الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى أين وصلت حروب ونزاعات منطقة البحيرات الإفريقية الكبرى؟........-

محمد سيد رصاص

2009 / 2 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


أدى وصول التنظيم المسلح المعارض إلى السلطة في أوغندا،عام1986بقيادة يوري موسيفيني،إلى تداعيات كبرى شملت مجمل المحيط الاقليمي لذلك البلد الصغير،كان من بينها السودان الذي استشعر فيه زعيم التمرد الجنوبي جون غارانغ بقرب أفول القوة السوفياتية لينقل منذ ذاك الوقت مركز الظهير الرئيسي له من حليف موسكو الإثيوبي منغستو هيلا ميريام إلى الرئيس الأوغندي الجديد الذي كان يتمتع بدعم العالم الأنكلو- ساكسوني.
لم تكن تلك التداعيات شاملة للشمال(من أوغندا)فقط وإنما أساساً للجنوب(في رواندا وبوروندي)وفي الغرب(عند زائير)فيمايشكل(بمجموع تلك البلدان مع أوغندا)منطقة البحيرات الإفريقية الكبرى:أتى هذا من كون القوة المسلحة لتنظيم موسيفيني قد ضمت الكثير من أفراد قبيلة التوتسي التي هرب مئات الآلاف منها من رواندا بعد مذابح1959-1961التي مارسها ضدهم أفراد قبيلة الهوتوإلى الإقليم الشرقي(كيفو)من الكونغو كنشاسا(زائير منذعام1971حتى 1997لما أصبحت تسمى بالكونغو الديمقراطي)ومنطقة جنوب غرب أوغندا،كان من بينهم رئيس رواندا المقبل بول كاغامي،الذي كان رئيساً لإستخبارات تنظيم موسيفيني.
ظهرت تلك التداعيات بوضوح في عام1990مع تأسيس"الجبهة الوطنية الرواندية" المستندة لقبيلة التوتسي(10%من سكان رواندا)،بزعامة كاغامي،التي بدأت عملياتها المسلحة من الحدود الأوغندية- الرواندية،إلى أن تم اجبار حكم قبيلة الهوتو(89%من سكان رواندا)على توقيع اتفاق لتقاسم السلطة في آب1993،برعاية موسيفيني،الذي كانت قواته منخرطة تحت لباس قوات كاغامي.شجَع التطور الأخير توتسي بوروندي المجاورة جنوباً(14%)،الذين فقدوا عام1993مع الإنتخابات البرلمانية والرئاسية التي فازت فيها أحزاب الهوتو(85%)حكمهم التقليدي في ذلك البلد منذ استقلال1962(أولاً عبر الحكم الملكي ثم الديكتاتورية العسكرية بعدعام1966)،ليقوم ضباط الجيش التوتسي باغتيال الرئيس المنتخب في شهر تشرين الأول1993،مافجَر اضطرابات ومذابح متبادلة بين الهوتو والتوتسي،امتدت إلى رواندا بالشمال مع اغتيال قوات كاغامي في نيسان1994لرئيسي رواندا وبوروندي (وكلاهما من الهوتو)عبر اسقاط طائرة كانت تقلهما معاً أثناء هبوطها في مطار العاصمة الرواندية كيغالي،قالت الكثير من وسائل الإعلام العالمية آنذاك بأن وحدات من الجيش الأوغندي،المرافقة لقوات كاغامي،هي التي أطلقت الصاروخ على تلك الطائرة،وهو مافجَر مذابح قتل فيها 800ألف من توتسي رواندا من قبل الهوتو حتى استطاع كاغامي في آب1994إزاحة حكم الهوتو في رواندا ،ليترافق هذا لاحقاً في بوروندي عبر انقلاب عسكري عام1996استولى من خلاله ضباط التوتسي على السلطة مجددا ًبعد أن فقدوها عبر الإنتخابات.
كان موسيفيني هو القوة المحركة لكاغامي،الذي تأطَر عسكر بوروندي التوتسي في الجنوب تحت لوائه وهم يستعيدون حكم أقلية التوتسي التقليدي هناك،ليبدأ الزعيم الرواندي بعد ذلك في الإلتفات غرباً نحو زائير،التي أصبح اقليمها الشرقي(كيفو)معقلاً للتوتسي الذين أصبحوا القوةالاقتصادية الرئيسية لذلك البلد الغني،وهو ماكان عبر تشكيله،مع الرئيس الأوغندي ،ظهيراً للتنظيم المسلح بزعامة صديق باتريس لومومبا القديم،أي لوران كابيلا،للقضاء على حكم الجنرال موبوتو(الموالي تقليدياً لباريس وبروكسل)في زائير،ولوكان ذلك عبر تنظيم مسلح شكَل فيه أبناء الاقليم الشرقي من التوتسي عصبه الرئيسي،لتبدأ بعد سقوط موبوتو(أيار97)وتولي كابيلا للسلطة في كنشاسا أحلام كاغامي في ضم اقليم كيفو الكونغولي الغني بالثروات والمليء بالتوتسي لرواندا بالإنتعاش،ماولد تمرد التوتسي على كابيلا وأدى إلى حرب الكونغو الثانية(1998-2000)التي تحولت فيها تلك البلاد إلى ساحة للمواجهة(المباشرة وغير المباشرة وبأشكال منها ارسال الجيوش لهناك)بين أوغندا ورواندا،الداعمتان لتمرد التوتسي في شرق الكونغو،وبين أنغولا وزيمبابوي ونامبيا وجنوب افريقيا الداعمة لكابيلا،حتى تم اتفاق 2003الذي دمج قوات التوتسي المتمردة في الجيش الكونغولي،ليصبح زعيمهم لوران نكوندا جنرالاً في الجيش بعد أن كان عنصراًَ في قوات كاغامي برواندا(هو بالأصل معلم مدرسة).
هنا،لم يكن التنافس الفرنسي- الأميركي بعيداً عن تلك الصراعات،سواء في رواندا وبوروندي حيث كانت تميل قبيلة الهوتو تقليدياً إلى الثقافة الفرنسية ولإعتناق الكاثوليكية وكذلك عند موبوتو الذي آوى (واستخدم) قوات الهوتو المسلحة الهاربة من رواندا في عام1994،فيماكان العكس عند التوتسي وكذلك عند موسيفيني،الذي كالت له الصحافة الأميركية،منذ منتصف التسعينيات،المدائح ووضعته في زمرة"الجيل الجديد من القادة الأفارقة"مع كاغامي والإثيوبي ميليس زيناوي والإريتري أسياس أفورقي.
بدأت الأمور في التغير مع منتصف العقد الأول من القرن الجديد،لما وجد تمرد التوتسي الجديد في شرق الكونغو منذ عام2004،بزعامة نكوندا المدعوم من كاغامي،نفسه بدون سند اقليمي يتجاوز رواندا بعد انفكاك التحالف الأوغندي- الرواندي،وبدء دخول بوروندي في الإستقرار مع تقاسم السلطة بين الهوتو والتوتسي منذ عام2000،وهو ماترافق مع اتجاه باريس وواشنطن للتلاقي منذ صيف عام2004 في القضايا العالمية بعد خلافات شملت في عالم مابعد الحرب الباردة ملفات العراق والجزائر وحروب ونزاعات منطقة البحيرات الإفريقية الكبرى،ليجد الرئيس الرواندي نفسه وحيداً في دعم تمرد التوتسي الكونغوليين،الذين انخرطوا في مذابح ومجازر وتهجير مئات آلاف السكان ،مالم يستطع الغرب اللامبالاة تجاهها،وخاصة بعد حوادث خريف عام2008،في وقت كان جوزف كابيلا(الذي ورث الحكم عن والده بعد اغتياله عام2001)يقيم بناءاً داخلياً قوياً مدعوماً من المحيط الإقليمي ومن واشنطن وباريس،وذلك في بلد يمتلك اقتصاداً هو من اغنى الاقتصاديات الموجودة في القارة السمراء بالثروات،مايفسر بالتأكيد اضطراباته منذ استقلال1960وماأعقبه من حرب أهلية(حتى1965)تدخل فيها متصارعا الحرب الباردة،ثم محاولة انفصال اقليم شابا(كاتانغا)بالجنوبالغني بالماس والنحاس عام1977 لما تدخلت القوات الفرنسية،وكذلك المغربية والمصرية،لدعم موبوتو في وجه قوات الإنفصاليين الآتية من أنغولا اليسارية المدعومة من السوفيات والكوبيين،وهو ماتكرر في حرب الكونغو الثانية(1998-2000)لماتواجهت خلف المتنازعين المحليين عواصم افريقية عدة امتدت من جوهانسبورغ حتى كمبالا،فيماكانت مواقف واشنطن وباريس على تجابه وتفارق حيال هذا الملف.
في يوم تولي باراك أوباما لمقاليد الأمور في البيت الأبيض دخلت قوات رواندية - كونغولية مشتركة إلى اقليم كيفو بشرق الكونغو،قامت،عبر اجتياحها،بضرب قوات الهوتو الروانديين المتمركزة هناك منذ عام1994،وبضرب قوات التوتسي الكونغوليين المتمردين ،معاً،ليتم بعد يومين(الخميس22 12009)اعتقال زعيم متمردي التوتسي،لوران نكوندا،واقتياده إلى رواندا،فيما حصل قبل أسبوعين من ذلك انشقاق في تنظيمه أعلن فيه قادة الإنشقاق نيتهم بالمصالحة مع كابيلا والإنخراط في الجيش الوطني،ماكان اعلاناً عن تغير الأجواء بين الرئيسين الرواندي والكونغولي.
هل يعني هذا نهاية لحروب وصراعات ونزاعات أزهقت فيها أرواح ملايين البشر خلال عقد ونصف من الزمن،بعد أن استوعب الرئيس الرواندي أن سقف طموحاته الإقليمية قد انهار أمام الحقائق الجديدة اقليمياً ودولياً والمتغيرة عن عقد التسعينيات الماضي،الشيء الذي استوعبه موسيفيني منذ 2004،فيمايبدو أن كاغامي لم يع ذلك إلافي الشهر الأول من عام2009؟.........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الوطن أولاً ياعزيزنا
الحارث السوري ( 2009 / 2 / 12 - 21:55 )
قبل الوصول إلى بحيرات أوربا الكبرى والصراعات القبلية حولها .. أليس من الأفضل أن تحلل لنا مايجري حول البحيرات السورية التي ابتلع الخراب الذي صنعته أيدي الطغاة المستبدين ماءها وجعلها مكباً للنفايات في سورية الحبيبة .. من بحيرة العتيبة والهيجانة في الجنوب إلى قطينة في الوسط والمطخ والسوةيدية في الشمال ... وتكتب عما حل بالفلاحين البؤساء في سورية وبالشعب السوري عموماً...؟ أم ترى أن بيانات تجمعكم الماركسي النظرية ولا أقول الديماغوجية تكفي من جوع للحرية والرغيف .. مع التحية


2 - تصحيح خطأ..؟
الحارث السوري ( 2009 / 2 / 12 - 22:22 )
ورد في النص السابق سهواً بحيرات أوربا الكبرى ,, والصحيح بحيرات أفريقيا الكبرى - شكراً


3 - التحليق
حسن الكاسر ( 2009 / 2 / 13 - 18:34 )
أتمنى من الكاتب سيد رصاص كتابة مقال في المرة القادمة عن البحيرات بين نيبال والهند . فالحمد لله البحيرات السورية ساكنة وهادئة ولا تحتاج الى كتابة وتحليل ... وفقك الله

اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر