراهب، ولن ينتهي بالإرباك الذي أحدثه الفيلم الإسرائيلي المذكور. هناك دائما مبادرات فردية تتحمل مسؤولية أخلاقية حرجة. لكن بالمقابل يدفع منطق الخوف ورهاب "تهمة التطبيع" بعضا من العاملين في حقل الثقافة وفي العمل التوثيقي إلى ارتكاب أخطاء وتجاهلات وتقديم الحقائق ناقصة، بشكل يدفع المتلقي إلى التشكيك في المصداقية. الإرباك الذي أحدثه وجود نص لكاتب إسرائيلي عن تل أبيب، في مجموعة "مدينة ـ قصص مدن من الشرق الأوسط" (بريطانيا 2008) لا يبرر أبدا أن يتم تقديم الكتاب في مادة صحافية تتناول قصص المدن التسعة، ولا تشير لكلمة واحدة إلى وجود قصة عن "تل أبيب". أتحدث هنا مجددا عن منطق التعامل. أن تتجاهل الصحافية التي غطت خبر صدور الكتاب وجود المادة لا يلغي وجودها. مثلما لا يلغي تلَّ أبيب رفضُنا النفسي والعاطفي لوجودها. هناك خوف من أن يكون قبول حكاية تل أبيب، مجددا قبولا بإغماض العالم لعينيه عن التاريخ الدموي لنشوئها. لكن هناك بالمقابل حاجة ملحة للاطلاع على ما يصدر في الدولة الإسرائيلية دون أن نصاب بالخوف على الذاكرة. ودون أن نتهم بتزوير التاريخ أو الكذب.

طبيعة ما يحدث في الدولة الإسرائيلية التي تلاصق ظهر خرائطنا، ظهر في مشهد مختلف في مواد فنية تم تقبلها على المستوى غير الرسمي بشكل معقول لأنها خارجة عن فنانين فلسطينيين. مواد شكلت صدمة حقيقية في حينها، كالفيلم المميز "يد إلهية" لإيليا سليمان، والذي بدوره لم يمرَّر رسميا بسهولة رغم هويته الفلسطينية التي أصر المخرج عليها، بينما تم التحفظ على الفيلم بحجة التمويل الإسرائيلي وما شابه. في الأدب أيضا وصل مشهد مختلف عن حياة الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل، كما في سرد الكاتبين الفلسطينيين عدنية شبلي وراجي بطحيش. هذه مواد تكاد تغيب عن الوعي الشعبي وحتى "النخبوي" وسط زحمة الميديا وزعيقها. لكنها مؤخرا بدأت تعلن وجودها وتجد مساحة لها وإن بإيقاع بطيء وخافت.

لقد تحفظت على عبارة "لأنه ينتقد إسرائيل" إذ ذكرتني بالرقابة، وبالمواد الكثيرة التي منعت من العرض والنشر والتغطية في المنطقة لأنها أيضا تنتقد، لكن ليس إسرائيل بالضرورة.

فيلم "فالس مع بشير" فيلم مختلف، ومرشح بقوة لجائزة الأوسكار للأفلام الأجنبية. ليس فقط لأسباب سياسية تم تلقي الفيلم كل مرة بهذا الفضول والاحتفاء. من الخطأ ألا يطلع المشاهد العربي على هذا العمل الذي شغل المهرجانات السينمائية وصالات العرض العالمية، والذي صنع هناك، في الدولة "الطارئة" التي تهزنا من "الداخل" منذ عقود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07