الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة/ترانزيت

ماجدة سلمان محمد

2009 / 2 / 12
الادب والفن



دخلتُ وأنا متأكدة أني وصلتُ قبله بوقتٍ طويل,فقد الحّت عليّ الرغبة في المغادرة حتى حرمتني النوم الليلة الماضية ومنذ الفجر وانا اشدّ الرحال لارتحل الى حيث كنت وانا انشد بعض السكينة بعد أيام شاقة مرَّتْ ,جلست قبالة الباب.. ترددت بالبقاء في مقعدي لأن ذلك سيفاجئهُ حين يدخل, اتخذتُ مقعداً آخر يوفر لي المراقبة دون أن أشعر بألم في فقرات عنقي.
جفاف ريقي ُيونبُئني بشدة توتري,تناولتُ شيئاً من العصير, حاولت إشغال ذاكرتي وعينيَّ بأي شيء سوى النظر إلى المدخل, تفاءلتُ حين نزلت حمامة من قبة صالة الانتظار لتتناول بعض ُفتات خلفه الأطفال على أرضية الصالة, بدء رفقاؤه يتقاطرون على الصالة، كنت أعلم مسبقا أنه مسافر مع وفد جلس أمامي شخص كان أول الغيث, عرفته لأول وهلة وهو عرفني أيضاً, تجاهلته لدرجة إني لم أمنحه حتى فرصة إلقاء التحية, لم ألج باب تفسير أو تحليل تصرفي في تلك اللحظة، قد أكون انسقت وراء كبريائي حتى لا يظن أنني أتحدث مع رفيقه لأضمن التحدث إليه وربما هي عدم رغبتي بلقاء عادي، ناتج طبيعي لاجتماع رفقاء طال غياب بعضهم، يجمعهم حديث مشترك وهمٌّ مشترك يكون انضمامه إليهم أكثر من عادي, قلبي يزداد خفقانا باقتراب أُناس تحدث إليهم أو لامسهم.
لِمَ أشعرُ بأن جسدي ينضح ُالنار من مسامهِ؟ وبأن الهواء الذي أتنفس لا يكاد يصل رئتي؟
بضع مهاتفات من الأهل للاطمئنان على وصولي تشغلني ولو للحظات عن التفكير به,أُخرج مفكرتي المضغوطة الصغيرة وقلمي الذي قارب على أن ينشف حبره كما نشف ريقي قبله, أشاهد حذاءه يخطو، تذكرته يوم تراقصت أقدامي دوساً عليه تحت طاولة العشاء قبل عام سعيد أنقضى.
يتجاهلني، لا أرفع عيني عن الورقة التي أُدون فيها إفكاري واختلاجات نفسي هربا من عينيه والوقوع تحت نظرتهما الاولى يجلس قبالتي, لا أريد أن أنظر إليه, فليشعر أني أتجاهله، وحين أرفع نظري إليه لا أريد أن ارتجف أو يُغير وجهي ألوانه, كم تمنيت أن تكون هناك علكة كتلك التي في فمه تمتص بعض توتري وتبدد شيئا من قلقي، يتحدث إلى رفاق السفر,يستمر بتجاهلي,يرفع صوته لأسمعه وانتبه.
- لا لن أنظر إليك فربما لن أتمالك نفسي, والأرجح أن يتوقف قلبي, أقلب الصفحة ولم يزل نصفها فارغاً, فقط لأبين أنني مشغولة بما بين يدي أكثر من انشغالي به
- والآن علي أن أنهي كل هذا الوجع, لأطبق الدفتر وأتمالك أعصابي وأرفع نظري لأسلم عليه سيدعونني للانضمام إليهم وأمضي آخر ساعة لي معه، حسنا خذي نفسا عميقا و......
رفعت نظري، تظاهر بالمفاجأة لرؤيتي ونهض ليصافحني، خطا نحوي الخطوات التسع التي تفصل مكان جلوسه عني بينما لم أتمكن سوى من التسمر واقفة في مكاني
- لابد أن أُغيّر نظارتي لم تعد تسعفني
- لابد
مدَّ إليَّ يده مصافحاً مددت يدي ترتعش فيها دماء انسحبت من كل جسدي تتدافع في أناملي لتتمسك بيده,شعرت بموجة سيل الكترونات تتسرب من يده إليّ فتضرب قلبي كمن صعقته شحنة من كهرباء حين لامس على غفلة سلكاً مكشوفاً
- كيف الحال؟
- الحمد لله
- وأنتَ؟
- بخير الحمد لله كم مضى على انتظارك؟
- خمس عشرة دقيقة
- لم أرك في الصالة الكبرى؟
- دخلت مباشرة
شعرتُ بدوار خفيف وهو ما يزال يمسك يدي, تحايلت على نفسي فعزوته إلى نهوضي المفاجئ – الذي لم يكن كذلك - وهبوط ضغطي, سلم علي من برفقته.. دعاني للانضمام إليهم لكنها نفسي.
- آهٌ منها كم تأخذها العزة بإثم تظل تنوء تحت رحاه، ترفض أن تتهاوى أكثر بين يديه، أشكر لطفه فأنا مستريحة حيث أنا، كما أنه لا يوجد متسع حيت يتكومون كأن بعضهم لم ير البعض الآخر منذ دهر!!
ينصرفون ولا أنضم إليهم وبعد قليل تنظم سيدة دون دعوة إلى الجمع في منتصف أربعينها، تنحشر إلى جواره حيث رفضت أن أجلس لضيق المكان!! ما أخيبني.. تجلس في نصف استدارة وكأنها تحتضنه,لم تتوقف عن التحدث إليه وهو يهزُّ رأسه مرة موافقا وأخرى مبديا رأيه فيما تقول,إنه قربها يشم عطرها الذي لا يشبه عطري، وكان من الممكن أن يشمه الآن لو كنت دست قليلا على كرامتي وقبلت دعوتهم جميعا إلى الانضمام إليهم بدل جلوسي هنا استرق النظرات وأتحسر, وأنا أردد في نفسي الفرصة لا تأتي إلا مرة واحدة.
أحيانا حين تكون هناك خسارات كبيرة لا نعود نكترث بالخسارات الصغيرة.
أعود لدفتري أُدون خيبتي وتنقضي الساعة ويُنادى على موعد طائرتي، ينهض ثانية يودعني.. أرحل بينما خلفي يمتد ذيل خيبة طولهُ ألفٌ من الأمتار.
12/2/2008
بغداد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قصة قصيرة جميلة
ضياء كامل ( 2009 / 2 / 11 - 22:14 )
سرد فني جميل عبر رسم دقيق لحالة انسانية رائعة موصولة بحذافيرها ذلك بخبرة السارد الحاذق القدير ..
تحياتي وامنيات بالنجاح الدائم سيدتي
[email protected] ..

اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة