الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البصيرة

عدنان الدراجي

2009 / 2 / 14
الادب والفن


تهشمت نظارتي فوقعت في متاهات العمى, لم احسبها قط مجرد عدسات ولدائن, كنت احترم بصيرتها واعلم يقينا أن ما يقع على شبكية عيني ليس محض حقائق بل انعكاسات للأشياء اجتهدت نظاراتي في تنقيتها و ترشيدها وتزويقها وفي بعض الأحيان تشويهها حسب المقتضى.
كنت أرى من خلالها فقط لأني آمنت بأسلوب تعاطيها مع محيطي, كنت سعيدا بتوافقها مع تقاطيع وجهي, لكن بفقدها فقدت الأشياء وقعها المعتاد, ليتني أعلم سبب انتحار ملهمة رؤيتي المفجع.
في محل صانع النظارات جلست كئيبا في ركن قصي بعيدا عن تجمع الزبائن في واجهة المحل, كانت تحيط بالمكان مرايا عملاقة, كم امقت ارتسام صورتي على صفحة المرايا الكبيرة ليس لأني اكره شكلي بل بسبب تلاعبها بأبعاد الأجسام كيفما تشاء.
مئات من هياكل النظارات فاغرة المحاجر كانت تطل علي كأنها تتوسل لإطلاقها من أقفاصها الزجاجية, هربت ببصري نحو واجهة المحل الرحب لكن من غير فائدة فالمحاجر الفاغرة تحيط بنا من كل الجهات, كم تمنيت مصارحة هذه المحاجر بان بصري لا يقدر على مشاركة أكثر من نظارة بالوقت ذاته.
كان الليل أرخى سدوله فساورني القلق من احتمال تأجيل استلام نظاراتي إلى اليوم التالي, كان احتمالا مزعجا إذ أن بصري لا يقوى على قيادتي نهارا فكيف سيكون حالي لو سرت في هذا الليل البهيم من غير نظارة.
أخيرا جاء الفرج إذ اقبل صاحب المحل وبيده اليمنى نظارتي الجديدة وباليسرى قطعة قماش قطنية, ناولني النظارات ودس قطعة القماش بمحفظة جلدية بنية اللون وقال:
-لا تنسَ وضع نظارتك في هذه المحفظة الجميلة عندما تتحرر منها كيلا تفجع بها سريعا.
- عاشرت النظارات الطبية منذ بواكير شبابي ولم أكسر واحدة قط فلا توصِ حريصا.
- لكنك حطمت الأخيرة!
- لا لم أحطمها, كان حادثا عجيبا, لم أكن أنا احد أسبابه.
- كيف حدث ذلك إذن؟
-كنت أتصفح كتابا مملا وسرعان ما قمت لأعيده إلى المكتبة فانزلقت نظاراتي وارتطمت بالجدار ثم بالبلاط فتهشمت تماما وسط ذهولي التام.
-ما اسم هذا الكتاب الذي حطم نظارتك؟.
- لم يعلق اسمه بذاكرتي, لكن فصوله تتحدث عن الجمال والسلام والقبول بالآخر وتدعو إلى الحوار البناء وما إلى ذلك من المفاهيم الجافة!!
- كن أكثر حذرا في المرة القادمة, والآن جرب نظارتك الجديدة.
- هذه مختلفة قليلا! لكن سأعتاد عليها حتما, فقد تطبّعت على الاتكاء على بصيرة العدسات.

د.عدنان الدراجي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري