الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة الرسالة من الحمام الزاجل الى البريد الإلكتروني

جمعة الحلفي

2004 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


ومن فان كوخ الى عواد ناصر!
1 من 7
منذ ابتكر البشر وسيلة التخاطب والاتصال عن بعد، عبر الرسائل المكتوبة بخط اليد، اكتشفوا معها وسيلة الإيصال عبر الحمام الزاجل.
ومع إن هذه الوسيلة في إيصال الرسالة، ارتبطت، عبر التاريخ، بالأعمال العسكرية وحملات الغزو، حيث أصبحت أسراب الحمام الزاجل جزءا من عدة الحرب وتشكيلاتها العسكرية، إلا أن " الرسالة " ظلت محتفظة بهويتها الإنسانية، بصرف النظر عن المضامين التي تحملها من طرف إلى طرف، أوعن وسيلة إيصالها من قارة إلى قارة أخرى. وهكذا فمن رسائل الجواسيس القدماء، التي كانت تحملها لهم تلك الطيور الجميلة والبريئة، إلى رسائل إخوان الصفا الفلسفية، التي ضاع جُلها في خضم حروب وصراعات المذاهب والطوائف. ومن رسائل العشاق المعطرة بالورود، لحبيباتهم، إلى رسائل الأدباء لبعضهم البعض، بقيت " الرسالة " الوسيط الأكثر ثباتاً وحضوراً وألفة في حياة البشر، تزف لهم أخبار المسرات والأفراح والنجاحات، مثلما تنقل لهم أنباء الفواجع والمآسي. تمتن صلاتهم مع بعضهم البعض وتمنحهم فرص البوح والمناجاة وتبادل المعلومات والآراء والنصائح. إنها الرسالة، تلك التي ينتظرها الأهل من ولدهم المسافر، وينتظرها الحبيب من حبيبه الغائب، والزوجة من زوجها المهاجر، والصديق من صديقه البعيد... قصاصة ورق صغيرة لكنها غالية الثمن ومليئة بالألغاز والحكايا والأسرار.
ومع تنامي وتطور عدة الكتابة وطرق إيصالها، انتقلت الرسالة من طور إلى طور ومن أداة إلى أداة أخرى. فبعد قرون من الكتابة على قصب البردي وألواح الطين، وبمداد مصنوع من الصخام، حلت جلود الحيوانات محل البرديات والطين المفخور. ولم تكن الرسالة المخطوطة على جلد الغزال المدبوغ والمصقول، كالرسالة المكتوبة على جلد الماعز الخشن والأغبر. فبعض تلك الجلود الثمينة كان حكرا على علية القوم من الملوك والأمراء والقضاة والوجهاء.
وعندما اكتشف الصينيون (والبعض يقول العرب؟) مادة الورق، وصنعوه من ألياف الشجر، حل الكاغد محل الجلود وأخذت الرسالة مجدها التاريخي، بعد أن صارت تكتب بمداد الحبر المصنوع من عصائر النباتات والأزهار وبألوانها الزاهية. ومع أن بعض العشاق جرّب كتابة رسائل الحب على أوراق الزهور والنباتات، كما تقول أغنية محمد فوزي الشهيرة (على ورق الورد حاكتب لك) إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، كما يبدو، بسبب رقة ورق الورد ومبالغات العشاق وأوهامهم، لذلك صرفوا النظر عن تلك البدعة واستعاضوا عن ذلك بالورق العادي ولكن المصقول والملون والمليء برسوم القلوب التي تقطر دماً وعشقا.
ومن رسائل العشاق الشهيرة في التاريخ، تلك التي أرسلها الرسام المعروف فان كوخ إلى حبيبة، ولكنها لم تكن تحمل أي كلمات حب بل كانت تقطر دماً حقيقياً، لأنها كانت تحمل أذنه التي قطعها بسكين المطبخ وأرسلها بالبريد المستعجل لحبيبته، دليلاً على شوقه الملتهب.

رسائل قاتلة!
عدا عن طبيعة ونوعية الورق، وكذلك الأداة التي كانت تكتب بها الرسالة، حيث شهدت تطوراً حثيثاً، خلال القرون الماضية، تنوعت وتطورت أيضاً، وظائف الرسالة وموضوعاتها تبعاً لتطور وتنوع الحاجات والعلاقات الإنسانية، الخيرة منها والشريرة. وكما كان العشاق يحرصون على أن لا تقع رسائلهم لحبيباتهم بأيدي الغرباء أو أهل العشيقة، كان الجواسيس والساسة أكثر حرصاً على سرية رسائلهم وضمان وصولها إلى الهدف مباشرة، ولهذا شاعت مصطلحات كثيرة ارتبطت بالرسائل السرية، وخاصة في دوائر ودواوين الدولة الأمنية والمخابراتية، من قبيل " سري للغاية " أو " سري وشخصي" أو " يفتح بالذات " الخ.
وخلال الأشهر الماضية، التي أعقبت انهيار نظام صدام حسين، عُثر على أطنان من تلك الرسائل الشريرة، التي كانت تتضمن توجيهات وأوامر سرية تحكم بالموت والإعدام على عشرات الآلاف من المواطنين العراقيين الأبرياء. وفي الحياة السرية للأحزاب جرى اختصار الرسائل إلى أقصى حد ممكن فأصبحت قصاصة ورق صغيرة بحجم الظفر، لكي يسهل إخفائها أو بلعها عندما يتعرض حاملها لخطر الاعتقال أو المداهمة الأمنية. وأذكر أن "رفيقاً" اعتقل في بغداد إبان الهجمة البوليسية التي شنها نظام صدام على الأحزاب الوطنية، في العام 1971 أخبرني، بعد إطلاق سراحه، أنه قام بابتلاع محضر اجتماع حزبي وثلاث رسائل تحمل ترحيلات رفاق من منظمة حزبية إلى أخرى، وعندما سألته هل أصيب بالمغص بعد ابتلاعه تلك الكومة من الورق والحبر، قال لي أبدا لقد شعرت بالراحة والاطمئنان لأن عثور الجلادين على تلك الرسائل كان معناه إعدامي أو تعذيبي في أقل تقدير.
ومن الأساليب الشهيرة في كتابة الرسائل السرية، ذلك الذي ابتكره أحد ملوك الطوائف في الشام عندما خط رسالته على جلدة رأس أحد مملوكيه وأودعه السجن مدة من الزمن حتى نما الشعر على رأسه، ثم بعثه إلى حلب حاملاً تلك الرسالة إلى أميرها. وبعد أن وصل المملوك مدينة حلب وحَّل في حضرة الأمير، حلقوا له شعر رأسه وقرأ الأمير الرسالة ثم أمر جلاده بقطع رقبة المملوك، تنفيذاً لوصية المرسل الذي ذيّل الرسالة بالعبارة الشهيرة: بعد قراءتكم رسالتي اقطعوا رأس حاملها!
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق


.. الاعتداء على داعمين لفلسطين اعتصموا بمركز تجاري بالسويد




.. تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي: 96% من سكان غزة يواجهون مست


.. مصادر العربية: إطلاق النار في محج قلعة أثناء القبض على من سا




.. -إيرباص- تُعاني بسبب الإمداد.. والرئيس التنفيذي للشركة يتوقع