الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتحدث الرسمي باسم الحكومة

صالح سليمان عبدالعظيم

2009 / 2 / 12
كتابات ساخرة


كشفت أحداث غزة والمستويات المأساوية التي ارتبطت بها عن ظاهرة المتحدث الرسمي باسم أي من الحكومات العربية. فقد كان من الضروري في ظل تصاعد وتيرة الأحداث الدموية في غزة أن تدافع بعض الحكومات العربية عن مواقفها المختلفة تجاه غزة. وبسبب من كثرة المتحدثين الرسميين الذين دافعوا عن النظم التي ينتمون إليها ويعبرون عنها، فقد أمكن الوصول إلى مجموعة من الملامح المشتركة التي ميزت هؤلاء المتحدثين، ومثلت قواسم مشتركة فيما بينهم. وأغلب الظن أن هذه السمات يمكن أن تسم كافة المتحدثين الرسميين باسم حكوماتهم في كافة بقاع الأرض مع بعض الاختلافات التي تتعلق بالمستوى الثقافي ومساحة الحركة والمناورة السياسية. ويمكن تحديد هذه السمات فيما يلي:
الإيمان المطلق بمواقف الحكومات التي يعبر عنها المتحدث الرسمي، بغض النظر عن طبيعة الحوار ومجرياته. فمن الملاحظ أن الكثير من المتحدثين السياسيين مبرمجين سلفا بحيث لا يمكنهم أن يتحركوا يمينا أو يسارا وفقا لمجريات الحوار. فما يتم تلقينهم إياه هو ما يرددونه بغض النظر عن طبيعة الأسئلة الموجهة إليهم أو طبيعة القضايا التي يتم مناقشتها.
وفي هذا الإطار كشفت العديد من التصريحات أو الحوارات التي قام بها المتحدثون الرسميون في عالمنا العربي إبان مأساة غزة عن ضحالة كبيرة في المستوى السياسي، وفقر كبير في كيفية الإلمام بأبعاد الكارثة وتحولات الأمور تجاهها. ففي الوقت الذي أصر فيه هؤلاء المتحدثون على ما تلقونه سلفا، وهو ما أضر بصورة بلدانهم في الكثير من الأحيان، كان يمكنهم أن يغيروا أحاديثهم وتصريحاتهم ويوجهونها وجهة أخرى أكثر إفادة مما تعاطوه مسبقا من مؤسساتهم الرسمية.
ففي بعض الأحيان كان الحديث يتم عن الضحايا والمذابح الهائلة التي تحدث في غزة، بينما يصر المتحدث الرسمي على الإشادة بموقف دولته في الماضي، وأنه لا يجب أن يزايد أي أحد على دولته وقائده التاريخي. وفي البعض الآخر، كان الحديث يتم على ضرورة الحديث عن المصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين، وأهمية ذلك في العمل على تخفيف معاناة الأوضاع في غزة، فإذا بالمتحدث الرسمي يوجه حديثه ناحية إيران وعمالة المقاومة... إلخ من أشكال الاهتراء في التصريحات والهشاشة في الردود.
ومن الواضح تماما أن المهمة الرئيسة التي يدافع عنها المتحدث الرسمي هو الدفاع عن الدولة التي ينتمي إليها، وبشكل خاص الدفاع عن الحاكم الذي ينتمي إليه. ففي أحيان كثيرة ينبري المتحدث الرسمي ويقاطع محاوره إذا ما أشار من قريب أو بعيد لشخص الحاكم، مدافعا ومفندا ومؤكدا على مواقفه الوطنية العروبية الإسلامية وربما الكونية. بل إن اللافت للنظر أنه لا يدافع بمثل هذه الحدة عن دولته إذا ما جرى ذكرها في الحوار مثلما يدافع عن شخص الحاكم ومآثره وأدواره. وفي الكثير من الأحيان كان شكل هؤلاء المتحدثين مضحكا وهم يلهثون دفاعا عن شخص الحاكم بشكل يضر كثيرا بهم وبدولهم بل وبحكامهم.
ورغم أن الكثير من هؤلاء المتحدثين الرسميين يمثلون السلطة في أبرز تجلياتها، حيث ينتمي بعضهم للحزب الحاكم المهيمن في دولته، أو يحوز منصبا سياسيا كبيرا في وزارة خارجيتها أو أي من المراكز السيادية الأخرى، إلا أن الكثير منهم يؤكد على استقلالية كلامه، بل ويؤكد مرارا وتكرارا حياديته فيما يقول، وأنه بمنأى عن أية تأثيرات أيديولوجية أو سياسية أو حزبية. ثم يردف قائلا أن مواقف دولته وقيادييها بمنأى عن أي تشكيك أو نقد. ومن الغريب أن هؤلاء المتحدثين كثيرا ما يلوكون كلمة الحيادية بشكل مضحك، لا يعبر عن مجريات الحوار بقدر ما يعبر عن فهمهم الخاص لهذه الكلمة التي لا تعني شيئا سوى الدفاع المستميت عن شخص الحاكم وأفعاله.
من اللافت للنظر أن اللحظة التي يمتلك فيها المتحدث الرسمي حريته وقراره في الخروج على النص المحدد له سلفا تتمثل في فاصل الردح الذي يكيله للمحاور أو لأي من ضيوف الحوار الآخرين. ففي هذه اللحظة ينفلت عقال المتحدث الرسمي ويبدأ في فاصل سباب عفوي دفاعا عن بلده وعن الحاكم الذي ينتمي إليه. هنا يجود المتحدث الرسمي بقاموس شتائم يشتمل على الخيانة والعمالة والضعف والمتاجرة بالقضية الفلسطينية والعمالة مع إيران أو أمريكا أو حتى إسرائيل حسب موقع المتحدث والجهة التي يدافع عنها.
الغريب في الأمر أنه وفي الوقت الذي يعتبر فيه المتحدث الرسمي واجهه لدولته، فإن الكثير من النظم العربية لم توفق بدرجة كبيرة في اختيار المتحدثين باسمها. فقد بدا هؤلاء المتحدثين أقرب للفتوات في الكثير من أحاديثهم، حيث لا يعبرون عن أنفسهم بمستوى إعلامي لائق بقدر ما ينقلون لنا تصريحاتهم بالقهر ذاته الذي تربوا عليه ووصلوا من خلاله لمستوى المتحدث الرسمي باسم الحكومة التي ينتمون إليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي


.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????




.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ