الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطيه استيرادها - واد غير ذى زرع-

عبد العزيز الخاطر

2009 / 2 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


عبر التجربة التاريخية التي أنتجت ما يسمى بالديمقراطية الغربيه يرى البعض ثمة ارتباط بين هذا المفهوم ومفهوم آخر هو العلمانية أو على الأقل أحد مضامينها أو تفسيراتها . والملاحظ اليوم أن محاولات أقلمة هذا المفهوم وهو الديمقراطية عربياً وإسلامياً باءت بالفشــــل أو في طريقها الى ذلك ، الأمر الذى أدى ويؤدى الى ازدياد تناول واستخدام المفهوم الثاني وهو العلمانية كشرط لابد منه كما يرى هذا البعض ايضا لتمكين المفهوم الأول وهو الديمقراطية من الاستيطان في البيئة العربية والإسلامية . لعل أحد تفسيرات العلمانية هو ما يعد الاقرب لربطه بقيام الديمقراطية هو المتضمن حيادية الدولة أمام الأديان في المجتمع . لان التفسيرات الأخرى التي تصفها بمعاداة الدين أو توصمها بالإلحاد لا يمكن بحال من الأحوال استيعابها ضمنياً داخل مجتمعات هي متدينة بالفطرة كما إن التفسير القائل بحيادية الدولة أمام الأديان يعني من ناحية أخرى قيام المواطنة الحقة لأفراد المجتمع دون تمييز . حتى مع هذا التفسير المتعلق بمفهوم العلمانية تبرز تحديات لا يمكن معها وبسهولة استيعابه في عالمنا العربي والإسلامي أول هذه التحديات هي مع الأكثرية ذات الدين الواحد وهو الإسلام في عالمنا العربي والإسلامي حول الصياغة الدستورية لمحتوى حيادية الدولة والتحدي الأخرى هو مع النخب الحاكمة التي لن تقبل مبدأ المواطنة الحقة بين جميع أفراد المجتمع وأن صرحت بذلك علناً إلا أنها تعني في الأساس ما دونها كطبقة متعالية لا يمكن المساس بها فهي فوقية ذات أرث تاريخي إلهي مكتسب . من هنا تأتي صعوبة التأصيل لمفهوم الديمقراطية الغربى في عالمنا العربي والإسلامي رغم ما قيل وما يقال وما يكتب ليلاً ونهاراً عنه ، ما يخيف الغرب اليوم ليس هو غياب الديمقراطية حيث يمكن اعتبار ذلك مدخلاً لكثير من التدخلات وفرض الحلول وتغيير الديمغرافيا والجغرافيا في هذه المنطقة أو تلك من هذا العالم العربي الإسلامي ، ولكن الذى يخيفه فعلاً هو تطبيق الديمقراطية الإجرائية دون وجود أو تطبيق لقيمها ومبادئها التي قامت عليها هناك فى الغرب والتى ارتكزت عليها تلك الإجراءات فتفوز التكتلات والمرجعيات الاوليه السابقه حتى لتشكل الدوله وهى فى الغالب اذا لم يكن فى الشمول دينيه التصور بدرجه او باخرى خاصة وان المرجعيه الاولى والاقوى تتمثل فى الدين الاسلامى هنا يكمن خطا اعتبار حتمية المماثله وضرورتها لقيام نفس النموذج فى بيئه تختلف كليا عن بيئة النموذج الاصلى ، فما الذى يمكن أن يحمله تطبيق الديمقراطية الإجرائية من انتخابات وصناديق اقتراع مع وجود ارضيه مختلفه في هذا العالم ولعل ما حصل في الجزائر في أول التسعينيات مثالاً واضحاً لما سيكون عليه الأمر في حالة عدم توافق أساسي أولي بين مفهوم العلمانية والديمقراطية كما فهمها وطبقها الغرب . سيكون الاكتساح كبير للقوى الإسلامية وللمد الإسلامي الجارف بعد فشل المشاريع السياسية الأخرى . والغرب على أدراك كامل بهذا ، لذلك يشرع اليوم لتوطين مفهوم أو مصطلح الديمقراطية من خلال ربطه بمفهوم العلمانية الملازم لـه والضروري لإنباته صحياً طبقاً للمواصفات الغربية التاريخية . في ظل هذا الوضع يجد العالم العربي والإسلامي نفسه عاجزاً من إيجاد البديل الخاص به بالرغم من طرح مفهوم الشورى إلا أنه لم يتفق على آلية واضحة عصرية تأخذ بامتزاج الثقافات المعاصرة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ بعد سقوط الأسوار وتحطم الجدران وتآكل الحدود . فالأمة اليوم تتخبط بشكل هستيرى بين مفاهيم مستورده وتتبنى اشكالها وزينتها الخارجيه بينما المضمون ينحو فى الماضويه الى اولى درجات الاستبداد فلا الديمقراطيه الغربية بتربتها الغربيه قابله للنمو وحروب بوش من اجل ذلك اكبر شاهد على عدم قابليتهاللنمو, ولا العلمانيه يمكن ان تكون ثمره لهذه الارض المزروعه بالحس الدينى والمحمله بالايديولوجيا الدينيه حتى النخاع. فالاشكال الديمقراطيه التى نراها فى بعض الدول الغير غربيه جاءت نتيجة انصهار حقيقى وتقدم فاعل داخل مجتماعتها وضمن تربتها وبشروطها الذاتيه جعلها تتجدد وتنساب مع حركة التاريخ .
علينا ان نتنبه ان قيام الديقراطيه فى منطقتنا العربيه والاسلاميه مرتبط بشروط هذه المنطقه الذاتيه والوعاء الثقافى والفكرى لها وليس بالضروره ان يكون مشابها لغيره من التجارب والامثله فوضع المساله بشكل مشروط لايساعد على ذلك لان المهم هو النتيجه التى يرضاها الناس وتتفق وتطلعاتهم وروآهم بشكل طوعى دون خوف او اجبار . أما من جانبنا فالإكثار من الحديث عن الديمقراطية وكأنها طوق النجاة دونما التنبه لجذور نشأتها وتاريخ تطورها وشروطها القبليه خاصة المتعلق منها ببنية المجتمع التحتيه وطبيعة هذه البنيه واختلاف التجربيه الغربيه بالذات فى هذا الخصوص نتيجه التحقيب التاريخى التى مرت بها تلك التجربه خاصة فيما يتعلق بالدين يجعل منا نقاتل فى المكان الخطأ فى الوقت الخطأ .
ومن المعروف أن صور الديمقراطية في العالم الراهن تختلف من مجتمع الى آخر ولكنها جميعاً تتفق وما انتجته تجربتها التاريخيه بدرجه او باخرى . إن عدم إيجاد صورة عصرية للتعامل مع تراث الامه مما يجعله مرنا ومنسابا ومستوعبا لروح العصر من مواطنة ومساواة جعل الأمة في وضع لا تحسد عليه بين الاستيراد الناقص لمستلزمات العصر الفكرية بعد أن أوغلت في استيرادها لمستلزماته مادياً وبين ضياع تراث كان الممكن أن يغنيها لو أحسنت استغلاله فكل مانراه فى الامم الاخرى من تقدم وديمقراطيه وانسانيه هو فى الحقيقه تصالح بين التراث ونظرة اهله اليه كباعث ومخزون متحرك لاينضب ولايتجمد على صورة واحده بشكل يغدو كجثه هامده يقتتل حولها الورثه ايهم احق بالاخذ بثأرها فى غير ادراك بان التراث يموت اذا لم يتطور وان كان يملك آناء الليل واطراف النهار الامر الذى يجعل من اصحابه امواتا ايضا ولكن لايشعرون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات تشريعية في فرنسا: اكتمال لوائح المرشّحين وانطلاق ال


.. المستوطنون الإسرائيليون يسيطرون على مزيد من الينابيع في الضف




.. بعد نتائج الانتخابات الأوروبية: قادة الاتحاد الأوروبي يناقشو


.. ماذا تفعل إذا تعرضت لهجوم سمكة قرش؟




.. هوكشتاين في إسرائيل لتجنب زيادة التصعيد على الجبهة الشمالية