الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطفال حماة أيضاً كانوا يستحقون الصورة

منهل السراج

2009 / 2 / 10
الارهاب, الحرب والسلام


أمسك العسكري الولد من قبة البيجامة وراح يلوح به، ويسأل زميله العسكري الآخر في حملة الجمعة، شباط 1982: هل نترك هذا الولد أم نأخذه مع البقية؟ نظر العسكري إلى وجه الطفل المذعور وقال: اتركه، صغير، ردد الولد مؤيداً: نعم أنا صغير. ورغم صوته الرقيق، أخذوه وبالطبع مثل كل من أخذوا في يوم الجمعة المشؤوم لم يرجع أحد. شهادة أم الولد الذي لم يتجاوز الثانية عشرة.
وتقسم أم أخرى أنها هي التي جنت على ابنها، لو لم تسمح للولد الذي يحب عمته أن يذهب إلى بيت جده ليلة الأحداث ويعصى، لكان نفد مثل أخيه، قتل الولد في حضن عمته في منطقة الطوافرة، عمر الولد ثلاث سنين واسمه حازم، أما الأم الثالثة فأشهر من نار على علم، تلك المرأة التي أنقذت ابنها من النيران، وركضت هاربة به فوق الجسر، ومن لهفتها وجنونها على الولد رمته في نهر العاصي، بدل بقجتها.
تلك الأمثلة الثلاث أمثلة عن مئات الأطفال الذين قتلوا وعذبوا في أحداث حماة 1982، حيث لايتسع المقال لحكايات الجميع، وهذا هو الشباط السابع والعشرون. فماذا لدينا لنقوله؟ وكأنه لاأحد يعرف خطورة طمس ماحدث غيرنا، أو هكذا نحس، أوكأن الحدث لشدته، طمس في ذاكرة سوريا والسوريين، أو أن الأحداث لهولها لوت أيضاً عنق التاريخ. ليس هناك من تغيير، مزيد من اليأس ومزيد من الخسران، وليس مزيداً من الانكسار، لأن الانكسار لا يزيد، يقع مرة واحدة وقد حدث منذ أن وعينا على هذه الدنيا في بلد اسمه سوريا.
ويتحدث الخطاب الرئاسي السوري عن انتصار المقاومة في غزة، ومفهومه عن الانتصار، بأن اسرائيل هزمت لأنها لم تستطع أن تكسر إرادة المقاومة في غزة. في هذا هم محقون، لأن ماحدث في 1982 من قتل المدنيين، وهدم البيوت أكثر بكثير مما حدث في غزة، الفرق أن النظام نجح في كسر إرادة الناس، وبالتالي فقد سجل انتصاراً ساحقاً، ولاأحد ينكر بأن النظام الحاكم في سوريا دائماً كان منتصراً على شعبه.
يفهم المرء بأن الأخطاء والتناقضات تحدث كردات فعل سريعة وطارئة على أحداث غير متوقعة،، ولكن كيف تفهم كل هذه الخطايا التي ترتكب على مر السنين؟
وما من جواب، وليس أمامنا إلا أن نكتب مقالنا، رغم اليقين بأننا لانفعل بالمقال شيئاً، بل ربما نحدث ضرراً بشكل ما، لأصدقاء في السجون، فداء الحوراني ورفقائها، وربما للأهل والمدينة التي نحب. وقد رجتني أمي كعادتها أن لاأكتب، أمي التي كابرت طويلا قبل أن تعترف بأن السعادة كانت فقط في الخمسينات والستينات، تقول ورغم إنها عرفت ربها بعد ذلك وصارت تصلي وتزيد الحجاب، ولكن لم يقترن هذا بالنسبة إليها إلا بالقمع والخوف. وهاهي منذ أكثر من ثلاثين عاماً تنتظر عودة الأبناء، وتجيب على أسئلة طارقي الأبواب، ثقيلي الظل. وتقول مستلبة تماماً: بم أجيبهم؟ والله عم إنسى. وتوصيني أن لاأكتب.
وأعيد عليها، أن هؤلاء الذين يطرقون الباب لا يقرؤون، لو أنهم يقرؤون الكتب، لو أنهم يتفكرون بالتاريخ، لكانت أساليب التعامل لديهم أكثر ذكاء وعدلاً.
ولكن حقاً ماذا يفيد المقال؟ منذ مئات السنين تكتب الكتب وتوضع النظريات والفلسفات وكلها تنادي بإنسانية الإنسان، و مع ذلك لم تنجح أن تزحزح ديكتاتوراً ولا أن تقلب نظاماً. وصار كاتب المقال مبتل بمقاله، وأحياناً كلماته واهنة تماماً كالورق الذي يطبع عليه، والآن ليس أكثر من شاشة سرعان ماتمحى ليحل محلها غيرها.
يفكر المرء بشكل طفولي، كيف بالكلام أو بمقال أن يساعد ذاكرة بلد بحاله لكي تبرأ؟ كيف يمكن أن تشفى ذاكرة البلد من قتل الآلاف من أهلها وإهانة البقية الباقية وهدم بيوتهم؟ كيف يمكن هذا، إن لم تكشف الحقائق ويقال للمفجوع، معك كل الحق بأن تفجع، لأن ما حدث كان مفجعاً. ونطلب عفوك ونعترف بأنك ظُلِمت وبأن الحياة كانت من حقك ومن حق أهلك وأن المدينة لم تستحق ماحدث لها.
ولكن كيف نحلم الآن كهذه الأحلام، إذا كان آخر خطاب رئاسي سوري، يوصي بأن نعلق صور الأطفال القتلى في غزة في غرف نوم أطفالنا الأحياء، كي لاينسوا عدوهم. أفلا يعني هذا أن تفعل الأمهات في حماة الشيء ذاته، بما أن الجميع بلا استثناء أصيب بالقتل والتشرد والفقر والإهانات منذ 1980. كيف نحلم بالصفح إذا كانت وصية الحاكم عكس ذلك.
كأن كارثة قتل الأطفال هي بنوع القاتل أو هويته وليس بفعل القتل. فإن كان قاتل الطفل اسرائيلياً فالطفل شهيد وفي الجنة طائر بريء، وإن كان قاتل الطفل حامل سلاح الحاكم فإن على الطفل أن يمد رقبته مطيعاً تماماً، كما هو مطلوب منه ليكون أضحية من أضحيات عيد الحاكم.
كيف نشجع الناس لكي ينصفوا ذاتهم والتاريخ؟ ونتوسل المدينة الآن فقط أن لا تكون حاقدة.
كيف نمنع أماً في حماة حين تشاهد الأطفال القتلى في غزة بأن لاتغص وتتذكر: لم يصور أحد أطفالي وهم يقتلون. أولادها الذين مؤكد أنهم كانوا أيضاً كأطفال غزة جميلين وكانوا يستحقون دقائق من التلفزيون، قتلوا ولم يسجل أحد لا أسماء ولا صور ولا عناوين. والقتلة من كل الأطراف، أحياء ينعمون، بل ربما اتفقوا أخيراً أن يتواطؤوا على المدينة وأهلها.
كثيرون يقولون/ لاوقت الآن لنبش الماضي، ولتذهب ذاكرة المدينة الصغيرة إلى الجحيم، نريد أن نعمر سوريا واحدة لافرقة بينها. ونقول إذا كانت سوريا الحرة تعمر بنكران ماضيها، فتفضلوا وعمروا، ربما المستقبل الحر يبرئ النفوس من الحقد، ولكن ماذا فعلتم خلال الأعوام السابقة، والرؤوس صماء والألسنة خرساء، ومن قال كلمة حق زج في السجون ومامن مكترث، ولم كانت الثقة دائماً مفقودة؟ وأكاد لاأفتح بريدي يوماً إلا وأتلقى أسئلة من الناس عن شروط اللجوء إلى البلاد الأوروبية. والكل يتكلم عن مستقبل أبنائه قانطاً تماماً من مستقبل سوري آمن لنفسه ولأسرته.
نريد بقولنا للأم التي تتذكر اليوم بأنها ليست لوحدها، وأننا نتذكر معها، ويجب أن نتذكر جميعاً. نعرف أن ماحدث أعمق بكثير مما كتب ومايكتب وماسيكتب، إذ إن إرهاب طفل للحظة لاتعبر عنها كل كتب العالم وكتابهم. ولا يمكن للغة مهما بلغت أن تنصف الآلام الإنسانية التي حدثت لهذه المدينة، والمؤسف أنه لم تكترث جهة عادلة للقيام بالدراسة والتوثيق والاحصاء والتحقيق. الأمر الذي نأمله فقط لكي تشفى الذاكرة، وإن لم يحاكم أحد ولم يحكم أحد. إذ لا عقاب يعادل الآن، لحظة رعب عاشها طفل قبل قتله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم
سعد الحزين ( 2009 / 2 / 9 - 20:32 )
قتيل غزه شهيد وهو كذلك ولكن قتيل السيارات المفخخة في شوارع العراق كما قتلى حماه هم قتلى فهناك حاكم قاتل في حماه وهنا مقاومة شريفه قاتله كم من حماه كانت وما زالت فوق ارضك ايها العراق الجريح


2 - ولو.... هناك دم ... ودم! ا
محمد حاج صالح ( 2009 / 2 / 9 - 21:00 )
الدم ليس كله أحمر... دم أهل غزة سهل التوظيف في هدف سياسي. إنه رصيد جاهز ومتنام في بنوك البيع والشراء، والأشطر هو من يزرع هذا الدم ويقطفه ويعرضه للبيع صراخاً وهتافاً ونفاقا... أما دم أهل حماة الـ 30000 ( حسب مصادر سلطوية بين 5000 و10000 ) أي وفي كل الأحوال أضعاف شهداء غزة ، فلا بواكي لهم حتى الوكلاء المورطون شرعوا يراجعون ويلتهون بأفكار المفكر العظيم مشعل... والأرجح أن الدم الحموي سيضيع مهدور القيمة بين المورطين أو الموردين لا فرق، وبين القاطفين أو المهرقين لا فرق.


3 - إسألوا خدام
نجم الدين دياب ( 2009 / 2 / 9 - 23:44 )
برأيي المتواضع يجب سؤال الرفيق عبد الحليم خدام عن الموضوع لفتحه من جديد فهو العارف بكل الخفايا وهو أحد أعضاء اللجنة الخماسية التي وقعت على اقتحام مدينة حماه (حافظ الأسد، رفعت الأسد، عبد الحليم خدام، مصطفى طلاس، علي دوبا) أو إنسوا الموضوع وضعوا حقنا وحق ضحايانا عند الله


4 - And Tall ezzatar too
Ali Dayoub ( 2009 / 2 / 10 - 02:00 )
كيف نمنع أماً في حماة حين تشاهد الأطفال القتلى في غزة بأن لاتغص وتتذكر: لم يصور أحد أطفالي وهم يقتلون. أولادها الذين مؤكد أنهم كانوا أيضاً كأطفال غزة جميلين وكانوا يستحقون دقائق من التلفزيون، قتلوا ولم يسجل أحد لا أسماء ولا صور ولا عناوين... إن إرهاب طفل للحظة لاتعبر عنها كل كتب العالم وكتابهم!!!!??? Might a pology make a forgiveness, may not enough; but no less


5 - إسألي العراقيين
خالد عبد الحميد العاني ( 2009 / 2 / 10 - 02:58 )
عزيزتي الفاضلة منهل السراج
إسألي العراقيين عن الأطفال الذين إختطفهم نظام صدام من بين أحضان أمهاتهم الذين هجرهم النطام البعثي الى إيران وترك أطفالهم في العراق. إسألي العراقيين عن أطفال حلبجة الذين قتلهم نظام صدام بالغازات الكيمياوية, إسألي العراقيين عن ألاف الأطفال الذين دفنوا أحياء مع ذويهم بما سمي بعمليات الأنفال أكثر من 180 ألف ضحية. إسألي دعاة القومية والمتشدقين بالدين الذين يتحدثون عن جرائم ووحشية الكيان الصهيوني وهم محقين في ذلك ولكن لماذا ينكرون جرائم النظامين البعثيين في سوريا والعراق. إسألي الرفاق في المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي ةالأسلامي الذين أتحفونا في زيارتهم للعراق دفاعا عن الأطفال العراقيين اذين يغيبهم الموت بسبب نقص الأدوية نتيجة الحصار وهم يعرفون أن موتهم بسبب حرق الأدوية في مخزنها لآنها منتهية الصلاحية لأن النظام يريد إيهام العالم ان الحصار هو السبب . ماذا تريدين أن تسألي فالأسئلة لا نهاية لها والأجوبة مؤجلة حتى وقوف المجرمين أمام محاكم مجرمي الحرب لتقول كلماتها الفاصلة بحق أقذر حزبين بعثيين شهدتها البشرية على مر العصور.


6 - هل من فكر اعجازي؟
سلام السوسنة ( 2009 / 2 / 10 - 09:03 )
سيدتي
مثل هذا الجرائم لا يستطيع احد تغييبها من الذاكرة الجماعية للشعوب.
مثل هذه الجرائم الممارسة ضد العزل من رجال واطفال ونساء بحجة انه قد خرج من بينهم او اختفى يبنهم مقاتلون اقول هذه الجرائم تسمى في حالة السلم جرائم ضد الانسانية وفي حالة الحرب جرائم حرب.
في الحالتين لاتموت هذه الجرائم بالتقادم. انعا تطفو جثثا متفسخة على سطح الضمائر بعد عشرات السنين. من كان يمكن ان يتخيل ان بينوشيه سيحاكم على جرائمه؟ من كان يمكن يتخيل ان نظام فرانكو كان سيحاكم على جرائمه؟
سيدتي
في هذا العدد مقال رائع للسيدة فلورنس غزلان. تتحدث به عن الفخ الطائفي...
كم اتمنى يا سيدتي ان نستطيع الحديث عن مجازر حماة وحلب وتدمر ....حتى صيدنايا مرورا بآخر ضحية للتعذيب الشاب الثلاثيني من دير الزور.

ولكن هل يمكن الحيث عن هذا دون الوقوع في الفخ الطائفي والذي اعتقد ان النظام نصبه باحكام شيطاني؟
انا اخاف ان تتحول دماء اطفال حماة الى درجات ايديولوجية في سلم دعوة وصول الاسلام السياسي اعني الاخوان المسلمين الى السلطة.
بالظبط كما هو الحال في ان الدعوة الى الاعتراف بهذه الدماء البريئة تصبح دعوة الى تجريم الطائفة العلوية وبالتالي تُمكنْ النظام من تحويل هذه الطائفة الى درع بشري!!!.
هل من فكر خارق


7 - استفسار
سوري ( 2009 / 2 / 10 - 19:09 )
أريد هنا أن أستفسر نقطة هامة جداً: نحن السوريون نقف دائماً مع الفلسطينيين، وتحديداً اليوم مع أهل غزة في مصابهم من السفلة الإسرائيليين. لكننا نرى قيادات فلسطينية مثل حماس والجهاد والقيادة العامة، تبادلنا مشاعرنا الصادقة بغدر ودناءة، حيث تقف علناً مع نظام قاتل مغتصب في دمشق، قتل من شعبنا السوري أكثر بكثيرمما قتلت إسرائيل من العرب مجتمعين منذ 1948. بل أسوأ من ذلك، لقد قتل هذا النظام من الفلسطينيين في تل الزعتر، وخلال ثلاثة أيام، أكثر ما قتلت إسرائيل من الفلسطينيين منذ ثلاثين عاماً. ثم يأتي خالد مشعل بمنتهى الصلف والوقاحة، ويهدي -نصره- التعيس لوريث القاتل ورئيس النظام القاتل المغتصب؟؟؟ هل هناك وقاحة وخسة أكثر من هذا التصرف؟؟ ماذا سيكون رد فعل هذه القيادات لو وقفنا مع إسرائيل في عدوانها ضدهم؟؟؟ طبعاً نحن أصحاب مبدأ ولن نقف أبداً إلا مع الحق، لا مع السلطة ولا مع حماس، بل مع الشعب المسكين الذي يتعرض للبيع في سوق نخاسة الطرفين. إسرائيل مغتصبة ومعتدية، ولكنها عدوة، والنظام الظالم المغتصب في سوريا عدو أيضاً وأسوأ من إسرائيل لأنه يقتل ويذبح من شعب يُفترض أنه شعبه، وحين يضع أياً كان يده في يد هذا النظام فهو يحتقر الشعب السوري ويقف مع عدوه.

اخر الافلام

.. اعتصامات الجامعات الأميركية وانعكاسها على الحملات الانتخابية


.. ترامب يكثف جهوده لتجاوز تحديات الانتخابات الرئاسية | #أميركا




.. دمار غزة بكاميرا موظفة في الا?ونروا


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي يهدد بإسقاط التا?شيرة الا?مريكية ع




.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور