الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلة العرس

فدوى أحمد التكموتي
شاعرة و كاتبة

2009 / 2 / 14
الادب والفن


أيها القبر , يا رفيق دربي , ووحدتي وغربتي , ألم يحن الوقت أن تدخل الديدات , وتأكل لحمة جسدي , إني أراها هناك , بين شريان الأرض , تسبح بين كل الشوارع والأزقة , وتبحث عن أكل لها , لقد مر الزمان تلو الزمان وهي خاوية البطون , ألا ترحمها يا حفار القبور وتفتح لها قبري , وتحتضنها أبوابك , فقد أكل الجوع بطنها , ومغص الأمعاء يمزقها , وظمأ شديد في جوفها , ألم يحن الوقت لتفتح لها باب النعيم وتأكل لحمة جسدي وترتوي من أوردة دمي....

إني أرها , زاحفة مترددة بين الاقتراب وبين الابتعاد, هي لن ولم تخافك وإنما هي تؤمن بطقوس شرائع اللاوجود, العدم , ناموسها تحفظه في ذاكرتها , فهي لا تتعجل في فعل شيء قبل أوانه حتى لا تحرم منه مطلقا في أوانه, هي عكس قانون البشرية , إني أراها , تتألم جوعا , تدور في أزقة كل المقابر , ولم يحلو لها إلا هذا القبر , لأن رائحته عطرة , فيها عنبرالوداعة المفقودة في زمن تلاشت فيه كل الفضائل , وفيه عطر البراءة حيث انعدمت في زمن كله بات خريفا في خريف , وفيه رقة الإحساس وتدفق مشاعر الحب الصافي النقي , وطهارة الروح , في زمن كله مليء بالحقد والكراهية , وأرواح فيها خليط من مسك تلوث الفضاء الداخلي والخارجي للوجود , ألا رحمتها يا حفار القبور , وفتحت لها قبري ,لتأكل لحم جسدي , وترتوي من أوردة دمي , إني لعمري بها أشفق على جوعها , وعلى ظمإها , اتركها تدخل قبري , وتأكل لحمي , تشرب دمي , إني برب المخلوقات أتحسر عليها رحمة وشفقا , فقد مللت وحدتي هنا في قبري , أريدها معي , أريد أن أتحسس أني فعلا أتلذذ بطعم أكل لحمي من أحلى ديدات الأرض , وليس من أكل لحمي من المخلوقات من البشر.

أيتها الديدات الرائعات , الشامخات , التي تزحف في الأرض , وتؤمن بناموس العدم , تعالي في أحضاني , فأنا قررت أن أفتح قبري بيدي , ولا أستأذن من حفار القبور أن يفتحه , إني الآن قررت الانسلاخ من توارث المذلة , لحفار قبور البشر , وأفتح قبري بيدي , حتى تدخلين كعروس على عريسها ليلة الزفاف , وتتلذذين بطعم خمرة أوردة دمي , ولحمة جسدي , حينها ستجدين أنك فقدت البكارة , وتبدأ ملحمة التزاوج بيني وبينك أيتها الديدات الرائعات....


لا تكترثي بآلامي , حينما تعضين أي طرف من لحمة جسدي , لا تشفقين علي , بل إني سأكون في قمة سعادتي لما تأكلين جسدي كله , كيفما تريدين , دفعة واحدة .... أو عبر دفوعات ... حتى لا تأتيك التخمة , فتكون سعادتي أطول لما تأكلين لحمة جسدي على دفوعات وعلى مر السنين الطوال ...

لأنك أنت الوحيدة أيتها الديدات الرائعات تستحقين لحمة جسدي وتأكلينها , وتشربين من أوردة دمي خمرة مقدسة , ولن يأكلها بشر من بني جنسي ...

أيتها الديدات , هاهو قبري يفتح الآن ... بل فتح .... فاقتربي , اقتربي , دفوعات ... كيفما كان عددك , وكيفما كانت كثرتك ... تقدمي نحوي , اسرعي ... تقدمي , هيا فقد مللت وحدتي , غربتي , بيني وبين قبري , هيا حبيباتي , هيا أيتها الديدات الرائعات ...

اليوم يوم عرسك , وأنا هو الزوج المنتظر , هيا ادخليني , احتويني , اقتربي , مزقي جسدي , اكلي لحمي , اشربي أوردة دمي , اقتربي الآن ... أكثر فأكثر ... قوة بعد قوة ... اخترقيني , مزقي ثوب البكارة , وامزجي دمي بدمك ... الآنَ ... الآن أنا هو قدركِ , زوجكِ الأبدي في العدم , اقتربي , فغشاء البكارة قد اخترقته فهيا اروي ظمأك بأوردة دمي , واشبعي جوعك بلحمة جسدي ... ولا تتركيني من الآن وحدي , في ظلمتي مع قبري , وغربتي , ووحدتي مع كآبة ذاتي ....

أيتها الديدات الرائعات , اكلي كثيرا ... لكن لا تأكليني دفعة واحدة , حتى لا أعود ووحدتي وغربتي مع قبري ... أريدك أن تعيشي معي , فترات من الزمن بل الزمن الأبدي في العدم ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قد يتحطم الانسان ولكن لا يهزم
عبد الوهاب المطلبي ( 2009 / 2 / 14 - 14:07 )
ارق التحايا للاديبة الرائعة النقية فدوى
لماذا هذ الحزن ولماذا الاستلام والهزيمة المجرد اول هبة ريح من الكائنات الطفيلية الزاحفة؟؟؟ لماذا وقد عهدتك شجرة كرز باسقة لا تنحني للريح مهما كانت..ان قوة شموخ الربيع لكفيلة بهزيمة تلك الكائنات اللابشرية
الا تعلمين قد يتحطم الانسان ولكن لا يهزم كما يقول همنجواي
مع تقديري ومودتي

اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل