الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوباما: لون البشرة هل يغير طعم السياسة؟

سلامة كيلة

2009 / 2 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


نجاح باراك أوباما أشعل بعض التفاؤل لدى قطاع من المثقفين على أمل أن تتغير السياسة الأميركية في المنطقة. وبات الخطاب يتركز على انتظار ما يمكن أن يفعله، انطلاقاً من وعده بالتغيير، هكذا بكل هذه العمومية، وخصوصاً انطلاقاً من لون بشرته، حيث هال أن تسمح أميركا بنجاح رئيس أسود، وهو الأمر الذي أشعل الأمل بالتغيير الشامل. لهذا يطغى الأمل بتحقيق "سلام" في فلسطين، كما طغى مع كل انتخابات سابقة ونجاح لرئيس جديد. وكذلك يطغى الأمل بتحقيق وعد الانسحاب من العراق، رغم أن الاتفاق الأمني قد وقع ولم يعد هناك مهرب من تطبيقه.
الأمل هذا الذي يترافق مع كل انتخابات أميركية يشي بأننا في موقع الانتظار من أميركا لكي تحل كل مشكلاتنا. ويشي بأننا لا يريد أن نفعل سوى الانتظار. أكثر مما يشي بالمراهنة على التغيير في السياسة الأميركية بحد ذاته. رغم أن "النقلة" التي تحققت بانتخاب رئيس اسود أوحت، أو غذت الآمال بأن هذا يعني بأن تغيراً شاملاً سوف يطال السياسة الأميركية.
هل يغير انتخاب رئيس في السياسة الأميركية؟ خصوصاً في منطقتنا؟ وهل أن الميل لانتخاب رئيس أسود يعني حتماً تغييراً في مجمل السياسة؟
إن المدقق فيما يكتب يلمس بأنه في اللاوعي يسكن وضع النظم القائمة في المنطقة، التي تتغير السياسات والتحالفات والعلاقات بتغير الرئيس، وبالتالي السلطة. بمعنى أن تغير الرئيس هنا يعني تغير السلطة وكلها، ونظام الدولة بمجمله. هذا اللاوعي هو الذي يغذي الميل لـ "الحلم" بتغير السياسة الأميركية كلما جرى انتخاب رئيس جديد، وخصوصاً إذا كان يعبّر عن تغير ما. هذا اللاوعي هو الذي يشعل الأوهام بشكل متكرر، لكن من أجل انتظار التغيير من آخر وليس من الذات، هذه التي تبدو ممسوخة إلى أقصى حدّ، ومستلبة بشكل كامل.
أولاً، أميركا دولة مؤسسات تقرر سياساتها وتضع خططها لعقود، وبالتالي تعمل بشكل مستقر، رغم كل الصراعات والخلافات الحزبية، التي تتكيف في الأخير مع ذلك. لهذا نلمس بأن ما يقرر في كل المؤسسات يعبر عن التوافق بين مجمل الأحزاب، ويصيغ رؤيتها في إطار خطط مستقبلية، هي ضرورية لكل دولة حديثة.
وثانياً، في الأول والأخير ليست الدولة سوى مؤسسة خاضعة لسياسات مالكي المال، وهي تنفذ كل السياسات التي تخدم مصالح الشركات والمؤسسات المالية والاقتصادية. وجيشها يعمل من أجل خلق البيئة الأمنية الضرورية لنمو هذه المصالح. وإلا ليس من حاجة إلى الدولة.
وفي هذا الوضع سوف نلمس بأن هذه المصالح هي التي تفرض رسم سياسات طويلة الأمد، ووضع خطط مستقبلية. وهي المصالح ذاتها التي تدعم انتخاب رئيس وليس غيره.
وثالثاً، إذا كانت هناك صراعات حول الوضع الداخلي، وتمايزات في المواقف من القضايا الاقتصادية أو الاجتماعية (رغم محدوديتها) فإن السياسة الخارجية غالباً ما يكون هناك توافق حولها، أو تبرز خلافات تكتيكية محدودة. حيث أن "فتح الأسواق" وضمان المواد الأولية، والتحكم في المواقع الإستراتيجية في العالم هي في أساس مصالح كل الشركات والرأسمال. ولهذا لا تبدو مجال خلاف عميق في الغالب.
ورابعاً، إن الموقف من المنطقة العربية متوافق عليه من قبل الدولة والأحزاب والشركات، حيث السيطرة على النفط، وحيث احتكار الأسواق ونهب المال المتراكم من فوائض النفط (كما جرى خلال الحرب الأولى على العراق، ويجري الآن في إطار الأزمة المالية). ومتوافق كذلك على ضمان السيطرة العسكرية وعلى وجود الدولة الصهيونية كونها قوة عسكرية متقدمة. ولهذا نلمس بأن أمن الدولة الصهيونية يحظى بالأولوية، ولقد تبارى أوباما مع ماكين في هذا الموضوع إلى حد اعتبار أنه أمر مقدس.
في ظل كل ذلك ماذا يمكن أن يغير "الرفيق" باراك حسين أوباما؟ هل يستطيع أن يفرض على الدولة الصهيونية تطبيق قرارات "الشرعية الدولية"؟ وبالتالي تحقيق "رؤيا بوش" الذي وعد بتحقيقها في العام 2008 دون أن يتغير شيء، والمتعلقة بقيام "الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل"؟ لكن الحفاظ على أمن الدولة الصهيونية يقتضي عدم قيام هذه الدولة على الأرض الفلسطينية لأنها "أرض إسرائيل". لهذا فهي تعمل منذ سنة 1967 على السيطرة على الأرض وتوسيع المستوطنات مما جعلها تسيطر على أكثر من نصف أرض الضفة الغربية، وهي تفرض جدار العزل وتفكك العلاقة بين المدن والقرى بما لا يسمح بتواصل سلس.
و"الرفيق" أوباما يعد كما وعد بوش لكنه يدافع عن أمنها، ولسوف يمدها بكل السلاح المتطور الذي تريده، ويفرضها قوة مسيطرة على كل النظم العربية.
وفي العراق، إضافة إلى أنه ضم في فريقه العديد ممن يرفض الانسحاب من العراق، وعلى رأسهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، فقد جرى توقيع اتفاق البقاء في العراق وانتهى الأمر. رغم أنه يمكن أن يسحب بعض القوات، وأخرى من المدن ليضعها في المعسكرات الضخمة التي جرى بناؤها طيلة السنوات الخمس الماضية.
أين التغير إذن؟ ربما في العلاقة مع أوروبا، وفي دور أوروبا في المنطقة، حيث أن الأزمة الاقتصادية تفرض بعض التنازلات هنا من أجل مساهمة الدول الأوروبية في حمل أعباء الأزمة الأميركية. وهو ما بات يتوضح من خلال استقدام قوات الحلف الأطلسي إلى المنطقة التي كانت حكراً على الولايات المتحدة.
العجز يولّد "الحلم"، الذي لا يكون سوى وهم. ولدينا نخب متخصصة في الأحلام/ الأوهام. وهي تكرر الكلام ذاته كلما جرت انتخابات أميركية. وفي كل مرة تعمم الأمل في تغيير السياسة الأميركية، وبالتالي المراهنة على هذا التغيير، وانتظاره. ورغم تكرار الخطل، والتوضح المستمر إلى أن هذه المراهنات فاشلة إلا أنها تتكرر دون ملل.
السياسة الأميركية لا يرسمها رؤساء، وليس للرئيس سوى "حرية المناورة". والمنطق العام هو أن هذه المنطقة يجب أن تبقى خاضعة للسيطرة الأميركية، وعبر الدولة الصهيونية. وبالتالي يجب أن تقبل كل النظم بهذه السيطرة وتدفع مستحقاتها. هذا ليس كرهاً بأميركا بل رؤية لمصالح احتكاراتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لمن هذا التحليل يا ترى؟
ابو العز ( 2009 / 2 / 18 - 20:42 )
هل هذا الكلام متطابق مع مقولاتك السابقة للخريطة السياسية في المنطقة ام ان الامور ليس مترابطة كما قد يبدو للقارئ لما تكتب


2 - مهما يكن ونكون فالتفائل افضل لصاحبه من تشائم الاخرين
عبد العالي الحراك ( 2009 / 2 / 19 - 10:05 )
من هم اننا؟؟ انهم وطنيون علمانيون,ديمفراطيون,يساريون,قوميون واسلاميون....كل له رؤيته ومنظاره الذي يرى فيه الاشياء
لكن التفائل افضل من التشائم لذاته وللاخرين وعلى قدر اهل العزم تأتي العزائم ودوركم الاساس هو في تقوية اليسار والديمقراطية حتى يكون مؤثرا ويقطع الطريق على من يطالب امريكا حلولا لمشاكله على حساب مصالحها دون ان يكون رقما فعالا في كسبها واستحصالها..انا لست ضد النرجسية الثورية والنقاوة النظرية والصفاء في الطرح ولكن الاهم القدرة على تحقيق النظرية على الواقع ولو عبر خطوات اولية ملموسة وتطورية متنامية والا ما الفرقبين الثوري الحقيقي والمتطرف الا يكمن في التطبيق ولم يسمى الثوار ثوارا الا بعد ان طبقوا النظرية ذات النظرية بخطواتهم العملية فمن يتشائم من اوباما بصورة مطلقة كمن يتفائل منه بصورة مطلقة والاهم من كل هذا وذاك ان ننمي قابلياتنا ونقرب نظريتنا من واقعنا


3 - يعاند فلا يتغير
عبد العظيم ( 2009 / 2 / 19 - 11:07 )
هيلاري كلنتون اشتهرت في أميركا بصوتها المعادي للحرب في العراق وهي توصف باليسارية وليس كما يقول الكاتب . أمريكا اليوم ليست كما كانت في السابق . الإدارة الأميركية اليوم بمجملها ذات ظلال يسارية وهو ما كان محرماً في السابق . انسحاب أميركا الكامل من العراق سيشكل صفعة لكل المتجمدين فكرياً من الشيوعيين . كيف سيعتذرون من قرائهم لدى الإنسحاب وهم الذين ملأوا الدنيا زعيقا حول الإستعمار الأميركي الجديد في العراق ؟ لو كان الكاتب ماركسياً حقيقياً لكتب اعتذاراً عما كان يكتب وما زال يكتب عن أمريكا


4 - اعتذار من أميركا
سلامة كيلة ( 2009 / 2 / 19 - 11:45 )
أبو العز يقول بأن موقفي اختلف، آمل أن يشير الى ذلك، حيث من السهل القول لأي كان بأن موقفه مختلف، لكن يجب تحديد الاختلاف. بالنسبة لعبد العظيم، يبدو أنه لا يتابع شيء حيث أن هيلاري من الداعمين لاحتلال العراق، وكان يتهم أوباما بأنه ضد الحرب، لكنها هي من المؤيدين لاستمرار الاحتلال، وتعيينها وزيرة للخارجية له معنى من زاوية رأيها هذا، حيث من الواضح بأن لا انسحاب، والمشكلة هنا أن عبد العظيم يحول النقاش الى شيء شخصي، أقول له بدون مقاومة حقيقية لن تنسحي أميركا من العراق، يمكن أن تخفف وجودها في المدن، لكن القواعد التي بنتها طيلة السنواتالخمس الماضية لم تكن بلا رؤية، وبالتالي يمكن أن تفكك اليوم. أكثر من ذلك فإن من أتت بهم الى الحكم يتمسكون باستمرار وجود قواتها أكثر منها، لأنهم يعرفون بأن انسحابها هو هزيمة لهم.
ومبروك عليك يسارية أوباما وكلينتون.
شكراً لمداخلة عبد العالي الذي أتابع ما يكتب.

اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ