الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفضائيات العربية جدلية الوعي ،اتساع المعرفة،خلق للراي العام

فاطمه قاسم

2009 / 2 / 10
ملف- دور الفضائيات العربية في تسويق الإعلام وبناء الوعي و توجيه الرأي العام


أصبح من الصعب جدا متابعة القفزات العلمية الهائلة في مجال ثورة المعلومات، وتكنولوجيا المعلومات، وبالتالي تحويل العالم كله بقاراته الست، ومليارات السكان إلى قرية صغيرة، ولم يعد ممكنا لأي طرف مهما كانت حججه، أن يختبيء وراء المسافات مثلما كان الأمر في القرون الماضية، وبفضل الأقمار الصناعية المخصصة للاتصال، أصبحت الأحداث البعيدة وكأنها أحداث محلية، فكيف كنا سنعرف ما الذي يجري في هضبة التبت مثلا، أو ما الذي خلفته زلازل الصين، أو حروب القوقاز، أو انهيارات الجبال الجليدية في القطب المتجمد الشمالي، أو تفاصيل الحروب القبلية والعرقية في مجاهيل القارة السوداء، قارة أفريقيا، لولا ثورة الاتصالات، وهذه التكنولوجيا التي تسابق الزمن، والتي تجعل البعيد قريبا، والمستحيل ممكنا، وبالتالي، يتكون حول هذه المعرفة، عدة طبقات من الوعي، ومواقف للرأي العام، واستجابات بأشكال مختلفة.
المنطقة العربية:
ليست استثناء مما يجري في العالم، بل على العكس من ذلك تماما هي في صرة العالم، وفي بؤرة اهتمامه، وذلك بسبب عبقرية المكان أولا، فهي على مداخل المحيطين الأطلسي والهندي، وهي تجعل من البحر الأحمر بحرا عربيا، ومن البحر الأبيض واحدا من بواباتها الرئيسية، ثم هي من ابرز مصادر الطاقة المتمثلة بالنفط والغاز، وهي تاريخيا سريعة التأثر والتأثير بمن حولها من أمم أخرى.
وهكذا، فان ثورة الاتصالات لعبت دورا كبيرا في حياة المنطقة، جعلتها في قلب الأحداث سلبا أو إيجابا، أي انه لم يعد بمقدورها أن تنطوي على ذاتها، وان تمجد أخطاءها، وان تستفرد بذكريات الزمن الجميل دون مواجهة استحقاقات الزمن المعاصر.
ثورة الاتصالات لعبت دورا حاسما في كل وسائل الإعلام ابتداء من الصحافة المكتوبة التي أصبحت في مقدورها أن تصل إلى مسافات ابعد، عبر الشبكة العنكبوتية، شبكة الانترنت، وصولا إلى الإعلام المرئي، والذي يعتمد بدوره على الصورة الحية، المباشرة التي تنتقل من موقع الحدث نفسه، وهو الدور الذي تقوم به الفضائيات العربية.
وبطبيعة الحال:
فانه من الصعب متابعة عدد الفضائيات العربية التي تنشا وتتوالد باستمرار، وهي فضائيات حكومية، وخاصة، ووسط بين الصفتين، وفضائيات ربحية وأخرى دعوية، وفضائيات إخبارية، وبرامجية، وفضائيات للتسلية، والإعلان، وفضائيات للدين، وفضائيات طائفية ومذهبية، وعلمية، للنساء والأطفال، وللرياضة والمؤتمرات فضائيات مستوطنة في عواصمها، وأخرى مهاجرة في عواصم الدنيا، ولكنها جميعا لها هدف واحد عقل الإنسان العربي، ووجدانه، طالبة منه بطريقة أو أخرى، الانحياز إلى ما تبثه من أنواع الدعاية الدينية، أو الاستهلاكية، بطرق عديدة مباشرة وغير مباشرة.
والسؤال هنا:
هل أسهمت هذه الفضائيات والتي تعد المئات، ويزدحم بها الأثير، هل أسهمت في استنهاض الوعي العربي، وهل أسهمت في اتساع مساحة المعرفة ؟
وهل استطاعت أن تلعب دورا في خلق رأي عام مستقر أو متناقض حول العديد من القضايا والأحداث؟
الإجابة عن هذه الأسئلة تقع في خانة الإيجاب، نعم، لقد أسهمت الفضائيات العربية في تجديد الوعي العربي، وإقناع الإنسان العرمجديه لمادوره، واتساع رقعة المعرفة عن التراث وعن العالم، ودفعت إلى رأي عام أصبح يرى نفسه في الشارع، وفي حلقات الصراع، والجدل، بعد أن كان محظورا عليه في الرقابة الصارمة أو التجاهل المطلق.و خير دليل على ذلك مدى التأثير و الفاعلية التي حققتها هذه الفضائيات العربية، أنها في ازدياد كل يوم، و لو أنها كانت غير مجديه لما أقبل عليها أحد!!! أما الدليل الأخر، فهو أن الشكوى لم تنقطع من أصحاب القرار في العديد من البلدات من بعض هذه الفضائيات، و تغطيتها الإعلامية للأحداث العسكرية، و السياسية، لدرجة أن بعض هذه الفضائيات تعرضت لقصف مقراتها، و استهداف مراسليها، و اتهام برامجها، و الادعاء عليها في المحاكم و أمام القضاء، و لولا أنها شديدة التأثير في كل هذه الموضوعات التي طرحناها لما استحقت كل هذه الخصومة!!! و لو أخذنا مثالا على كل ذلك فضائيتي الجزيرة و العربية، لاتضحت الصورة بكل جلاء، بأن الفضائيات العربية تلعب دورا بارزا على مستوى تجديد الوعي العربي، و الحراك الفكري، و الوصف الذهني، و زيادة مساحة المعرفة لدى المواطن سواء كان من النخبة أو حتى من الجماهير العادية، و أنها تسهم في خلق فعاليات متطورة من الرأي العام، و نرى هذه الفعاليات تؤثر في الحياة السياسية لمجمل الأنظمة العربية، و أن هذه الفضائيات، مستفيدة من ثورة الاتصال، ومن تطور تكنولوجيا الاتصال بشكل كبير، تمكنت من إحداث نقلة نوعية في تعامل قطاعات واسعة من الرأي العام مع القضايا العامة، لأن المعرفة نوع من أنواع القوة، و هذه الحقيقة و هي أن المعرفة تشكل نوعا من أنواع القوة، استفادت منها الأمم في الدول المتطورة، و ساعدتها هذه القوة على تنظيم حياتها بطريقة أفضل، بل و ساعدتها على التغلب على مشاكلها، و الاهتداء إلى الطريق الأفضل في الإدارة و الاقتصاد، و الحكم و المراجعة.
هل يستطيع أحد أن ينكر أن الكثير من القضايا الهامة على الصعيد السياسي أو العسكري أو الأمني أو الاقتصادي لم تعد حكرا على النخب، و لم تعد من الأسرار التي لا يجوز الاقتراب منها، بفعل قناة الجزيرة و شقيقاتها اللواتي يتمتعن بقدر من الاستقلال المهني، و أن فضائية الجزيرة نقلتنا إلى ميادين الأحداث، و إلى كوابيس السياسة و إلى أراء متعددة لخبراء و مختصين ليسوا جميعا قارئين في مدرسة واحدة، بل على رؤى متعددة، و أفكار متناقضة أحيانا؟
و هذا الأمر، ينطبق على مجمل الفضائيات و إن بدرجات مختلفة، حسب الإمكانيات أولا، و حسب درجة الحرية المتاحة ثانيا، و حسب الخبرات المهنية ثالثا، و لكن، بما أن كل شيء في هذه الحياة له أثار جانبية سالبة، فإن الفضائيات العربية، لعبت دورا في كثير من الأحيان في تضليل الرأي العام، وخلق صور وهمية أمامة، و ساهمت في دفعه إلى المبالغة في التوقعات التي يجعله يسقط في الإحباط، و ذلك بسبب أن الموضوعية في الثقافة العربية مازالت بعيدة المنال، و أن مصالح القبيلة أو الطائفة أو الجماعة تتقدم في كثير من الأحيان على مصالح الأمة، و مصالح الدولة و مصالح الأجيال.
كما أن العديد من فضائياتنا العربية، تخضع لازدواجية المعايير، فهي تجعل من غيرهم يظهرون كما لو أنهم الملائكة، و تجعل من تذمهم يظهرون كالشياطين، و أنه شيئا فشيئا استقطبت هذه الفضائيات نخبا من المثقفين المأزومين الذين أصبحوا أبواقا بلا جدوى، لدرجة أنهم يطلبون من مشاهديهم أن يوافقونهم على فصول مأزقهم النفسية أو العقائدية، حيث أن بعض نخب المثقفين في حالة تحول مفاجيء، ينتقلون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وبالعكس، و يجدون من هذه الفضائيات مساحة واسعة من الفرص لكي ينظروا لهذه التحولات المفاجئة، و بطبيعة الحال، فإن النجومية التي تتيحها الفضائيات لهؤلاء توسع من دائرة الضرر الذي يلحق بالوعي العربي، و اتجاهات الرأي العام.
و لكني اعتقد أن هذه الآثار الجانبية السلبية، هي جزء من تركة الماضي لأمتنا التي تعتبر جزء من ثقافتها قائما على الانحياز بدون توازن، و لعل أبرز مشاكل المؤرخين العرب في كتب التراث على سبيل المثال، لم يقيموا وزنا للأرقام، فيتحدث أحدهم عن القتلى في معركة، و يعطي الرقم خمسمائة، ثم يأتي من بعده، فيضاعف الأرقام إلى أن يصبح الرقم خمسمائة ألف، دون أدنى اعتبار لأهمية الأرقام، و الدقة، و الموضوعية لأن الحافز لدى هذا أو ذاك هو لانحياز إلى القبيلة، أو الطائفة، أو الجماعة العرقية التي ينتمي إليها فقط.
هذه الظواهر و السمات التاريخية لن تصمد طويلا أمام قدرة الحقائق على الانتشار، و أن أحدا بعينه لا يملك كل الحقيقة، و أن الناس شركاء في المكان،
و أنا اعتقد أن الفضائيات العربية، رغم ما يوجه إليها من انتقادات في هذا الجانب أو ذاك، ستظل قوة ضخمة تحرك المياه الراكدة و لا تبقيها على حالها، و تحرك العقول المستلبة و تجعلها تستيقظ على المشاركة في صنع المصير، و أن هذه الفضائيات، و عبر تراكم طبقات الوعي، و زيادة مساحة المعرفة، و استنهاض آليات الرأي العام، أصبحت طرفا رئيسيا في ساحات سياسية و عسكرية و أمنية و اقتصادية، كانت قد ظلت لعقود طويلة حكرا على نخب مستلبة منحازة، أغرقتنا في الهزائم وعجزت عن القول بشكل موضوعي ومستقل كلمة واحدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ديوكوفيتش يتعرض لضربة بقارورة مياه على الرأس


.. غريتا ثونبرغ تنضم لاعتصام مؤيد للفلسطينيين




.. مشهد نادر وخلاب لسماء إسبانيا


.. حرائق الغابات تتصاعد في كندا




.. أمير الكويت يأمر بحل البرلمان وتعليق العمل بعدد من مواد الدس