الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدو يترنح ونحن نتساقط

حمزة الحسن

2009 / 2 / 9
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في الثقافة السياسية السائدة منذ عشرات السنوات هناك دائما" عدو" يترنح": الرجعية ـ كانت ـ تترنح، والامبريالية تترنح، الاستعمار والتخلف والامية والجوع والخوف، الملكية وحكم العوائل وسيطرة الضباط، وقصيدة الكلاسيك تترنح، الحداثة تترنح، العولمة والسلف الصالح، والغرام المتخلف، وعدو التشابه والرفيق والافتتاحية والجدار والشعار والبرنامج والمؤتمر يترنح.

الكل في حالة ترنح.

الاصالة والتجديد، الثورة والثورة المضادة، اليسار يقول اليمين مترنح وبالعكس، مجالس النواب عبر كل الحقب تترنح، الثكنات والانقلابات، المشانق والقوانين، الحدائق العامة والسواحل، الصيد النهري والقوارب، الفنادق الكبرى والصغرى تترنح تحت ثقل السياح ـ سياح الكواكب ـ التاريخ القديم والحديث، حمورابي يترنح من جور القوانين الحديثة، كلكامش يترنح من وجع الاسنان والمارينز وجيل البناطيل الممزقة من الخلف، عشتار وتموز والاساطير تترنح من ضراوة التفكيك والبنيوية، ديرة عفج تترنح من معامل الاحذية الحديثة، مواقع ومنابر وصحف ومؤسسات تترنح من قبض اجرة العازف والترويج لمشروع الاحتلال رغم كثافة الشعارات الثورية، الكواكب تترنح من غرام القصائد، الليل يترنح من وجع الايام، نوري سعيد يترنح في قبره من سطحية المؤسسة، المؤسسة الوطنية تترنح من مسلحي الطابق الاول الذين يرفعون السلاح على مسلحي الطابق الثاني من الحزب المعارض وهؤلاء يرفعون السلاح ضد مسلحي الطابق الثالث من حزب اخر وهلم جرا.

لاجئو شمال اوروبا يترنحون من قسوة لاجئي قلب اوروبا لأنهم لم يهربوا قبلهم لأن الهروب من الوطن تحول الى عقيدة اخلاقية وسياسية وفيه اقدمية كالجيش والشرطة، ودفانو مقابر الجنوب يترنحون من كثرة الموتى وضيق الارض، شعراء الستينات يترنحون تحت ضربات جيل الثمانينات وهؤلاء في عداء مع قصيدة الجماهير والرعاة والخبز لان هذه المفردات تجرح حياء الشعر، الجنوب يترنح تحت مشاريع الفيدرالية، والشمال كذلك، الفيدراليون يترنحون وغيرهم ايضا، نحن جميعا نترنح.

من لا يترنح؟ جاسوس وقابض صرماية ومريض نفسيا وتاريخيا . لنترنح اذن.

الصهيونية كانت تترنح وماتزال، واسرائيل ايضا، الرأسمالية وثورة الطريق الجديد والهيبز واشتراكية الطريق الواحد وماركوز يترنح كذلك ومعه عبد الكريم قاسم والملك فيصل ـ وكل فيصل على وجه الارض ـ الارض والاشجار والغيوم والخطوط الجوية والمسرح والفن يترنح والنقد ايضا، المجتمع يترنح.

الفرق العسكرية تترنح اليوم تحت ثقل الارهاب والمقاومة، والفرق الموسيقية تترنح تحت وطأة القبيلة، الشيوخ يترنحون تحت ضربات الحداثة التي تترنح بدورها تحت ضربات الاصولية والسلفية وهذه بدورها تترنح من ضغط الاقمار الصناعية والانترنت ودكاكين الحلاقة.

الحلاقون يترنحون من قلة الكحل والزبائن، الصحف تترنح من قلة الدعم، الأمل يترنح من كثرة اليأس. الكل يترنح. من لا يترنح عليه أن يترنح. الموت نفسه يترنح، الثقافة تترنح وكذلك التتن والجص والاسمنت والحب والصناعة والتجارة بسبب الغش.
فمن لا يغش في البرلمان يغيش في المنهاج الحزبي أو البنك وتفسير الاحلام او في بيع اللبن.


الجسور فوق الانهار، وجسور التاريخ، وجسور المدن، وجسور المحبة والصداقة كلها تترنح، قوات الاحتلال نفسها تترنح، هذا المقال نفسه يترنح ـ لذلك سيتم طمره في زاوية بعيدة كي يكون بعيدا عن عيون القراء الذين عليهم قراءة شعارات الحيطان وما يرويه الحكواتي وهو يروي تلك الحكاية الكبيرة المستهلكة المفسرة كل شيء. لكن هل حقا يترنح الصدق وتترنح الحقيقة والامل؟

ابدا، حتى في الظلام، في الانزواء، في الطمس والطمر، فإن الحقائق تشع في الظلام، وحيثما تكون الحقيقة، والابداع، والاصالة، والجمال، يكون رأس الطاولة.

الحقائق الكبرى لا تطمس ولا تلغى ولا تخبأ: في الظلام العميق تشع النجوم.

كلنا نترنح.
لكن من الغريب اننا في كل هذه الازمنة نقول إن العدو يترنح...
لكنه يترنح ونحن نتساقط!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تأخذ استراحة بشكل صحيح؟ | صحتك بين يديك


.. صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة




.. أمام منزلها وداخل سيارتها.. مسلح يقتل بلوغر عراقية ويسرق هات


.. وقفة أمام جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الأمريكية دعما لغزة ورف




.. طلاب جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية ينظمون مسيرة