الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنطق الصوري في السياسة (ملاحظات حول تناول الحرب على غزة)

سلامة كيلة

2009 / 2 / 16
القضية الفلسطينية


كما خلال الحرب الصهيونية على لبنان سنة 2006 يجري تناول الحرب الراهنة على غزة من قبل شيوعيين سابقين، ليبراليين حالياً. حيث يتكرر تحميل حماس، كما كان حزب الله، المسئولية، ويجري ترويج منطق يرفض الحرب، ويقبل بالأمر الواقع، وينظّر لـ "النضال السلمي" والتفاوض. وأكثر يتهم كل من كان ضد الحرب الصهيونية، ومع المقاومة والوطنية بالشوفينية القومية، وبدعم الإسلام السياسي.
ليست هذه هي ما سوف أتناوله هنا، بل سوف أتناول المنطق الذي يحكم النظر، لأن قيمة الماركسية تكمن في أنها تمدنا بزاوية نظر جديدة تتجاوز المنطق الصوري. وبالتالي تسمح بأن نميز بين الذات والموضوع، الشخص والفكرة، الفكرة والواقع. وبالتالي تزيل الخلط الذي يصيب العقل الصوري، والمنطق الحسي.
فمثلاً يصبح دعم المقاومة والدعوة لها تأييداً لحماس، وحتى الزرقاوي. ولا يجري النظر إلى الواقع للإجابة على سؤال ضرورة المقاومة، بغض النظر عمن يطرحها الآن. ومن ثم يمكن التساؤل لماذا حماس هي الآن التي تبدو أنها تقاوم؟ هذا الفصل بين القوة التي تلعب دوراً والقضية الموضوعية غائب إلى حد البله. ولا أظن أنه ماركسي من لم يعرف العلاقة بين الفكر والواقع. بين القضية كمسألة واقعية والأفكار التي يطرحها هذا الحزب أو ذاك، أو هذه الطبقة أو تلك حولها. بين الوجود الواقعي وأشكال التعبير عنه، التي هي متعددة بتعدد الطبقات.
هذا الوضع جعل القومية شوفينية انطلاقاً من تجربة حزب البعث في العراق وسورية. لكن قبل الأفكار، وقبل الأحزاب، يجب أن نرى الواقع، فهل هناك قضية قومية، قبل هذه الأفكار والأحزاب؟ ثم يمكن أن نرى إشكالية نظر هذا الطرف أو ذاك لهذه القضية، لا أن نرفض القضية فقط لأن حزباً اعتبر أنه وكيلها، وما مارس.
هنا نحن لازلنا في حدود المنطق الصوري، الذي يقوم على النظر الشكلي والساكن، ولم نتقدم بعد نحو، ليس الماركسية، بل الفكر البرجوازي في المستوى المنهجي. بمعنى أننا لازلنا نعيش القرون الوسطى، وتحديداً لحظة الإمام الغزالي الذي شطب التجريد الفلسفي وكرّس المنطق الحسي الصوري اللفظي. لهذا يكون الحوار أحكاماً مطلقة، وشتائم. حيث أن المنطق الصوري يفرز الأمور: مع، ضد، وبين الحدين ليس من مسافة للحركة المرنة. وليس من شيء، لأن المسألة هي هكذا: إما، أو. وفي الوقت الذي يفرز الأمور على هذه الشاكلة نجده لا يرى سوى الشكل، لهذا تتحدد المسألة في شكلها، تختصر إلى شكلها.
لقد كان هؤلاء مدافعين أشداء عن الاتحاد السوفيتي، والاشتراكية، إلى حد رفض كل نقد. وتحلوا بموهبة عالية في المديح والذم: مديح الاشتراكية وذم الرأسمالية، بما في ذلك القيم الصحيحة التي أتت بها. وها هم اليوم ينقلبون (وأشدد على هذه الـ ينقلبون لأن منطقهم ظل هو هو) فيصبح السلام، وتصبح الرأسمالية، ويصبح القبول بـ "الحضارة"، هو الممدوح، ويشتم ماركس أو لينين أو الفكر الاشتراكي. ويصبح المطلوب هو التكيف مع الرأسمالية بكل بشاعتها الراهنة. بكل حروبها، التي باتت تُعتبر حروباً تحريرية. وبكل نهبها وأزماتها. حيث أنها هي الحضارة، وهي التقدم، وهي الحلم.
كما تشتم المقاومة ويشدد على "النضال السلمي" بصفته الصيغة الوحيدة الضرورية، ويصبح كل من يدعو إليها أصولياً، رغم أن المقاومة قائمة قبل أن توجد الأصولية، وقبل أن تبدو أنها تمارس المقاومة.
من حق أي كان أن يتخذ الموقف الذي يريد، لكن الاستسلام للرأسمالية ليس من الماركسية في شيء. وهو الأمر الذي جعلني أشير إلى المنطق، الذي هو صوري، شكلي، يقسم العالم: إما معنا أو ضدنا. لتصبح مقاومة حماس أو حزب الله شر، لأنها قوى أصولية، وليكون استسلام بعض اليسار بطولة وتقدم وحضارة. وليجير الدفاع عن قضية وطنية إلى إيران أو الأصولية، دون تمييز بين الطبقة التي تطرح القضية والقضية ذاتها، فلدى هذا المنطق الاثنين صنوان. لديه ليس من ذات وموضوع، هي كلها واحد، هو الذات. وليس من شكل ومضمون فهي أيضاً واحد هو الشكل. وليس من فكر وواقع فهما واحد هو الفكر. لهذا يبلع الشكل المضمون، وتبلع حماس القضية الفلسطينية، والمقاومة.
إن أس مشكلة الحركة الشيوعية تتمثل في العجز عن وعي الماركسية، وهو الأمر الذي جعلها لا تعي الواقع. لقد ظلت منحكمة للمنطق الصوري، ولازالت كذلك. لكن، في الماضي، كانت تطرح مشروعاً تقدمياً وإن كان قاصراً لأنه لم يقم على التعبير العميق عن مصالح العمال والفلاحين الفقراء، لكنه كان ضد الإمبريالية ومع التحرر والاستقلال. ولكن تحولات كثير منها أوصلت إلى التكيف مع الإمبريالية، والقبول بالأمر الواقع الذي يفرضه، بل والدفاع عنه بكل بأس.
من حق أي كان ألا يكون قومياً، وأن يقرر أن يكون كوزموبوليتياً، لا قومية له، لكن ليس الماركسي هو من يفعل ذلك، لأن الماركسية لا تنفي القومية بل تنطلق منها. لهذا نادت بالأممية التي تعني اتحاد الأمم وليس شطب القومية. وهي تؤسس لعالم متوحد كأمم وليس لعالمية تقفز عن الوجود الواقعي للأمم لا وجود لها.
إن ربط القومية والوطنية بالشوفينية يعبّر عن وعي عاجز للواقع والوقائع. كما أن ربط المقاومة بالأصولية يعبّر عن ضلال. لأن هذه الإطلاقية ليست من الماركسية، كما أنها تتجاوز الواقع الملموس، تقفز عن الواقع الملموس نحو تصور مسبق يرسخ في الذهن.
لهذا أظن أن الأساس هو نقاش القضايا بعيداً عمن يطرحها الآن، لأن الواقع والمادية تفترضان ذلك. بعد ذلك يمكن نقاش أي طبقة وأي حزب. وبالتالي فالأساس هنا هو نقد المنطق الصوري الذي لازال يتحكم في الشيوعيين واليساريين، وهو الذي جعل الكثير منهم ينقلبون إلى الليبرالية، وباتوا ضد كل فكرة كانوا يطرحونها في السابق. وهذا ما يجعلهم يرتعدون من سماع هذه الأفكار، لأنها تذكرهم بما باتوا عليه.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لم حصر منطق المقالة بالماركسيين؟
صائب خليل ( 2009 / 2 / 15 - 23:38 )
الأستاذ سلامة كيلة المحترم
شكراً لك المقالة الجميلة، وكالعادة لايخرج القارئ من مقالاتك خالي الوفاض.
أتفق معك فيما جئت به, وأنا سعيد بتساؤلك المنير: -لا يجري النظر إلى الواقع للإجابة على سؤال ضرورة المقاومة، بغض النظر عمن يطرحها الآن. ومن ثم يمكن التساؤل لماذا حماس هي الآن التي تبدو أنها تقاوم؟ -
وكذلك:
-من حق أي كان ألا يكون قومياً، وأن يقرر أن يكون كوزموبوليتياً، لا قومية له، لكن ليس الماركسي هو من يفعل ذلك، لأن الماركسية لا تنفي القومية بل تنطلق منها. لهذا نادت بالأممية التي تعني اتحاد الأمم وليس شطب القومية.-

ولكن بالعودة إلى النقطة المركزية، وهي في تقديري مسألة وجوب أن يسبق التساؤل عن صحة الموضوع، التساؤل عن منفذيه، أو ما أسميته برفض المنطق -الصوري- او -الشكلي- ، فأقول أن كلمة صورة وشكل هنا لاتبدو لي ممتازتين ولا تساعدان على فهم الموضوع.
كذلك الكلام هذا يبدو لي بشكل عام منطق سليم، أي أنه يسبق ويشمل الماركسية، فلماذا اللجوء إلى الماركسية لتبريره؟
ما اقصده، هل أن غير الماركسي معفي من هذا المنطق؟ إن كان لا فلماذا نحصر الجمهور الذي تتوجه اليه المقالة بالماركسيين؟

مع تقديري دائماً


2 - الكاتب يفتقد الموضوعية
عبد العظيم ( 2009 / 2 / 16 - 05:01 )
أن يكره الكاتب إسرائيل فهذا مفهوم فأنا أكرهها أيضاً أما أن يتجاهل الوقائع فأمر لا يدعو إلا إلى الشك في ماركسية الكاتب التي يدّعيها . أنا من الذين تابعوا باهتمام موقف حماس نهار 19 ديسمبر بعد أن تلقوا عدة تحذيرات من ستيبي لفني ويهود براك ومن حسني مبارك بأن أية صواريخ أخرى تطلق باتجاه اسرائيل ستؤدي إلى احتلال غزة وقالت لفني أحذر حماس بأن الجيش الإسرائيلي قد وضع خطة لاحتلال غزة فإياكم أن تطلقوا صواريخ أخرى باتجاه المدن الإسرائيلية لكنهم مع ذلك ظلوا يطلقون الصواريخ لاسبوع آخر !! نحن لسنا عميان وبلا رأي لنقبل مثل هذه الترهات . ثم ألم يقل نصرالله أنه لو كان يعلم لما بدأها !! عيب بعد كل هذا أن يكتب كيلة ما هو أعلاه . أيها الشيوعيون السابقون توقفوا عن الإتجار بالوطنجية وعودوا إلى أحضان ماركس الدافئة


3 - أس المشكلة
ليلى شفيق ( 2009 / 2 / 16 - 08:18 )
أتفق مع الكاتب على أن أس المشكلة في الحركة الشيوعية تتمثل في العجز عن وعي الماركسية وهو الأس في خطاب الكاتب


4 - المنطق الصوري
سلامة كيلة ( 2009 / 2 / 16 - 09:40 )
شكراً للصديق صائب، حين أشير الىالمنطق الصوري أشير الى طريقة تناول العقل للقضايا التي تطرح أمامه، حيث يجري التركيز على الشكل دون الدخول الى العمق، أي المضمون . ومن ثم عدم الفصل بين الفكرة ومنتجها أو قائلها، ليبدو أن ليس هناك أفكار -محررة- من قائليها، أي مجردات، وهذا ما يشير الى أن العقل لازال في مرحلة ما يسمى الوعي الحسي، أي الذي لا يرى الفكرة دون أن تكون مرتبطة بـ -ملموس-، -محسوس-، عياني. ليصبح العياني (مثل حماس هنا) هو الذي يعطي الفكرة قيمتها ومعناها، أو على العكس تصبح الفكرة هي التي تعطي العياني قيمته ومعناه. هذا -اللصق- بين الفكرة وعيانيها هو من خاصية المنطق الصوري/ الشكلي، الذي لا يرى سوى الشكل، أي السطح، ولا يرى كل خاصيات الظاهرة، أو كل مواقف الشخص.
أما لماذا التركيز على الماركسيين فقط فلأن المنهج الماركسي يفرض حكماً تجاوز المنطق الصوري، يعتبر أنه -كما أشار هيغل- التحديد الأولي للمسائل، لكن دون الجدل المادي فيبقى الشخص لا ماركسياً، أي يبقى صورياً. أما الاتجاهات الأخرى فهي حكماً لا تعتمد الجدل المادي، ولا تريده، وبالتالي تبقى منحكمة للمنطق الصوري، الذي نتوارثه عبر العادات والوعي الاجتماعي التقليدي والمدرسة. لهذا هي لا تحاسب على كونها لا تعتمد الجدل المادي، بل تحاسب على أنها ت


5 - الهجوم على الماركسيين الغير جددا
م/ سلوم ( 2009 / 2 / 16 - 11:12 )
اعتقد من حق الكاتب ان يطرح وجهة نظره حول قضية ما وان يختلف مع غيره ولكن قد يكون ماركسيا في موقف وغير ماركسي في موقف اخر
لماذا تعتبر نفسك المقياس لكل ماركسي
لماذا تقسم الماركسين الى قديميين والى جدد
وهل انت من الماركسة الجديدة
ارجو منك ارسال معلومات عنها لم اسمع عنها من قبل
لك كل الشكر


6 - لكيلة ثانية
عبد العظيم ( 2009 / 2 / 16 - 12:05 )
ما زال كيلة في المنطق (الصوري) فلم يدرك بعد أن إطلاق الصواريخ لم يكن بأمر مستقل من حماس بل بأمر من النظام السوري وبالتسلسل من النظام الإيراني الذي يدفع الفلوس لحماس ـ أليس كذلك أيها الماركسي المجدد ؟

اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ