الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعه في النار وأنا في الدار

جلال القصاب

2009 / 2 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


حُكي أنّ رجلاً مات وكان عليه ديْنٌ كثير، فقيل لولده: هلاّ بعتَ الدار ووفّيت بها ديْنَ أبيك. فقال: إذا بعتُ الدار وقضيت بها ديْنَ أبي فهل يدخل الجنة؟ قالوا: لا. قال الولد: فدعْهُ في النار وأنا في الدار.

كثيرون لا يفكّرون إلا في أنفسهم وبطنهم ودونه، لا يهمّهم قضاء حقوق الآخرين، وليذهبْ حتّى أقرب الناس لُحمةً وجواراً إلى الجحيم..
"دعهُ في النار وأنا في الدار" شعار كلّ الأنانيين مِن عُبّاد الكراسي الوثيرة، (الذين هم يُراءون ويمنعون الماعون)، الذين يُغلقون معابر الإغاثة عن أيدي الخير أن تصل، وعن مؤسّسات العون والنجدة، إلى الذين يمنعون الشعوب من أن تنفّس وتتنفّس، إلى الذين يحفظون نصوص الدين كلّها كالكاسيت ويُفتون بحرمة التظاهر للنصرة ووجوب طاعة أسيادهم المتكرّشين، إلى الذين يترفّهون ويتلذّذون بكلّ "زحرة تزحرهم" ولا "يمنحون" فلساً في سبيل الله لاستنقاذ إنسانيتهم الضامرة، إلى مومياءات الثوار الكذَبة/الكسَبة المفرّطين في حقوق الأمة، وباعةِ الكلام، والحناجر والأقلام المدفوعة الثمن، الذين سكنوا القصور وانتفخوا مِن الحرام ومن الاستئكال بالقضية كممثّل شرعي ووحيد! ونراهم على منابر الفضائيات كالغربان ينهشون الثائرين الحقيقيين الفاضحين زيفهم، ويُحمّلون المقاومين مسؤولية الكوارث الإنسانية والمادية التي لحقت بغزّة، ويسلقونهم بألسنةٍ حِدادٍ بدلاً من تسليط سلاطتهم على الصهاينة!

سفنٌ تذهب محمّلةً بالمعونات فتُمنع من تفريغ حمولتها، قوافلُ إغاثة تُصدّ وتُردّ، حمولاتُ أغذية تفسد لطول انتظار، أطبّاء ومهندسون من أقطارنا يتقاطرون هناك لأداء واجبهم الإنساني بالنصرة، فيُكدّسون على المعابر، ولا يُسمح لهم بالجواز إلى غزّة، إنفاذاً لمراسيم أنظمة الاستبداد.

ما الأنظمة؟ هي في النهاية أناسٌ متشابكة، وتحت مجهر التحليل: الأنظمة، الشركات، التحالفات، المنظّمات.. هم أفراد، يخضعون للمقياس البسيط الذي يقيس إنسانية الإنسان مهما تغلّف بتشكّل سياسي أم ديني، حكمهم واحد؛ رحماء أم شياطين، مانعون أم مانحون.
وما الدين؟ إلاّ رحمة الإنسان (أرأيتَ الذي يُكذّب بالدين؟ فذلك الذي يدعّ اليتيم، ولا يحضّ على طعام المسكين)، إلا التضحية لتخفيف معاناة إنسان بلا طلب عِوض أجر.

كلّ الذين تنغّصت مواجدُهم، أو شخصوا من بلدانهم، لتخفيف معاناة بني جلدتهم، فهم دينيّون ورحمانيّون مهما كانت عقائدهم، "الدين تضحية" هكذا فسّره الحسين (ع)، وقد دعا حفيدُه الصادق (ع) لكلّ المضحّين الذين أزعجهم القعود فخرجوا بالتلبيات للتعاهد على الإباء ونصرة المظلوم: (اللهمّ فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا، وارحم تلك الدموع التي جرت رحمة لنا)، هذا دعاء يعمّ أولئك الذين تعطّلوا في المعابر، والذين ضحّوا بما يملكون لتصل أيدي معوناتهم لإخوتهم المنكوبين، دعاء يشمل الأطباء بغزّة الذين وصفهم طبيبٌ نرويجي بأنّهم (أصبحت وجوههم شاحبة من قلة النوم، ومن صدمة ما يرونه من بشاعة الإصابات التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا، كانوا يعالجون يوميا 100 حالة خطيرة مع انعدام الأدوية، ويقومون أيضا بإجراء 14 عملية جراحية بنفس الوقت، مع انعدام الأجواء الصحية لإتمام هذا العمل الشاق جدّا).

كثيرةٌ هي النصوص التهذيبية السماوية التي تحثّ على التضحية بالعطاء، وتجعلها أدلّ ميزة لإنسانية الإنسان، وعلامة الإيمان بيوم آخر يُجزى فيه المحسنون بإحسانهم، وبرهانًا على تصديقهم العميق بجميل ما يدّخره الله للمضحّين بأموالهم وأنفسهم، لا يريدون قبالَه جزاءً ولا شكورا..

لقد تكشّفت الكارثة الإنسانية بغزّة عن فريقين: مانعين، ومانحين (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى، فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)، هذا الآية تُفصح عن لعناتٍ كونيّة تترى من كلّ ذي روح على مَن يُعسِّر ويمنع، وترحمّات تترى على كلّ من يُيسّر ويمنح..

المانعونَ المعونة.. وذكَرْْنا بعضهم مِن أنظمةٍ وأفراد، أمّا المانحون.. فأولئك هم عِزُّ الأمّة وعنفوان مجدها، وسبب رحمتها، هم أصحاب الدين والإيمان ولو جهلوا كلّ نصوص الدين، مثل "أردوغان" الذي يُضحّي بعلاقة بلده الأثيرة مع إسرائيل وأوروبا وينتصر لدماء الأطفال فيجهر بكلمة حقّ في سلطان "دافوس" الجائر، مثل الذين ضحّوا براحاتهم الشخصية، وخرجوا بمسيرات التأييد والنصرة، والذين تبرّعوا بما وجدوا، والذين انضووا بأعمال خيرية وتضحوية، فنية، ثقافية، إعلاميّة.. وغيرها.

الدول تتبرّع بالمليارات والتجار بالملايين، هذا طبيعي ولا غرابة، لكن أن يتدافع الفقراء والأناس العاديون والطلاّب والأطفال ليعطوا حيلتهم، بعضهم يهبُ مدّخراته، آخرون يمنحون فائض ثيابهم، بعضهم تبرّع بإحدى كليتيه وبدمه، وبعضٌ غصّ بدمعته لعجزه أن يجد ما يُعطي أكثر، حركةٌ إنسانيةٌ رائعة أكّّد عليها الدين ورسم أروع مشاهدها بنصوصه: (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ)، هذا الآية تراءت لي وأنا أشاهد دموع المستضاف المسيحي جورج الصافي على قناة الجزيرة (الفاخورة) التي جمعت فوق 400 مليون ريال لأطفال غزّة، حين تفاجأ بسماعه عن تبرّع المواطن السعودي (راشد) بإحدى عينيْه للطفل الفلسطيني (لؤي) الذي فقد عينيه من قصف الصهاينة وجيء به إلى الرياض لعلاجه، وبتبرّع (أم علاء) التونسية بإحدى عينيها له أيضاً.

سيفرح "لؤي" أكثر، لو تبرّع المانحُ "راشد" بضميره الفائض، لزراعته في جوف بعض الزعامات "المانعة" للمعابر وللمعونات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وحماس
bensaleh malika ( 2009 / 2 / 10 - 08:13 )
وأين هنا من رعاع حماس وارهابيي حماس وزعماء حماس الكذابين، الذين سرقوا المعونات الانسانية الموجهة للاونروا .... حتى الاسرائلين لم يقوموا بهذا بل زودوا الغزاويين بالفيول والادوية ... الخ

اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس