الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاجة إلى الديمقراطية

حسين علي الحمداني

2009 / 2 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


منذ سنوات خلت، كانت كلمة الديمقراطية مرتبطة جغرافيا في أذهان الكثيرين بكلمتي أوربا الغربية و أمريكا الشمالية، فيما كانت بقية العالم تعيش تحت رحمة أنظمة شمولية أو استبدادية.لكن و مع نهاية العقد الثامن من القرن الماضي حل خريف الأنظمة الشمولية التي بدأت حكوماتها تتساقط الواحدة تلو الأخرى، فيما اصطلح على تسميته "بالثورة البيضاء" أو ما سماه صامويل هانتينغتون "بالموجة الثالثة من الديمقراطية" .ورغم كل هذا، ظلت منطقة الشرق الأوسط في منأى ومعزل عن هذه الموجة، إلى الحد الذي جعل البعض يقول تهكما بأن "ديمقراطية الشرق الأوسط قد انضمت إلى قائمة المستحيلات !!".و أنه إذا كان الأمر يستغرق عقودا لكي يلحق الشرق الأوسط بركب العصرنة و الحداثة، فإنه قد يستغرق ملايين السنوات الضوئية كي يستطيع اللحاق بركب الديمقراطية، و يجب أن يبدأ العد من القرن الخامس قبل الميلاد وهو تاريخ ظهور أول دولة ديمقراطية في أثينا " بل و لطالما ردد الكثير من المثقفين عبارات من شاكلة أن "الشعوب الشرق أوسطية لم تنضج بعد لكي تستحق الديمقراطية"، فالديمقراطية في العالم الغربي قد ناضل من أجلها الشعب و استغرق الأمر سنوات و كلف أرواحا. ولأنها تأخذ و لا تعطى، فقد طالب بها الشعب في جورجيا في ثورة الورود والثورة البرتقالية في أوكرانيا ...بل يذهب بعضهم بعيدا، و يقول البعض من مناهضي الديمقراطية في عالمنا العربي بأن ما حدث و يحدث في لبنان و العراق و فلسطين من وصول لأحزاب وحركات و قوى "دينية" لسدة الحكم عن طريق الانتخابات و صناديق الاقتراع أثبت أن قولة الكاتب المسرحي البريطاني الساخر "جورج برنارد شو" بأن "الديمقراطية هي السماح لكل المسافرين بقيادة القطار، لتكون النتيجة الاصطدام، فالكارثة" لا تنطبق على منطقة في هذا الكون أكثر من منطقة الشرق الأوسط!!!
كل هذه الآراء تظل من وجهة نظري ضربا من المغالطة و الخطأ، رغم أنه لها ما يبررها.. من كون المواطن الشرق أوسطي البسيط قد أتقن بشكل مثير للدهشة فن البقاء على الهامش..! فأصبحت فصيلة "العسكر تحكمه و تطبق على أنفاسه !!! كما أنه وعلى العموم لم يحاول قط أن يخلع عن زعمائه هالة التقديس و العبادة، ويخلع عن خطاباتهم التي لا يقبلها عقل العصفور كل الزخارف اللغوية و الوعود الكاذبة وألاعيب التخفي خلف الحواجز الورقية، ليجد نفسه في نهاية المطاف وجها لوجه مع خطب تحمل كل مواصفات النص الإرهابي، كما أنه لم يكف عن تصديق هؤلاء الزعماء و هم يسوقون الخسارة على أنها ربح ، فصوروا له قادسيتهم وأم معاركهم على أنها انتصارات تاريخية، واستمروا على هذا المنوال في الضحك على ذقون الشعوب، ومصادرة ابتساماتهم و الاقتيات على آلامهم!!!
لكن مهما تعددت و تناسلت المبررات و الأعذار، تظل هذه المنطقة أحوج من غيرها للديمقراطية، لا بل إن الديمقراطية هي الحل الأمثل و الأوحد والبلسم الشافي لكل مشاكل الشرق الأوسط، فمن المتفق عليه و على نطاق واسع أن الديمقراطية هي أفضل نظام حكم طورته البشرية، وذلك بالنظر إلى ما تدعو إليه من قيم و مبادئ الحرية و المساواة و التداول السلمي للسلطة. و لا أحسب أن المقام يستدعي استعراض ما للديمقراطية من محاسن و مفاخر لأن ذلك سيأخذ مني مئات الصفحات.
لماذا الديمقراطية هي الحل؟ الجواب بكل بساطة إن بلدان الشرق الأوسط ذات أنظمة حكم مركزية، و لا تعدو كونها دولا بسيطة في ضوء القانون الدولي، و لهذا فهي تفتقد لأبسط قواعد الحكم الديمقراطي، وتسئ استعمال السلطة وتنتهك حقوق الأقليات وهذا يضعف شرعية وجودها، وتنتهك حقوق المرأة وتجعلها نصف إنسان، وتؤخر تنمية المنطقة، كما تتسبب في هجرة العقول وتدمير الإنسان ونشر الأفكار الهدامة والفوضى وإلغاء للآخر...أما تكريسها للقوانين المقيدة للحريات والقوانين الاستثنائية وهيمنة أنظمة الطوارئ فقد تسبب في غياب مخل للمواطن البسيط عن دائرة الفعل والمشاركة. وكل هذا جعل الدولة - التي ليست لها أي رصيد من الحسنات مع المواطن التعيس - تتحول في مخيلته إلى جهاز ضبط وسجن وقمع، أي إلى أداة للسيطرة المادية المباشرة والفورية، ولم تعد تتمتع بأي قيمة أو بُعد أو محتوى سياسي أو أخلاقي أو اجتماعي. وهكذا ،فقد فشلت أغلب النظم الشرق أوسطية في تحقيق العدالة الاجتماعية، بسبب غياب الديمقراطية، وأدى هذا إلى حالة من التمزق والتشتت خاصة بشأن القضايا المصيرية، فآلية اتخاذ القرار وماهية هذه الأنظمة بشكل عام تنزع إلى الفردية والمزاجية ودون دراسة أو تمحيص بقضايا لا تتحمل الاجتهادات الشخصية. إذن، فإن الهوة بين الحاكم الشرق أوسطي ( الذي لا يؤمن أنه على هذه الأرض هناك فعلا من يستحق الحياة ) والمواطن واسعة بحيث لا يمكن حصرها . و كل هذا يحكم على الشرق الأوسط بأن تكون بؤرة توتر مستمرة ومزمنة، ويلزم شعوبه بالبقاء في أسر النظم الشمولية، و يدفع ببلدانه نحو العزلة والهامشية و التشرذم... كما يجعل معه الديمقراطية حلما بعيد المنال.
و للحيلولة دون هذا، تحتاج هكذا دول لتوسيع الفضاء لمؤسسات المجتمع المدني المستقل من أجهزة إعلام مستقلة و مجموعات دعم المواطن و منظمات تعنى بالدفاع عن المرأة..
كما تحتاج لتحسين ممارساتها الأساسية في الحكم، ويعني هذا التصدي للفساد والمحسوبية، وفصل السلطات وسيادة القانون واستقلال القضاء، كما يعني أيضا تفعيل دور قوّات الشرطة والسجون لتكون أكثر إنسانية وقانونية و لتكون في خدمة الشعب.
وصحيح أنه لا يمكن القضاء على اللا مساواة، لكن يمكن التخفيف منها ، يمكن للمرأة الشرق أوسطية الترشح و حصد أصوات تؤهلها للفوز ، في انتخابات برلمانية و رئاسية ديمقراطية نزيهة يكون فيها لصناديق الاقتراع الكلمة العليا و اليد الطولى.
لكن الطريق إلى الديمقراطية في الشرق الأوسط ليست مفروشة بالورود ، حيث أن العملية تعتريها صعوبات عملية يمكن تلخيصها في خمس معوقات رئيسية:
1 .ضعف المعارضة السياسية في البلدان العربية والشرق أوسطية بالمقارنة بمثيلاتها في دول وسط أوروبا وأمريكا اللاتينية خلال مرحلة التحولات السياسية التي شهدتها تلك الدول إبان عقد الثمانينيات. فعلى الرغم من التطور المهم الذي شهدته المعارضة في العديد من البلدان إلا أنه ليست لديها أحزاب جماهيرية قوية، وإنما أحزاب نخبوية تقليدية.
2. من الصعب أن نتخيّل كيف ستجد مجتمعات المنطقة الفضاء لتشكيل إصلاح ديمقراطي متطور ومستقر بدون تحديث اقتصادي هام ومستعجل. فالناظر إلى حالة الأمور الآن، سيجد أن الوضع الاقتصادي للعديد من الأنظمة الشرق أوسطية لا يبعث على التفاؤل. فمعدل دخل الفرد في حالة ركود أَو انخفاض، و45 % من سكانِ العالم العربي الآن تحت عُمر 14سنة، وسيتضاعف عدد السكان ككل في ربع القرن القادم، والبطالة تطول أكثر من 20 % من القوى العاملة. و هكذا فهذه الأوضاع لا تمثل بيئة صحية للتغيير السياسي البناء.
3. سيطرة قوتين رئيسيتين على الفضاء السياسي الشرق أوسطي، الأولى تتمثل في النظم السياسية الحاكمة، والتي تتراوح بين أوتوقراطيات تقليدية و حداثية، حيث تستند تلك النظم إلى أحزاب جامدة لا تواجه أية معارضة سياسية حقيقية. أما القوة الثانية فهي الجماعات "المتطرفة" التي تستخدم الدين وتقدم الخدمات المختلفة لتعبئة الفقراء و المهمشين والمناطق الريفية ،وتصور لهم بأن الحرية و الديمقراطية سلعة غربية .
وفي الوقت الذي تبرر فيه النظم الحاكمة سيطرتها على السلطة وتعطيلها أية إصلاحات سياسية حقيقية كنوع من الدفاع عن المجتمع ضد سيطرة المتطرفين، فإن المتطرفين في المقابل يستغلون عملية استبعادهم من الحياة السياسية على يد الدولة كوسيلة لجلب التعاطف معهم.
4- الارتباط القوي بين القضايا الجيو-سياسية والأمنية في المنطقة من ناحية، وعملية التحول الديمقراطي من ناحية أخرى، وهو ارتباط يتميز به الشرق الأوسط بدرجة تفوق مثيلها في الدول الأخرى. فكلما اشتعلت الأهداف والأهواء الدينية والطائفية والقومية تحت تأثير الصراعات الإقليمية، كلما أصبحت عملية نشر الديمقراطية في المنطقة أكثر صعوبة وتعقيدا، وزادت عزلة الإصلاحيين والديمقراطيين والمعتدلين وتهميشهم، وقويت شوكة المتطرفين والمتشددين ، وتراجع مستوى الضغوط الواقعة على النظم الحاكمة لإجراء إصلاحات داخلية حقيقية.
5- ميل الشعوب الشرق أوسطية - لأسباب عديدة- إلى تحميل الدول الخارجية وغيرها مسئولية مشكلات المنطقة، ومسئولية حل تلك المشكلات أيضا، وهو نمط من التفكير لا يتوافق وعملية نشر التحول الديمقراطي في المنطقة، فالخارج ربما يكون مسئولا بشكل أو بآخر عن تلك المشكلات، وتقع عليه أيضا مسئولية تقديم المساعدة لمواجهة تلك المشكلات، إلا أن التحول الديمقراطي الحقيقي يأتي فقط عندما يضطلع الداخل والشعوب الشرق أوسطية ذاتها بمسئولية تقرير مصيرها، فالديمقراطية يجب أن تأتي من الداخل، وإلا فلن تأتي على الإطلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العناصر الأساسية في عملية التغيير نحوَ الديمقراطية
نادرعلاوي ( 2009 / 2 / 15 - 20:15 )
الأستاذ حسين علي الحمداني
تحياتي واحترامي
كلَّ الشكر والأمتنان لمقالتكم الهادفة والجادّة
انهُ مسعى طيب لألقاء الضوء على الحالة الأكثر أهمية لدراستها بشكلٍ علمي وموضوعي ؛ تمنياتي وطموحي أن أقرأ لكَ المزيد من العطاءات الشيِّقة التي تتناول عناصر التغيير الأيجابية نحوَ الديمقراطية

اخر الافلام

.. بشكل فوري.. الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء أحياء بخان يونس ورف


.. الفلسطينية التي اعتدى عليها كلب الاحتلال تروي تفاصيل الجريمة




.. أخبار الصباح | بايدن ينتقد المحكمة العليا.. وأول تعليق من إي


.. -تايمز أوف إسرائيل- تستبعد إرسال الجيش الإسرائيلي للآلاف من




.. علاقة السمنة بانقطاع التنفس أثناء النوم