الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
جدلية التحرير ( المقاومة ) والتغيير الديمقراطي الاجتماعي - 4 / 4 -
بدر الدين شنن
2009 / 2 / 16مواضيع وابحاث سياسية
منذ أن بدأ الزمن العربي الرديء في السبعينات من القرن الماضي ، الذي كان من أبرز تجلياته مجازر أيلول الأسود 1970 ، التي قام بها النظام الملكي ضد المقاومة الفلسطينية في الأردن لحماية حدود الكيان الصهيوني الأردنية المشتركة من هجمات المقاومة المتصاعدة ، وبانقضاض القوى اليمينية على الحكم في البلدان العربية الرئيسية ، حيث ا ستولى الفريق حافظ الأسد في نوفمبر 1970 على الحكم في سوريا ، ووصل أنور السادات في أيار 1971 إلى رئاسة الجمهورية في مصر ، وكان قد سبقهما هواري بومدين عام 1965 بالانقلاب على أحمد بن بيللا في الجزائر ، وتبعهما جعفر النميري رداً على انقلاب هاشم العطا صيف 1971 بتصفية قيادة الحزب الشيوعي السوداني وعدد من الضباط اليساريين على أعواد المشانق ، وا شتعال الحرب الأهلية والتدخل السوري لمصلحة القوى اليمينية في لبنان 1976 ، وزيارة أنور السادات للقدس في نوفمبر 1978 وتوقيعه معاهدة " كامب ديفيد " برعاية أميركية 1979 ..
منذئذ كابدت المقاومة الفلسطينية والعربية مرحلة عسيرة من الصراع مع النظام العربي الرسمي المتهافت ومع التحالف الصهيوني - الاستعماري المصمم على بناء شرق أوسط تهيمن فيه مصالحه على حساب شعوب المنطقة التي عليها أن تكون مجرد آليات في خدمة واستدامة هذه المصالح .
بيد أن الزمن العربي الأردأ هو ما تأتى عن اتفاقية " كامب ديفيد " الآنفة .. السيئة الذكر . فقد تبدل المناخ السياسي العربي عامة والمناخ اللبناني الفلسطيني السوري خاصة . فهي لم تعزل مصر عن الصراع العربي الصهيوني وحسب ، وإنما ألزمت مصر بدور الحليف للكيان الصهيوني ، بعدم الاشتراك بأي تحالف أو بأي عمل عسكري معاد لهذا الكيان . وهذا ما أدى إلى ضعف الموقف العربي برمته ، وإلى ضعف الموقف السوري في " مفاوضات " التسوية حول الجولان ، والأصح حذف الجولان من سياقات التسوية عامة ، ليتقرر لاحقاً ضمه بقرار من الكنيست إلى الكيان الصهيوني . ما أدى تالياً إلى ضعف دور النظام السوري الإقليمي ، الذي زاد اضطراباً بعد اغتيال السادات 1982 . في غمرة كل ذلك تمكنت المقاومة من النهوض ، نسبياً ، مرة أخرى .. وعادت إلى الحضور في الشارع اللبناني ومن خلاله عادت لتطل على المحيط العربي والدولي ..
هنا لم يكن لدى النظام السوري أية مصلحة في متابعة ا ستخدام جيشه ومخابراته في الضغط ، كالسابق " على المقاومة لمنعها من الحركة أو تحجيمها ، فقام شارون 1982 باجتياح لبنان ، الذي ربط انسحابه من لبنان برحيل المقاومة عن لبنان أيضاً . وقد أدى ذلك إلى تشتيت المقاومة آنئذ ما بين تونس واليمن والسودان والعراق ، وإلى قيام القوات اللبنانية اليمينية بضوء أخضر من شارون بارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا مابين 16 - 18 أيلول 1982 ، التي ذهب ضحيتها ، حسب منظمة التحرير الفلسطينية ، 1500 شهيد من أعمار مختلفة .
أما الزمن الأكثر رداءة في مشهد المقاومة الفلسطينية - العربية ، فقد جاء بعد غياب الاتحاد السوفييتي 1991 ، أي بعد غياب المصدر الذي كان يمد مختلف قوى التحرر الوطني العربية وخاصة الفلسطينية واليسارية بالدعم السياسي والاقتصادي والمالي والعسكري ، وكان يوفر التوازن الدولي ، الذي كان يحول دون انفلات القوى الإمبريالية في ا ستباحة حقوق الشعوب المستضعفة ، ما أدى إلى إغلاق دائرة الحصار وتفشي الإحباط والفشل في أنشطة المقاومة ، وأدى إلى ظهور اتفاق أوسلو ، وإلى انقسامات الصفوف والرؤى ، وإلى الرهان على الدويلة الفلسطينية السرابية بالنسبة لمعظم القوى الفلسطينية والعربية ، كما أدى إلى هجر جبهة اليسار والاشتراكية ، وخاصة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق ، والرهان على الليبرالية " المعولمة " بوجهيها الاقتصادي والسياسية ، بالنسبة للعديد من قوى ( المقاومة ) اليسار العربي .
وهكذا ، بعد ثلاثة عقود من الزمن العربي الرديء ، الذي ا ستهلكه النظام العربي الرسمي بما فيه منظمة التحرير الفلسطينية ، وغاص خلالها في مياه مسارات التسوية الوهمية الآسنة مع الكيان الصهيوني ، وا ستكان لها لأنها أمنت له تكريس بناه السياسية والأمنية الاستبدادية والمفوتة ، وا ستكان لها كذلك الكثير من القوى القومية واليسارية التقليدية لأنها وفرت لها مشاعر الرضى الأجوف عن الذات وتغطية فشلها ، وخاصة في إبداع مرجعية سياسية فكرية جامعة تشتمل على وحدة مهام التحرير والنهوض القومي والتغيير الديمقراطي الاجتماعي وعلى وحدة المقاومة التي تتصدى لهذه المهمة المتعددة الأبعاد .. بعد تلك العقود المترادفة الرداءة .. تعود المقاومة في لبنان وفلسطين ، لتؤكد على وقتية الانحطاط والإحباط ، ولتؤكد أيضاً على غنى الطاقات الشعبية على النهوض وعلى صنع الانتصار ..
عادت المقاومة بمواصفت جديدة أثارت الجدل ، ليس لأن هذه المواصفات هي بذاتها مثيرة للجدل ، وإنما لأن عودتها أعادت الروح للشارع العربي ، وفتحت مرة أخرى أبواب التحالف المقاوم الوطني والديمقراطي الاجتماعي على مصراعيه ، وأضاءت ظلمات الفضاء السياسي العربي المحبط ، وخضت بعنف ا ستنقاع أفكار الاستسلام والتسويات المفخخة ، وكذبت مقولة ا ستعصاء الجيش الصهيوني على الفشل والهزيمة ، وطرحت جدلية التحرير ( المقاومة ) والتغيير الديمقراطي الاجتماعي بديلاً لجدلية الاستبداد والتسوية ، وعرت الأنظمة العربية ، التي ا ستغبت نفسها قبل أن يستغبيها العدو الصهيوني وحلفاءه ، والتي لاتجد نفسها إلاّ ضعيفة في خدمة المشاريع الصهيونية - الدولية في المنطقة ، في حين أنها تمتلك بالاستناد إلى شعوبها ومقدراتها وثرواتها أكثر بكثير مما تتصور ، أو لاتريد أت تتصور ، وذلك أملاً في قبول التحالف الصهيوني - الاستعماري الدولي باستدامتها مقابل " السلام الدائم والتطبيع الشامل " .
ولعل أكثر ما يسوغ به الحكام العرب " الخوافون " ومثقفوهم " العرافون " خيارات التسوية والاستسلام هو بما يملكه الكيان الصهيوني من قدرات عسكرية " جبارة " ويضخمون بعظمة هذه القدرات أكثر من الصهاينة أنفسهم وخاصة مايتعلق بالسلاح النووي ، بل ويهددون به شعوبهم نيابة عن الكيان الصهيوني . ومن خلال التخويف بالمحارق النووية يتفاخرون بإبداع أشكال التسويات التي تكرس الوجود الصهيوني .. ووجودهم .. وذلك على خلفية براغماتية افتراضية ، تتعارض مع طبيعة الصراع العربي الصهيوني في الماضي والحاضر والمستقبل ، مفادها ، أنه بالإمكان احتواء الكيان الصهيوني عبر عوامل الديموغرافيا والجغرافيا وتآكل الأيديولوجيا ، واضعين في أنفاق النسيان المنشأ القرصني الدموي العنصري لهذا الكيان ، الذي ارتكب بحق الملايين من الشعب الفلسطيني في تأسيسه وا ستمراره أحط وأنذل أشكال الاضطهاد والمجازر والإبادة والتشريد ومازال ، واغتصب أراض ودمر مدناً وقيماً وقتل وشرد مئات الآلاف من الشعوب العربية المجاورة لفلسطين .. وآخرها أنموذج الضاحية في لبنان وفي غزة .. مستخدماً كل أنواع أ سلحة الدمار الشامل .. النابالم .. الكيمياء .. الفوسفور .. اليورانيوم المنضب . ومتنازلين دون توكيل رسمي أو أخلاقي من أحد عن حق العودة لملايين اللاجئين المشردين وعن الأراضي والمدن والقرى والبيوت التي استلبها الصهاينة بالحديد والنار ، ليتحقق حلم التعايش مع الصهاينة ومحيطهم الدولي في عالم الاقتصاد " المعولم " حسب تقسيمات المجتمع الرأ سمالي وتحولاتها المتجددة .
وتتمادى تلك الشطحات البراغماتية الافتراضية بالتفاؤل ، بأن الكيان الصهيوني سيتخلى تلقائياً من خلال المفاعيل المذكورة آنفاً عن صهينته ومنهجيته العدوانية والتوسعية ويتكامل مع رغباتها .. ويتحول من ذئب إلى حمل وديع .. ومن فاشي لئيم إلى ديمقراطي إنساني . على أنه من سوء حظ هؤلاء الحكام ، ومن حسن حظ الشعوب العربية وقواها المقاومة ، أن تكشف ما سميت بالإنتخابات الإسرائيلية مؤخراً عن الوجه الحقيقي للمجتمع الصهيوني ، حيث طفا على السطح ، دون خداع أوتمويه ، القوى التي تمثل حقيقة بنية ومرجعية وأهداف الكيان الصهيوني ، التي تعتزم بعد ستين عاماً على قيام هذا الكيان على الانتقال إلى مرحلة التهويد المطلق لفلسطين . أي القيام بطرد ما تبقى من العرب داخل حدوده ومن الضفة الغربية إلى البلدان المجاورة . مامعناه ارتكاب المزيد والمزيد من المجازر والحروب والمحارق فلسطينياً وعربياً . وهذا ما يسقط هذه البراغماتية ، ويعيد الصراع مع الكيان الصهيوني إلى جذوره وأسسه .. إلى حقيقة أنه صراع وجود ، وإلى أنه يشكل التناقض الرئيس ، الذي تعتمد على حله ، أي تحقيق مهمة التحرير من الكيان الصهيوني ، حل بقية التناقضات المتعلقة بالعملية السياسية التاريخية الجارية في المشرق العربي وكافة البلدان العربية لتأثرها القوي المتبادل في تقرير المصير القومي . أي بناء الدولة الديمقراطية الحديثة المتكاملة قومياً ، والتي تمتلك المقومات الإنسانية المنفتحة على العدالة الاجتماعية .
وهنا يحدث الافتراق بين خيارين ومسارين في الصراع الوجودي العربي الصهيوني . خيار التسوية ، الذي تقدم مآلات اتفاقية أوسلو والمبادرة العربية مثالاً واضحاً على فشله . حيث كلما تقدم أو جدد الطرف العربي مبادرة سلام قابلها الصهاينة بمزيد من التعنت والرفض والعدوانية . وخيار المقاومة الذي تقدم مآلات حرب تموز 2006 وحرب غزة 2009 مثالاً مغايراً ، حيث كلما ازدادت المقاومة صلابة وضراوة وتضحية كلما ارتبك العدو وتراجع .. بل وتطبع المقاومة في المخيال الصهيوني ، أن المشروع الصهيوني في فلسطين في قلب الوطن العربي يسير إلى زوال .
ما بين خيار التسوية وخيار المقاومة لاتوجد تقاطعات .. ولاتكاملات .. بل يوجد صراع أشد قسوة من الذي بين العرب والصهاينة . فقوى التسوية تعتبر المقاومة مدمرة لبرنامجها التسووي " الإنقاذي .. !! " بل وتخونها وتصنف أفعالها الحربية ليس بمثابة ذريعة لعدوانية العدو وحسب ، وإنما هي أفعال متكاملة معه لاغتيال " عملية السلام " . وقوى المقاومة تجد في قوى التسوية شريكاً مداناً للعدو عندما تهاجم المقاومة وتخطأها ، حين تكون سكين العدو تفتك برقاب المقاومة والضحايا البريئة . وقد تجلى ذلك بأكثر ما يكون الوضوح في حرب لبنان 2006 وحرب غزة 2009 .
والسؤال الهام في هذا السياق : ما ذا تعني المقاومة ومن هي المقاومة في اللحظة التاريخية العربية الراهنة ، التي نكرس كل هذا الكلام لها ومن أجلها ؟ هل هي القوى التي تحمل السلاح في حسم الصراع مع الكيان الصهيوني ؟ .. هل هي القوى التي تبني ثقافة وطنية ترفض الاحتلال وتدعو لمقاومته ؟ .. هل هي القوى التي توظف كل ما يتاح من عقيدة وفكر لتعرية الفاشية الصهيونية وتصنع مرجعية رفض جذرية للاحتلال الصهيوني للأرض العربية ؟ .. هل هي القوى التي تربط بذكاء بين النضال الجماهيري المطلبي والديمقراطي بمعركة التحرير ؟ ..
في الظروف التي تتراصف وتتفاعل وتتكامل ، مهام التحرير ، وبناء الدولة الد ستورية الحديثة ، والتغيير الديمقراطي الاجتماعي ، حاملة عقلية وروح المقاومة على كافة الصعد .. تصبح القوى المشاركة في تحقيق هذه المهام كلها مقاومة .. وتحمل بجدارة شرف المقاومة ..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر