الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات.. دروس.. ودلالات

رضا الظاهر

2009 / 2 / 18
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق


لا ريب أن من بين أهم مؤشرات نتائج انتخابات مجالس المحافظات التغيير الذي جرى في اللوحة السياسية ومواقع القوى المختلفة، وجسد تعزز الدافع الوطني، ورجحان كفة التصويت لصالح بناء دولة المؤسسات. وعلى أن التحول الذي جرى في مستوى الوعي السياسي تحول نسبي، فانه يكتسب أهمية فائقة، إذ يجسد الإمكانات الكامنة لتحقيق انعطافة جذرية في مستوى الوعي السياسي والاجتماعي. غير أن هذا يحتاج، بالطبع، الى عملية تراكم للتجربة، وهو ما لن يتحقق بين عشية وضحاها، كما تدلل التجارب الديمقراطية في مجتمعات أخرى. وعلى الرغم من أن الفترة منذ انتخابات عام 2005، بل ومنذ ذروة العنف الطائفي قبل عامين تقريباً، فترة قصيرة جداً، فان التحول الذي عكسته الانتخابات الأخيرة تحول مثير، حظي باهتمام واسع لا على صعيد بلادنا حسب، وإنما على صعيد عالمي. ويطرح هذا التحول جملة تساؤلات حول استنتاجات وأحكام كانت، حتى وقت قريب، سائدة، وهي تساؤلات حول الوضع وآفاقه وإمكانيات الخروج من دوامة العنف الطائفي. ومن هنا أهمية الانتخابات الأخيرة، بالنسبة للقوى الديمقراطية على نحو خاص، لأنها تكشف عن التحولات المرتقبة والفرص الكبيرة الكامنة لإرساء أسس الدولة الديمقراطية المدنية المنشودة. ولعل إحدى أخطر المسائل على صعيد صراع الأفكار تتجلى في حقيقة أن قوىً "مقررة" لجأت الى التخلي عن الخطاب الديني، وخاضت الانتخابات تحت شعارات "مدنية" و"ديمقراطية" و"واجهات" مستقلة، وهذا، بحد ذاته، إقرار بفشل مشاريعها التي خاضت بها الانتخابات السابقة. كما أن تفكك الكتل الكبيرة التي قامت على أساس طائفي يفتح الباب أمام إعادة اصطفاف على أساس غير طائفي، أي على أساس تحالفات سياسية بغض النظر عن مضامينها الاجتماعية والاقتصادية. ومن المؤكد أن تحسن الوضع الأمني سيؤدي الى دفع القضايا الاجتماعية والاقتصادية لتحتل موقع الصدارة في اهتمامات الناخبين. ومن نافل القول إن مظاهر سلبية رافقت العملية الانتخابية تمثل أبرزها في التباين الكبير في فرص الدعاية واستثمار المال السياسي واستغلال المواقع في الدولة واستخدام الرموز الدينية، فضلاً عن النواقص والأخطاء من جانب مفوضية الانتخابات، التي لم يبتعد تشكيلها عن أجواء المحاصصات، وبينها حرمان ناخبين من التصويت. وكل هذا في ظل غياب قانون للانتخابات وقانون للأحزاب. وتأتي عدم مشاركة نصف الناخبين، بين محبَطين من وعود، ومحتجين على معاناة مريرة، لتضيف مزيداً الى المظاهر السلبية. ومما يلفت الانتباه، في سياق الانتخابات الأخيرة، أن البرامج الانتخابية لم تحظَ بالاهتمام. وساهم في ذلك الإعلام الذي سلط الأضواء على الشخصيات القيادية للقوائم، بدلاً من تفحص مصداقية الشخصيات والقوائم عبر الممارسة ونتائج السياسات. ومن الطبيعي القول إنه ما يزال هناك شوط طويل حتى يتحقق وضع مؤات لتمكين الناخب والمواطن من أن يمارس حقه الديمقراطي فعلاً في اختيار ممثليه الحقيقيين. ويرتبط هذا، بالطبع، بإنهاء الأوضاع الاستثنائية، واستعادة الاقتصاد عافيته، وتبلور مكونات المجتمع والحدود المميزة لها، ذلك أن كل هذه القضايا غائمة وغير واضحة المعالم.
وعلى أية حال فان هناك حاجة الى تقييم هذه التجربة عبر تحليل موضوعي نقدي ومتوازن، مستند الى المعطيات وما تحقق على الأرض في كل موقع، بعيداً عن إطلاق تعميمات واستنتاجات عجولة مبنية على أحكام مسبقة وتفكير رغائبي. ويتعين الحذر من المبالغات العاطفية التي يصف بعضها ما تحقق جراء الانتخابات بأنه "تحول اجتماعي" (جلي أن من يطلقون مثل هذا التقييم لا يفقهون مفهوم التحول الاجتماعي)، بينما يتحدث البعض الآخر عن "انتقال من الطائفية الى العلمانية"، ويذهب بعض ثالث الى الحديث عن هزائم "واضحة" مقابل انتصارات "واضحة". ومن المؤكد أن هناك الكثير من الدروس الغنية التي ينبغي استخلاصها للاستعداد بشكل أفضل لخوض معارك انتخابية مقبلة. ولابد أن يكشف أي تقييم دقيق عن العوائق الموضوعية مثلما يكشف عن القصور الذاتي، بما يعنيه من تشخيص لنقاط الضعف والنواقص في مجرى عملنا، والأساليب التي اعتمدت في هذه الانتخابات، بما فيها صيغ القوائم الائتلافية وتعددها وتشتت الأصوات، فضلاً عن الأداء الدعائي والتعبوي والإعلامي، دون أن يعني ذلك انتقاصاً من الجهود الاستثنائية التي بذلت على مختلف الصعد، وهي جهود تبعث على الاعتزاز حقاً.
إذا كانت النتائج المتحققة ليست بمستوى الطموح، ولا تمثل المكانة الحقيقية التي يتمتع بها حزبنا والقوى الديمقراطية، فان هذا لابد أن يكون حافزاً على المزيد من العمل المثابر. ولابد أن يتواصل النهوض الذي حققناه في التمرين الحالي، عبر المزيد من الصلات بالناس والتعرف على معاناتهم والسعي الى تعبئتهم في نضالات مطلبية دفاعاً عن حقوقهم، خلال الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة كي يتوج بنتائج أفضل. ولا يتعين أن تكون هناك فورة تخمد حال الانتهاء من الانتخابات لنهرع، من ثم، الى الناس حال حصول انتخابات جديدة.
ينبغي لعملنا مع الناس، ونحن في إطار الثقافة السائدة والفرص المحدودة والعوائق الموضوعية كمّن ينحت في حجر، أن يكون عملاً يتسم بالدأب والتصاعد والتحدي والأمل.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد