الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان: دليل السكنى في بيت المجتمع الدولي (1-2)

محمد عثمان ابراهيم

2009 / 2 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


عبثاً أهدرت السفارة السودانية في واشنطن أموال الشعب الفقير في الترحيب بتنصيب الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما.
في الثاني والعشرين من يناير الماضي نقل موقع سودانايل على شبكة الإنترنت خبراً صيغ على عجل من مصدر غامض عن تهنئة (السودان) – عبر رسالة مفتوحة- للرئيس أوباما في "يوم تنصيبه التأريخي" وقال الخبر إن السودان عبر عن تطلعه لعلاقات إيجابية مثمرة بين البلدين.
وذكر الموقع الإلكتروني الذي أنقل عنه دون تعديل على الصياغة ما يلي : " دعا الخطاب الذي نشرته صحيفة الواشنطن تايمز إلى استثمار هذه السانحة التأريخية التي تؤمل كثير من شعوب العالم إلى توظيفها من أجل إستدامة السلام العالمي وفض النزاعات بمخاطبة جذورها الحقيقة" " وأعرب السودان عن إستعداده التام للتعاون مع الإدارة الجديدة في كافة المجالات لخدمة المصالح المشتركة بين البلدين".
و اختتم الخبر بتصريحات صحفية للمستشار الإعلامي لسفارة السودان بواشنطن سيف الدين عمر رحب فيها بما اسماه "الإشارات الإيجابية التي إحتواها خطاب تنصيب أوباما".
كان من الواضح أن التصريح المتعجل تمت صياغته بواسطة السفارة لأن موقع سودانايل لا يشغل نفسه كثيراً بصياغة الأخبار وهو موقع إلكتروني إكتسب حضوره من قص الأخبار ولصقها سواء من مواقع الصحف الأخرى أو من الرسائل الإلكترونية لكتابها.
لم تترك الصياغة المتعثرة للتصريح أثراً مباشراً يدل على (مرتكبها) إلا أن الإشارة لتصريحات الملحق ربما قادت إلى المصدر.
توجهت لموقع صحيفة واشنطن تايمز، التي أفاد الخبر أنها التي نشرت الرسالة، فلم أعثر للرسالة على أثر حتى في إرشيف الصحيفة العامر. لم يكن أمامي من سبيل سوى الإتصال بالسفارة نفسها. أرسلت رسالة معنونة للسيد/ الملحق الإعلامي بالسفارة عرفته فيها بنفسي وطلبت منه مساعدتي بتوفير تأريخ نشر الرسالة ورقم العدد اللذان أغفلتهما صيغة الخبر.
كما توقعت تماماً لم يتم الرد على رسالتي بشكل مباشر وإن علمت بوصول رسالتي إلى السيد الملحق بشكل غير مباشر حيث إنني لاحظت سحب الخبر من صدر موقع سودانايل مما يشي بأن السفارة أرادت أن تستريح بسد الباب الذي "يجيب الريح".
أغلب الظن أن ( سودانايل) قامت بسحب الخبر بناء على طلب المصدر وهذا ما قد يفتح الباب لمساءلة الموقع الإلكتروني الشهير عن المعايير التي يعتمد عليها في نشر الأخبار وأيهما مقدم على الآخر القيمة الخبرية للقصة ورغبة الجمهور فيها أم رغبة مرسل الخبر خصوصاً وأننا نرى غالب الأخبار-خصوصاً تلك الواردة من جهات معينة- على الموقع حتى تيبس وتبهت.. لا علينا الآن بهذا.
إتصلت بأستاذنا مصطفى عبدالعزيز البطل الكاتب في هذه الصحيفة عساه يستطيع المساعدة، ففعل، وذلك بإعادة توجيه تساؤلاتي لصديقه المستشار بالسفارة السودانية بواشنطن السيد/ معاوية عثمان خالد الذي كشف عبر ردوده عن شخص خلوق ومحتشم. أوضح السيد المستشار أن الرسالة نشرت كإعلان في ملحق أصدرته الصحيفة يوم 20 يناير 2009 م و قال إن نشر مثل تلك الرسائل يعتبر من صميم واجبات المستشار الإعلامي و إنه ينسق في هذا الشأن مع رئاسته بالخرطوم.إذن لم يكن التصريح الصحفي المنشور على شبكة الإنترنت و المسحوب لاحقاً يقول كل الحقيقة وإنما كان يكشف فقط عن نصفها بينما يحاول التغطية بحبر كثيف على النصف الآخر، فقول الخبر إن الرسالة نشرت في صحيفة الواشنطن تايمز يدخل ضمن التعمية التي قصدها الخبر فالإعلانات لاتنسب للصحف و إنما تنسب للمعلن فإذا أعلنت شركة (إم تي إن ) للإتصالات أن سعر الدقيقة العالمية بخمسين قرشاً في مواقيت محددة فإننا لانستطيع أن نقول إن صحيفة الأحداث ذكرت أن سعر الدقيقة كذا. هذا أمر يخص المعلن. مثلما نشر السيد المستشار الإعلامي الرسالة في الواشنطن تايمز فإنه كان بإمكانه التنسيق لنشرها في كبريات الصحف حول العالم ما دام مستعداً لدفع كلفة ذلك.هناك أيضاً معلومة أخرى يدركها كل من لديهم صلة بقراءة الصحف الغربية والأمريكية على وجه الخصوص وهي أنها تصدر أعداداً كبيرة من الملاحق تصل صفحاتها إلى المئات وتتناول كل شيء من أسعار السيارات إلى سوق العقارات وإعلانات الوظائف ومراهنات سباقات الخيول وحفلات الأسبوع وغير ذلك. يأخذ كل شخص ما يعنيه من الملاحق ويرمي بالبقية في صندوق النفايات بإعتبارها شيئاً غير مرغوب فيه ويسمونها سقْط البريد (Junk Mail). الحياة لاتتسع لقراءة كل الملاحق فهل درست السفارة السودانية كم من مستهدفيها الأمريكيين سيقرأ رسالتها البليغة؟
من الواضح أن التصريح الذي نشرته (سودانايل ) كان يستهدف- ضمن أسباب أخرى لا تخفى على فطنة أحد- السوق الداخلي عبر الإيحاء الخلاب بأن العلاقة مع الولايات المتحدة تدخل منعطفاً جديداً بسبب إعلان تجاري نشر على صحيفة أمريكية.
نشير إلى أن الصحيفة المشار إليها (واشنطن تايمز) ليست صحيفة مرموقة تحريراً أو توزيعاً وليست ضمن قائمة المائة صحيفة الأكثر توزيعاً في الولايات المتحدة و من المتعذر جداً أن تترك النخبة السياسية الأمريكية ال(100) صحيفة الأولى لتبحث عن إعلان السفارة السودانية فيما دون ذلك من صحف.
واشنطن تايمز صحيفة حديثة الصدور نسبياً صدر العدد الأول منها يوم 17 مايو 1982 م وهي مملوكة لكنيسة الريفرند سن مايونق موون التوحيدية عبر شركتها (نيوز وورلد كوميونيكيشن) وعرف عنها تأييدها السافر للحرب الباردة على الإتحاد السوفياتي السابق ومساندتها لعصابات الكونترا المدعومة من قبل المخابرات الأمريكية و التي كانت تحارب في نيكاراغوا إضافة إلى إلتباس علاقتها مع اللوبي اليهودي الأمريكي المتنفذ بسبب آراء مؤسسها في موضوع المحرقة النازية.
إذن أهدرت السفارة السودانية أموالنا وأودعتها في المكان الخطأ تماماًُ فليتها اكتفت بنشر الرسالة عبر الإنترنت أو منحت المقابل المالي لصحيفة لها موقف يستحق الإشادة.
أما القول بإن السيد المستشار الإعلامي كان ينسق الأمر مع رئاسته فهذا لايضيف شيئاً وأنما ينتقص، ففيم كان ينسق مع رئاسته ولماذا وافقت الرئاسة على نشر الإعلان في ملحق إعلاني في صحيفة مغمورة تصدر عن كنيسة متناهية الصغر يزعم مؤسسها (وهو كوري الجنسية) أنه مكلف من قبل السيد المسيح مباشرة بالعمل على إكمال مهمته وإنشاء مملكة الرب على الأرض.
إستخدمت الرسالة الشعار الرئيسي لحملة أوباما الإنتخابية عنواناً لها بعد أن أضافت إليه ما يشير إلى السودان فجاء عنوانها " نعم نستطيع: معاً نستطيع تحقيق السلام في السودان". لا يمكن إغفال أن الرسالة تمت كتابتها ببراعة وبلغة رفيعة رغم احتوائها على بعض المعلومات غير الصحيحة مثل الحديث عن تأريخ "الصداقة والتعاون بين الولايات المتحدة والسودان" وغير ذلك مما قد يمكن التغاضي عنه في إطار "الضرورة الدبلوماسية".
على كل فإن الرسالة تشكل نقلة نوعية في التعاطي مع الولايات المتحدة بشكل علني وتمليك الشعب الحقيقة عما يحدث وراء الأبواب المغلقة فساسة واشنطن لا يحترمون رجال الدولة القادمين من العالم الثالث لأن هؤلاء لا يحترمون شعوبهم. لا تحترم الولايات المتحدة ولا أي بلد آخر الساسة والدبلوماسيين الذين يقدمون الصفقات من وراء ظهر شعوبهم. إن أكثر ما تخشاه القوى العظمى هو الساسة الذين يعبرون عن إرادة مواطنيهم لذا فهي ترفض التعامل مع شافيز وموراليس. الدول العظمى تحترم القادة الأقوياء فقط وممثليهم الأقوياء لذا فإن التعاطي إنابة عن الشعب وليس من وراء الشعب مع الولايات المتحدة أمر لاغبار عليه وإن لم يكن الأفضل.
في 8/3/2007 م نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية أن الرئيس الأمريكي جورج بوش رد بشكل مختصر على رسالة مطولة بعث بها الرئيس عمر البشير حول الوضع في دارفور. وصف دبلوماسي (وقح) الرسالة بأنها كانت " أنيناً مكتوباً بعناية من الضغوط الأمريكية على السودان لتوسيع قوة الإتحاد الأفريقي القليلة العدد ضمن قوة أكبر تتضمن قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة".
وذكرت الصحيفة أن مستشاري البيت الأبيض أشاروا على الرئيس –حينها- جورج بوش في البداية بتجاهل الرد على الرسالة لكنهم إتفقوا أخيراً على القيام بالرد بسبب أن الرسالة كانت الثانية حيث أفادت الصحيفة أن بوش تلقى رسالة مماثلة عام 2006 م و لم يرد عليها.
كان من الممكن أن يتم الإلتفاف حول الرسالة وتأييدها بشكل شعبي واسع في السودان إذا اختارت جهات الإختصاص نشرها على الرأي العام بحكم أن تلك الرسالة مرسلة إنابة عن الشعب لكن الأجهزة المغرمة بالسرية إختارت حجبها دون وجه حق.
كان من الممكن أن تحصل الرسالة على تأييد مشابه للتأييد الذي حازت عليه رسالة محمود أحمدي نجاد المفتوحة في نوفمبر 2006 م للشعب الأمريكي و التي أحدثت إستقطاباً حاداً وحظيت بتغطية واسعة في الإعلام الأمريكي وكسب الرئيس الإيراني زخم الزعيم الذي يعمل تحت الضوء لتحقيق مصالح شعبه.
ليس هناك أفضل من التعاطي العلني في القضايا التي تمس البلاد ولعل تجربة المصارحة التي إتبعتها الحكومة في المراحل الأخيرة من قضية المحكمة الجنائية الدولية أتت ثماراً دانية جعلت الرئيس البشير يحصل على مساندة غير مسبوقة بما في ذلك تأييد الخصوم التقليديين وهو ما كان يستشعره حين عبر عن ذلك بوضوح في حواره المنشور مع صحيفة الشرق الأوسط (29/1/2009 م).
لا يتمتع السودان و لم يتمتع في الواقع عبر تأريخه بعلاقات صداقة مع القوى الكبرى. فالسودان ليس صديق الولايات المتحدة مثلما هو ليس صديق بريطانيا وفرنسا وروسيا. السودان لا يتمتع بصداقة المانيا أو الهند أو البرازيل أو اليابان أو حتى الصين التي لا يمكنها التفكير في التضحية بمصالحها مع دول أخرى مقابل علاقاتها بالسودان خصوصاً مع تراجع أسعار النفط وإهتزاز موقف السودان في ظل إزدياد وتيرة الحديث عن الإنتخابات والإستفتاء على تقرير المصير في الجنوب الأمر الذي قد يطرح السودان كبلدين منتجين للنفط بدلاً عن واحد خلال أقل من عامين أي مع بداية التعافي المتوقع من الأزمة المالية العالمية. في الحقيقة يصعب العثور على دولة صديقة للسودان بالمعنى الذي يشتمل على علاقات سياسية ودبلوماسية وتجارية وثقافية إلخ. على كل فإن الصداقة بين الدول ممكنة من حيث التنظير والممارسة في العلاقات الدولية.
بالنسبة للسودان فإن القطر الأكثر شسوعاً في أفريقيا لديه مقومات علاقات وثيقة وصداقة مع كثير من دول العالم خصوصاً في إطار ما يعرف بالقوى الدبلوماسية المتوسطة إضافة إلى الدول الصغرى.
ليس في هذا أي بدعة وحجم المشاكل التي يعاني منها السودان حالياً في الساحة الدولية أقل بكثير من تلك التي كانت تواجهها ليبيا ( التي يمكن تصنيفها كقوة متوسطة هي نفسها) في الساحة الدولية. كانت لليبيا مشكلات عالقة ودماء مع الولايات المتحدة وبريطانيا و ألمانيا وفرنسا وغيرها لكن الجماهيرية حلت مشاكلها على دفعات عبر صداقتها مع قوى دبلوماسية متوسطة هي السعودية وجنوب أفريقيا والإمارات وقطر ومن خلال مؤسسة القذافي الخيرية التي يرأسها نجل الزعيم الليبي الدكتور سيف الإسلام.
في التجربة الليبية مثل يمكن القياس عليه ففيما كانت الجماهيرية تواصل مساعيها للعودة إلى المسرح الدولي من خلال العمل على حل قضاياها العالقة مع القوى الكبرى فإنها بذلت جهداً كبيراً للتواصل مع القوى المتوسطة والصغرى وشهدت مطارات طرابلس وسرت وبنغازي تدافعاً غير مسبوق بالطائرات الأفريقية في تحدٍ جماعي تجاوز الرمزية في كثير من الأحيان نحو الفعل إزاء الحصار الذي كان مفروضاً على الجماهيرية.
في أقاصي الدنيا حصلت تيمور الشرقية التي تعتبر نصف جزيرة ، يسكنها ما يزيد قليلاً عن المليون فقير من ذوي المشارب والسحن والتوجهات المختلفة، على إستقلالها من أكبر دولة إسلامية في العالم وهي إندونيسيا (حوالي 237 مليون نسمة) بسبب الدعم الذي تلقته قواها السياسية من قوى دبلوماسية متوسطة مثل البرتغال وأستراليا في وقت كانت إندونيسيا فيه على وئام كامل مع الولايات المتحدة.
السودان ليس في حاجة تيمور الشرقية أيضاً بل لديه مزايا(سياسية) يمكن أن تجعل منه بلداً جاذباً لصداقة القوى الدبلوماسية المتوسطة التي ينبغي إدراك وجودها وتقصيه عوضاً عن التعاطي المستحيل مع القوى الكبرى ولعل تجربة حصول السودان على رئاسة مجموعة دول ال(77) والصين هذا العام قد تصلح للتدليل على فلاح هذه التوجه.
نواصل..











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!