الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باموق يعيد اكتشاف اسطنبول ... اسطنبول التي فقدت البوصلة علي يد ربانها أتاتورك

أحمد الفيتوري

2009 / 2 / 9
الادب والفن


اورهان باموق شخصية اشكالية و كاتب اشكالي وسطنبول مدينة الكاتب مدينة اشكالية؛ اثار باموق الكثير من الضجيج حول شخصه باعتباره ذا موقف سياسي وسم بالضد من القومية التركية في بلاده ووسم بالتعصب للغرب من قبل القوميين الترك .. الخ ، وتنازعت اعماله الروائية ردود افعال متطرفة .
وقد كنت أول ما عرفت باموق من خلال روايته الشهيرة عربيا : اسمي أحمر .
هذه الرواية التي تتخذ من التحري ( البوليسية ) منهجا لتقصي جريمة في وسط فناني النمنة التركية في الدولة العثمانية ، وفي حبكة محكمة يتم استقصاء مشكل الهوية من خلال العلاقة التنازعية في الروح العثمانية بين الفن الاسلامي الفارسي الاوصول وبين الفن الاوربي التشخيصي . وتشخص الرواية هذا المشكل من خلال حياة زاخرة في كواليس الفن والسياسة والجريمة والحب ، وتتخذ من التحري بنية روائية مصمته مستعيدة البنية الكلاسيكية للرواية التي يتصاعد فيها الحدث في مسرح الجريمة من بداية ووسط وخاتمة ، وتشد أنفاس القاريء من خلال تحقيق بوليسي تستخدمه أكثر من شخصية في الرواية التي هي بحث في الفن التشكيلي الكلاسيكي الغربي والفن الاسلامي .
هكذا عرفت اورهان باموق مشدود الأنفاس في اسمي أحمر الرواية التي عرفته وعرفه المثقفون العرب من خلالها .
لكن حصوله علي جائزة نوبل قلب الطاولة فقد تحول من روائي الي نجم يتصدر الميديا ، وفي مصر البلد التي قلبها ينبض مع نبض الميديا تحول باموق الي أيقونة تتشابه والايقونة المصرية نجيب محفوظ .
لقد غمر باموق وبعد عنا وسرعان ما ترك اسطنبول الي قارة نوبل؛ هو الذي ولد في المدينة الوحيدة ذات القارتين .
لم يعد ثابتا في اسطنبول المدينة التي أكلت نصف قرن من عمره والتي مزمزها وعاش بزادها كي يكتب كتابه : اسطنبول الذكريات والمدينة – ترجمة دكتورة أماني توما وعبد المقصود عبد الكريم – الطبعة الاولي 2008 ونشر الهيئة المصرية العامة للكتاب .
كأن باموق جانوس؛ الاله ذا الوجهين وجه للشرق وجه للغرب وما يرسم علي مدقات الابواب حتى يومنا ، أو كأن باموق اسطنبولي حتى هذه الحالة الجانوسية ، اسطنبول ليس كمثلها شيء؛ مدينة من قارتين وفي قارتين ولقارتين وأي قارتين : مهد الحضارة الانسانية وخلف هذه الحضارة .
في الكتاب باموق يكتب ذكريات التكوين الأول ، ولكنه يظهر بهذا جبل الثلج الذي هو اسطنبول، ولهذا باموق في هذا الكتاب لا يتذكر بقدر ما يعيش ويتاؤل هكذا معيش .
وان سرد ذكرياته فإن ذكرياته نتح اسطنبول التي نتحها تاؤيل لتركيا المعاصرة أو قراءة لهذه التركيا ، حيث لكل قاريء قراءة.
" ان اسطنبول متنوعة بشكل يصعب تناوله، وفوضوية, وأغرب بكثير من المدن الغربية؛ يستعصي اضطرابها علي التصنيف" هكذا هي المدينة في ذكريات اورهان باموق الذي تبدو ذكرياته بسفورا لبحر داخلي هو ما يستعصى تصنيفه . فاندغام بين المدينة وباموق في سيرة تكوينه يظهر تمازج روحي قلق بين الطفل والصبي والشاب بامومق مع مدينته ومن ثمة محيطه ، كما اسطنبول كمدينة علي حافة وحفرية بارزة ونابضة بأوجه متعددة .
في سيرته تبدو المدينة الشخصية الرئيسة فيما يكون الراوي الشخصية الثانوية وتذوي روح هذه الشخصية في رماد مسرح من العتمة والعتق، ويطفو علي سطح صفيح ساخن أي اسطنبول أهم مبرز وهو روح الزوال فاسطنبول باموق شبح يتجسده من خلال رواة ثقاة هم رجال ثقافة وأدب غربيين أو من تلاميذهم الترك .
والمدينة البسفورية روح طفولة وشباب اورهان باموق الروح الذاوية، والعمل يرصد هذه الروح في لحظة تكونها في مدينة تذبل وتزول كمدينة بسفور للعالم وتنهض من التاريخ مستنهضة الجغرافيا فيما تكون روح النهضة التركية القومية قد فقدت البوصلة علي يد ربانها أتاتورك .
اسطنبول الذكريات والمدينة؛ نمنمة من حرائق وحكايات مكررة وشوارع عتيقة وشخوص باهتة، المدينة تسير عكس عقارب الساعة وباموق يسير عكس عقارب المدينة التي في لحظات تكون كما جبانة غادرها الموتي منذ قليل.
وهذا الكتاب كما لو كان تضاريس روح اسطنبول .
الروايةالسيروية درس في البحث في الروح ودراسة لتضاريس هذه الروح كما هي تأمل في الدلالة، فالكاتب يتعاطي مع تفاصيل المدينة من معمار وأحداث وجغرافيا وسكان وذلكم من خلال التجوال الذي يعيشه الراوي في شوارع المدينة وفي شوارع النفوس الانسانية التي تسكن هذه المدينة، هؤلاء السكان المسكونين بجنون من ماضي يثقل علي النفس وحاضر أثير ومستقبل قابض .
كما هي تجوال في الكتب التي تتعاطي أفيون اسطنبول من رحالة أدباء مشاهير من الغرب، ومن كتاب اتراك غاصوا في وحل اسطنبولي بامتياز.
ومن خلال الراوي تتماري أزمة المدينة كهوية متصدعة تشدها خيوط واهية لماضيها الشبحي ، ولمفاهيم متقادمة في الزمن كما تمسك بها مستجدات ومفاهيم جديدة وقوة مهيمنة تسيطر علي بسفور نفسها وتحوط كيانها .
ان باموق يلم بحثيات هذه المدينة من خلال سرده لطفولته التي تعكس غربة محيطه عن محيطه ، واغتراب آل باموق وانحسارهم وطلوع تشكيلة اجتماعية هي عبارة عن عجينة يجمعها التنافر ، ولهذا تظهر اسطنبول في طفولة الكاتب كشبح للزوال أما في صباه فهي قناع للضياع الذي هو بطل شباب باموق الحائر بين دراسة الهندسة كوظيفة تضمن المعيش الطيب وبين الفن التشكيلي الذي يضمن هوى النفس . وفي كل الاحوال تهيمن روح الأم / اوصول الواقعية فيما يظهر الأب كصورة نيجاتيف لعالم بعيد وبين الروح والجسد الصورة يفقد باموق الشاب البوصلة في بحر أسود بسفوره مدينة من روحين متشاكلين .
ستنقذ الكتابة الراوي كما تنقذ باموق من دور الاسطنبولي التائه ، وستغدق عليه بانتماء بطاقة هويته جائزة نوبل .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب