الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انقلاب8 شباط الدموي..1963 بداية تاريخ لرحلة ..الموت..والدم.. والعذاب.. والخراب..!؟

طلال شاكر

2009 / 2 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في ذلك الشتاء المرير من عام 1963 كان العراقيون على موعد مشؤوم مع بداية تاريخ دامي سيقلب الموازين الفكرية والسياسية والاجتماعية لبلدهم ويعبث بمسقبله ويدميه ويخربه عقوداً مضنية. كان انقلاباً مسعوراً بقيادة وتدبير وتأمر اقلية متعصبة حاقدة وهي خليط من فئات وانحدارات اجتماعية متناقضة في افكارهاومسلكها وانتمائها أسمترأت العنف والانتقام والثأر المنفلت والارهاب المفتوح للوصول الى غاياتها وأهدافها تحت راية القومية كمشروع سياسي برؤية فكرية وسياسية متطرفة من خلال تواطئها وتنسيقها مع قوى أجنبية وأقليمية وعربية استشعرت خطراً من النظام الجمهوري ونهجه الرافض لنفوذها والمهدد لمصالحها . كان التحالف السياسي الذي قاد الانقلاب في اساسه اتفاق وتعاقد بين كيانات وكتل سياسية وشخصيات اهمها حزب البعث، القوميون العرب، (وعسكريون محافظون) واسلاميون متطرفون ومغامرون انتهازيون، ولكن الذي تحمل المسؤولية الحاسمة في صنع هذا الانقلاب وقيادته هو حزب البعث ومناصريه..لقد اظهرت تجربة الانقلاب وسلطته التي دامت 9 اشهر بشكل مباشر وفعلي ضيق الافكار القومية وسطحيتها وعجزها وتخبطها في التعامل الاولي مع فكرة الدولة والمجتمع، وظهر أن الانقلابيين لايملكون برنامجاً وطنيا لقيادة الدولة المجتمع وراهنوا بأندفاع مفرط على مرتكزات العنف والقسوة كخيارين وارادة لاخضاع المجتمع وقد سخروا اجهزة الدولة لتحقيق غاياتهم ولسحق خصومهم السياسين وتصفيتهم فكريا وجسدياً وبالذات الشيوعيين الذين تلقوا ضربات قاصمة وأمتلاًت بهم السجون والمعتقلات وعوملوا بوحشية فاقت بدرجات حجة (مقاومة الثورة) الذي تذرع به الانقلابيون لتبرير اجرامهم، فالكثير من القياديين والكوادر والمناصرين تمت تصفيتهم لاحقاً خارج ظروف المقاومة التي كانت في جزء منها أندفاعا شعبياً عفوياً انخرطت فيه جماهيرواسعة للذود عن الزعيم عبدالكريم قاسم وجمهورية تموز..لقد ارست تجربة انقلاب شباط النزعات القومية المتشدة في احتكار السلطة، ورفض الاخر، وتغييب المختلفين سياسين معهم، وتحطيم مفهوم الحركة الوطنية الذي كان في العهود السابقة عنوانا لنشاط وطني متعدد الاتجاهات والافكار..احزاب منظمات، شخصيات، قيم. ثقافة وطنية ، تقاليد، صوت سياسي، تعددية سياسية... وكان هذا الاجراء هو الاخطر الذي لم تستطع تخطي اثاره وتداعياته القوى السياسية العراقية عقوداً طويلة، ومنهياً بذلك الارث السياسي العراقي ومرتكزاته الحية في البلاد، كما لجأت الى تحطيم مرتكزات القانون والقضاء وقايضته بالمحاكم الصورية والاحكام التعسفية بالموت خارج القانون وخارج حتى المحاكم الشكلية التي اصطنعوها، وحلت مليشيات الحرس القومي محل القوى الرسمية في تنفيذ اهداف الانقلابيين في الملاحقة والقتل والتعذيب دون اي غطاء قانوني اوعرفي ودون اي وازع أخلاقي أو انساني، فأرتكبت مجازر وانتهاكات وتعديات يندى لها الجبين ويخجل منها التاريخ. لقد استخدمت سلطة 8 شباط التجربة القمعية وبأجراءاتها واًساليبها السالفة للنظام الملكي في مكافحة خصومه السياسيين بصورة اشد وبأرادة سياسية جامحة، فكان الانهاء السياسي والتصفية الجسدية واعتقال النساء بشكل جماعي واستخدام التعذيب المدروس في اخذ الاعترافات وفرض البراءة السياسية والفصل من العمل وقتل ضحاياهم ودفنهم في مقابر مجهولة وبسرية تامة ، كما وشنوا حرباً شوفينية ضد اكراد اقليم كردستان العراق رغم تأييد واعتراف ومباركة القيادة الكردية انذاك لانقلابهم ، وسعوا الى نثر بذور الطائفية ونزعاتها المهلكة وتأصيل فكرة ومفهوم المناطقية والعشائرية لصالح مكون اجتماعي ومحافظات بعينها وأذكاء النظرة الدونية بحق مكونات اخرى من منطلق سياسي وأجتماعي متعالي، واستبدل مفهوم المواطنة الحرة بعبودية الولاء العقائدي المطلق للحزب ولقيم البداوة والتخلف ، وسحقت الحقوق الشخصية للمواطنين من خلال الاعتقالات والانتهاكات الكيفية واحتقرت كل قيم التسامح والشهامة والعفو والرحمة ونكلت بخصومها بقسوة بالغة خارج نطاق الاقتصاص والعدل القضائي ولاقى مؤسس الجمهورية العراقية الشهيد عبد الكريم قاسم معاملة مشينة وموقفاً غيرلائقا لايستحقه محارب نبيل واجه وتلقى رصاص جلادية بشجاعة ورجولة سامية عندما جرى بكل دونية رفع رأسه من شعره والبصق بوجهه وهو جسد لاحياة فيه وبملابسه العسكرية في نقل تلفزيوني حي دون خجل أوحياء أو ذرة من احساس انساني..؟ هذه هي كانت اخلاق وسلوك قيادة انقلاب شباط البعثية وهذه كانت رسالتهم الهمجية الاولى لشعبهم وامتهم...!؟ و كان هذا في اليوم الثاني للانقلاب وبنفس الخسة والدناءة جرت تصفية قادة الحزب الشيوعي تحت التعذيب الهمجي بعد ان فشلوا في اخضاعهم وكسر صمودهم.... ولم يكتف دعاة الحرية والاشتراكية بماصنعوا من مأسي وويلات فقاموا برد الاعتبار لبقايا الاقطاعيين وملاكي الاراضي المستبدين والظلمة الذي انتزعت ثورة الرابع عشر من تموز حيازاتهم غير المشروعة من الا راضي الواسعة وتوزيعها على فقراء الفلاحين، وواصلت سلطة شباط سعيها المحموم نحو تصفية المكتسبات الاجتماعية بألغاء القوانين المناصرة للشغيلة وألكادحين كقوانين الضمان الاجتماعي والتشريعات النقابية التقدمية كمااوقف العمل بقانون رقم ..80 الذي اعاد للعراق حقوقه النفطية من الشركات الاحتكارية الاجنبية ... لقد اختطت سلطة شباط البعثية لتجربتها مفهوم احتكار العمل السياسي والسلطة السياسية وأقصاء الاخر كمدخل لتنفيذ المشروع القومي المزعوم وغدرت بأقرب حلفائها القوميين الذين شاركوها الانقلاب وغدو من ضحاياها .. لقد فتحت تجربة شباط الطريق أمام المغامرة السياسية والعسكرية وبنت ثقافة المؤامرة وتدبير المكائد وأفساد الذمم وأصلت ثقافة البطش والعنف والاغتيال السياسي والاكراه والديماغوجية والكذب والتزوير والمال في الوصول الى الغاية السياسية دون اي اعتبارات او قيم اجتماعية متوازنة، وليس صدفة ان يطلق الرئيس الاسبق العراب أحمد حسن البكر لاحقاً على انقلاب شباط الذي صادف في التقويم الهجري يوم الرابع عشر من رمضان تسمية (عروسة الثورات)، لانها التجربة الرائدة الاولى في وصول حزب البعث الى السلطة والتي حينذاك ضمنت تصفية الخصوم والمنافسين السياسيين على السلطة مستقبلاً وبخاصة الشيوعيين والوطنيين ومن الجيش تحديداً.. وهذا ماتحقق فعلياً وهو مامهد عملياً لنجاح انقلاب 17 تموز68 ومن هنا كان مغزى الاشادة وهذا التوقير (لثورة) كانت في المعيار السياسي مهزومة وفاشلة لكنها كانت التجربة الذي استند على ارثها الفكري والسياسي المشروع البعثي اللا حق.. الذي بنى مشروعاً سياسياً قائماً على الاستخدام الوحشي لقوة السلطة برؤية عقائدية وسياسية متطرفة وبقيادة دكتاتور دموي متخلف..ان التجربة البعثية في17 تموز1968هي الوليد السياسي
والفكري والاجتماعي لانقلاب وتجربة ومكائد ومؤامرة 8 شباط1963 بكل ماتعنيه الدلالة من معنى وقصد مباشر. وعندما نستذكر هذه التجربة الدموية ونعيد روايتها بعد مرور 46 على قيامها، فأننا نرسم البدايات التاريخية الملموسة كدرس وعبرة وفهم الظروف والكيفية التي نما فيه العنف وانفلت الى هذه الحدود المرعبة.. بوصفها بداية تشكل ثقافة الاستخدام الوحشي للقوة كرؤية ومنهج عقائدي والذي بدأ به ومارسه لاول مرة في تاريخ العراق الحديث حزب سياسي من خلال السلطة بتخطيط وارادة سياسية واعية هو حزب البعث العربي الاشتراكي..لقد سقطت سلطة وتجربة حزب البعث الاولى بعد 9 اشهر من قيامها تحت وطأة تناقضات داخلية سياسية حزبية وعزلة ورفض شعبي لها، وكان لانتفاضة معسكر الرشيد في 3 تموز وتباين الموقف منها اثراً مهماً ساعد على تأجيج الاحتدامات والتناقضات في جسم سلطة البعث وعجل في المواجهة العسكرية بين اجنحتها المتصارعة فسقطت في 18تشرين 1963 يلاحقها الخزي والعار ولعنة التاريخ على اثر انقلاب قاده الغادرالدموي عبد السلام عارف... لم يستفد البعثيون الذين عادوا الى السلطة ثانية في 1968من فشل تجربة شباط ونهجها الدموي وفكرها القوماني المتطرف، بل كرروه وزادواعليه وساروا على ذات النهج المشين الذي استولد لهم دكتاتوراً وسلطة ارهابية في خدمته وادخلوا العراق في حروب، ومعضلات، واستعبدوا العراقيين بالاكراه العقائدي والعنف المنظم وسلموا العراق في 2003 مدحورين خاسئين الى غير رجعة.. خراباً. محطماً. وشعباً. مقهوراً. وقيماً. مهدورة. في النهاية تهاوى البعث وفكره ونهجه ومشروعه الى قاع مزبلة التاريخ مدحوراً اثماً، متهماً، قاتلاً ..اما الشهداء من ضحاياه فهم أعزة وشرفاء وابطال في ضمائر العراقيين.....

طلال شاكر سياسي وكاتب عراقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البعث الفاشي لازال هو الخطر الحقيقي
كاوا الحداد ( 2009 / 2 / 7 - 20:17 )
أخي طلال مقالك رائع .. ولكن الجرح الذي تركه انقلاب شباط الفاشي لم يندمل .. فكل الذي جرى في عراقنا المظلوم خلال هذه الفترة وبشكل خاص الخمس سنوات الاخيرة سببها البعث وقواه الشريرة . بعد السقوط عثرنا في عدة دوائر حكومية منها الامن العامة والمخابرات والامن القومي . ( الدوائر البديلة ) لانهم غيروا تواجدهم في مكانات سرية جديدة , على توجيهات من الطاغية صدام وجهاز مخابراته , توصي على الاندساس والانظمام الى كافة الاحزاب التي لها تاريخ سياسي ,, مثل الخلايا النائمة التي تستعملها حليفة صدام القاعدة . واليوم بشكل طبيعي يحتل البعثيين مرافق مهمة جداَ في الدولة وبشكل خاص الجيش والشرطة أما المخابرات فهي ذاتها التي كان صدام يعتمد عليها .. والخارجية فحدث ولا حرج , اما تنظيمات حزب الدعوة ومكتب رئاسة الوزارة فغالبية الموضفين بعثيين .. طبعا كل رجال الدعوة والنجلس الاعلى وبشكل خاص بدر فهم من التوابين . أي الذين اسرو في الحرب وجميعهم بعثيين وهم في ايران كان لهم صلات مع البعث ,, واليوم الحكومة الايرانية لها صلات ستراتيجية مع البعث والقاعدة . وهذا ليس جديدا فهذا التعاون البعثي الايراني يمتد لحرب الخليج الاولى , عندما ارسل لهم صدام جميع الطائرات العسكرية الممتازة والمتطورة أثناء البدء العمليات العسكرية , وك

اخر الافلام

.. غزة ما بعد الحرب.. ترقب لإمكانية تطبيق دعوة نشر قوات دولية ف


.. الشحنة الأولى من المساعدات الإنسانية تصل إلى غزة عبر الميناء




.. مظاهرة في العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية في


.. إعلام إسرائيلي: الغارة الجوية على جنين استهدفت خلية كانت تعت




.. ”كاذبون“.. متظاهرة تقاطع الوفد الإسرائيلي بالعدل الدولية في