الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نستطيع أخذ نظرية الخلق على محمل الجد فعلا؟

بسام البغدادي

2009 / 2 / 11
الطب , والعلوم


يوجد حتى اليوم الكثير من المؤمنين بالغيبيات ومن الذين نلتقيهم يومياً يؤكدون بأنه هناك الكثير من الدلائل في الطبيعة و الكون تشير الى أن الكون والطبيعة هذه التي نحيا فيها بهذا النظام و التوازن و التعقيد اللامتناهي حسب رأيهم ماهي الا من خلق قوة أعظم ما وراء الطبيعية قامت بخلقها و ايجادها بهذا النظام الذي هي فيه الان. حيث ان الطبيعة كانت و ماتزال و ستبقى كما نراها الان لا تطور ولا تغير فيها الا ما شائت تلك القوى العليا منه تغييراً. فهل نستطيع أخذ نظرية الخلق بشكلها هذا بجدية اذا استطعنا ان نطلق عليها لقب نظرية اساساً؟

فكرة الخلق كما نعرفها اليوم تستند على رواية التوراة للخلق في سفر التكوين حيث انشأ الله اولا النور و الظلمة ثم انشأ السموات و الارض ثم خلق آدم وحواء وكل هذا طبعاً في مدة زمنية محددة هي ستة أيام بالتمام و الكمال, نعلم اليوم بأنها هي نفس القصة البابلية القديمة التي نسخها رجال الدين اليهود أثناء السبي البابلي الاول ولكن بتغيير اسماء الالهة فيها, ثم جاء الاسلام ليقوم بنسخها كما هي دون تصرف او تغيير تماماً كما وردت في التوارة.

حسب القصة التوراتية فان الله خلق آدم في آخر الايام الستة للخليقة. و أنطلاقاً من هذا أفترض البعض انه يمكن حساب عمر الخليقة من خلال حساب أعمار الانبياء المثبة في التوارة لأتصالها و تواصلها. وقد حاول بعض رجال الكنيسة في القرون الوسطى الوصول الى تأريخ محدد لبدء الخليقة من خلال أتباع هذا المنهج "العلمي" حسب وصفهم. نذكر منها المحاولة الجريئة للقسيس الايرلندي جيمس آشر (James Ussher) و الذي توصل الى أن الخليقة قد بدأت في الساعة السادسة صباحاً في الثاني و العشرين من شهر تشرين الاول (أكتوبر) عام 4004 قبل الميلاد عندما قال الله ليكن نوراً فكان صباح اليوم الاول.

بالطبع لازال البعض حتى اليوم يؤمن بأن قصة الخليقة هذه هي أحداث تأريخية حقيقية حدثت لأشخاص حقيقين هم آدم الرجل الاول و حواء المرأة الاولى. لكن المشكلة التي تواجهنا هنا و التي ربما تمكن بعض رجال الدين في القرون الوسطى التغاضي عنها بسبب حجم الارصاد المتوفرة وقتها, و لكننا بطبيعة الحال فنحن ملزمين بها الان وهي سلسلة من الارصاد التي تؤكد بأن عمر الارض و الانسان على اقل تحديد هو اكبر عمر الخليقة هذا بكثير, و كثير جداً من هذا العمر الهزيل. و على سبيل المثال لا الحصر نورد ما ينقض نظرية الخليقة قلباً وقالباً حسب بعدها الزمني ما يلي.

1. كيف نفسر وجود حضارات أقدم بكثير من هذا التأريخ الذي يتحدث عن بداية الخليقة؟
2. كيف نفسر البقايا العضوية و المتحجرات التي نكتشفها كل يوم و التي تعود لأزمنة ساحقة تعد على الاقل بملايين السنين؟
3. كيف نفسر وصول ضوء النجوم التي تقع على أبعاد تفوق ما يمكن الضوء ان يقطعه في هذه المدة الزمنية القصيرة؟

سيقول قائل ما هنا بأن حساب عمر الخليقة أنطلاقاً من حساب أعمار الانبياء و تسلسلهم هو حساب غير دقيق بسبب أنقطاع أخبار الانبياء لفترات طويلة....؟؟؟ و بُعد الفترات الزمنية التي ظهر فيها الانبياء...؟؟؟ و ضعف الدقة التأريخية في توخي الازمنة كما ذكرت في التوارة..؟؟. اذا صح هذا الكلام رغم انه يناقض مصداقية الدقة الالهية في تحديد اعمار الانبياء و انسابهم في الكتب المقدسة اليهودية و بعدها المسيحية وثم الاسلامية. هذا أعتراف بطبيعة الحال بعجز الكتب الابراهيمة من توراة و أسفار و مزامير و انجيل و قرآن من مجاراة التطلع المعرفي الانساني المتحرك داخل الزمن و أكتفائها بالمجاز الغيبي القابل للتأويل و التغيير و حمل الاوجه و بشكل دائم. لهذا دعونا نبحث في عملية الخلق بعيداً عن عمر الخليقة لان هذا موضوع محرج للمؤمنين بنظرية الخلق.

خلق الله السموات و الارض في ستة أيام ثم أستراح حسب التوراة او أستوى على العرش لسبب ما حسب القرآن. يتوفر لدينا اليوم أدلة دامغة على أن نشوء الكون الذي نعرفه اليوم بدأ في حالة وحدانية هائلة تمدتت بشكل أنفجاري في مدة زمنية قصيرة جداً أو ما يعرف اليوم بأسم الانفجار العظيم, هذا الانفجار أو التمدد هو ليس فقط انفجار للمادة في حيز الزمان و المكان, بل هو انفجار لكل من المادة و الزمان و المكان وهذا التمدد لازال مستمراً حتى هذه اللحظة. أذن أين الخلق؟ يستخدم بعض المؤمنين نظرية الانفجار العظيم العلمية كدليل على نظرية الخلق و خصوصاً عندما يتصورون بأن الانفجار جاء كنتيجة منطقية و دليل ثابت على تدخل خارجي قادر على أحداث مثل هذا الشئ العظيم. ولكن في هذا الاستنتاج أخطاء و مشاكل كثيرة يفضل المؤمنون عدم التطرق لها عن قصد او عن جهل منهم بماهية الانفجار العظيم.

1. لماذا يتم تجاهل أن موضوع السببية المزعومة هنا مرتبطة بعنصر الزمن الذي لم يكن موجوداً اساساً قبل الانفجار العظيم؟
2. كما يتم تجاهل الاجابة اذا ما كان الوجود الالهي هو وجود مستقل عن المادة الكونية التي نشأ عنها الكون ام أنه عدم ولاشيئية سبقت الانفجار العظيم؟ حيث لا وجود لحالة ثالثة.
3. في حال وجود سبب الهي للانفجار العظيم لماذا يتم تجاهل وجود اي سبب للوجود الالهي نفسه و القبول حينها بمبدأ الصدفة التي تفترض ان الله كان موجود فقط لانه موجود.

يتم تجاهل كل هذا من أجل التمسك بأسطورة بابلية وردت في الميثولوجيا القديمة لآلهة لا يعرف اسمها اغلبنا اليوم قامت التوراة بنسخها و الصاق اسم يهوة او الله فيها. وقد يسأل سائل الان, اذن ما هو تفسير وجود كل شئ؟ ما هو تفسير الانفجار العظيم اذن؟ بالطبع فأن الجواب الادق و الاكثر مصداقية لمثل هذا السوآل هو أننا لا نعرف صراحة الجواب الصريح. ولكن هنا أحتمالات منطقية لهذا الكون كظاهرة طبيعية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر التالي.

1 أن هذا الكون فريد من نوعه و الانفجار (التمدد الشديد) حادثة حصلت مرة واحدة بدون اي سبب او مسبب بل عنصر الصدفة لعب دوره هنا.
2 أن هذا الكون هو برعم صغير لكون ثاني أكبر منه و الذي بدوره برعم من كون اكبر منه و هكذا الى المالانهاية.
3 أن هذا الكون دوري و يقوم بالتمدد حتى يصل مرحلة السكون ثم يبدأ بالأنكماش الى ان يصل الى درجة الوحدانية العالية كبذرة لأنفجار عظيم جديد وهكذا الى المالانهاية.

الى آخره من الاحتمالات الطبيعية التي يمكن ان تفسر وجود هذا الكون بشكل طبيعي و معقول دون الحاجة للجوء الى قوى ماوراء طبيعية في تفسير وجود هذا الكون كي تواجهنا نفس المشكلة في تفسير وجود هذه القوى بدورها.

أن تفسير وجود الكون و الظواهر الطبيعية من خلال ارتباطها بقوى غيبية هو تفسير يصرخ بالعجز كان الانسان سابقاً خاضعاً له بسبب حاجته لفهم الكون من خلال أيجاد قواسم مشتركة و روابط منطقية لأشياء تفوق قدرته العلمية و المنطقية حينها. لهذا نرى غالباً في الاساطير القدمية ظهور لآلهة مختلفة يقع على عاتقها و اجبات مختلفة عجز الانسان عن تفسيرها, مثلا, البرق كان تفسيره غضب الالهة, الرعد كان تفسيره زئير الالهة او عرباتها الجارية, السماء كان لها الهة ترفعها دون أعمدة, الارض كانت لها الهة تثبتها و تمنعها من السقوط "للأسفل", النجوم هي الهة تسكن السماء, المطر كان نعيم او نقمة من الالهة, الرياح و الغيوم لها الهة تسيرها, و الى آخره من الاشياء التي قد تخطر او لا تخطر ببالك. اليوم وبسبب التقدم العلمي الانساني نعلم يقيناً تفسيراً محدد لكل هذه الظواهر, وقد تكون هناك ظواهر لازلنا في قيد بحثها مثل نشوء الحياة مثلا, ولكن اذا كانت كل هذه الظواهر التي كانت تعزى الى الالهة سابقاً ظهر انها ظواهر طبيعية عادية مصدرها و منتهاها هو الطبيعة وقوانينها فما هو الداعي للعودة الى مبدأ الالهة مرة أخرى في تفسير تلك الظواهر التي لازلنا نبحث لها عن اجابة؟

نظرية الخلقة أذا صح عليها هذا اللقب هي نظرية غير علمية عاجزة, لا قيمة لها, تفترض ان الاشياء موجودة على الشكل التي هي عليه لان الله أرادها ان تكون بهذا الشكل التي هي عليه الان, ولكن الله كان بأمكانه اذن خلق الكون بأي طريقة كانت بدون اللجوء الى قوانين او المرور بمراحل تكوين حتى؟ فما هو الشئ الذي تقوم بتفسيره هذه النظرية أذن؟ نظرية الخلق تقف بشكل فاضح ضد كل أرصادنا الثابتة للكون و الحياة و النظريات العلمية الدقيقة ولا تمت بأي صلة للمنطق او الواقع حتى. ليس فقط لانها تعطينا صورة خاطئة للواقع و الحقائق, ولكنها ايضاً لانها صبيانية و عقمية و لا فائدة منها, بل تقود الفكر الانساني و تحصره في زاوية خرافية ضيقة وحلقة غيبية مفرغة.

من بين كل الشروط التي يجب توفرها في النظرية العلمية لا تمتلك نظرية الخلق شرطاً واحدا منها, لا يمكن أختبارها بشكل ما كنظرية متكاملة, و الاجزاء التي يمكن اختبارها تم نقضها و رفضها علمياً بشكل قاطع. لا تعطي نظرية الخلق تفسير عملي يمكن أستخدامه في شئ يذكر. كما أنها معقدة و غير منطقية في تفسير اي ظاهرة تذكر, و أخيراً أستطيع ان أصفها بأنها تافهة و خاوية المعاني و قبيحة في كل تفاصيلها, أبتداء الخلق الذي لا مبرر يذكر لها و حتى خلق الانسان الذي يدور كل شئ حوله حسب هذه الخرافة. فهل حان الوقت كي نترك خرافاتنا في متاحف التأريخ خلف ظهورنا و نتجه الى المستقبل بعقول متفتحة وقلوب تعشق الحياة و الخير للجميع بعيدا عن اوهام و أساطير أكل عليها الدهر و شرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلام صحيح
سعيد امازيغ ( 2011 / 8 / 13 - 14:47 )
بوركتم وافيدونا بالمزيد لعل عقولنا تتفتح بعد ان اغلقها الدين بخرافاته

اخر الافلام

.. حديث الخليج - الزهايمر في الخليج


.. الصحة العالمية: الوقود بمستشفيات جنوب غزة يكفي لـ 3 أيام فقط




.. تفاعلكم | عالم مليء بالجرائم.. كل ما تريد معرفته عن الإنترنت


.. نشرة إيجاز - مكتب الإعلام الحكومي: العثور على مقبرة جماعية ث




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة داخل مجم