الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحروب الإنسانية

إبتهال بليبل

2009 / 2 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


معظم سكان الدول الغربية تعاني الكثير من الأوهام حول طبيعة مجتمعاتها وسياسة حكوماتها ؛ فالجمهور عموما ينقاد إلى الاعتقاد بأن مجتمعه من المجتمعات المتفوقة ، وحكومته من الحكومات التي تمتلك سياسات سامية وكريمة ، وما هي إلا أوهام تستوضح لنا تنافر تلك العلاقة الموجودة بين الصور الملفقة وواقع سلطة الدولة ، وخصوصا عندما ينطوي هذا الوهم على شن الحروب ضد بلدان العالم الثالث ، فحروبهم الفظيعة تشن بدوافع تامة ، ولكنها تباع على أساس أنها هي التي تحرك الخيرين في المقصد.
تعزيز الديمقراطية والحريات ، وحقوق الإنسان ، وحقوق المرأة ، والتسامح الديني ، كلها من الدوافع المزعومة للتدخلات الحالية ، أو الحروب التي تُشن والتخريب الذي يعم ، ومنذ أعوام ، وفي المقام الأول كان هناك تمهيداً لحروب ضد بلدان ومدن معينة ، فعرضت الكثير من المبررات لشن هذه الحروب فكانت تُصب في ضرورة حتمية لحماية حقوق الإنسان أو لتحسين الأوضاع الإنسانية للسكان المستهدفين....
وإذا كان النفاق الصارخ لم يكن سيئا بما فيه الكفاية ، للأوهام المتعلقة بذكر الإنسانية كأساس منطقي للحرب ، لذا فقد كان له أثر ضار على مميزي اليسار باعتبارهم الحركة المعارضة والمنظمة لعمليات النهب العالمي باسم الإنسانية ، الإنسانية هي الامبريالية كتحليل منطقي ومستفيض من "الحرب الإنسانية" ، وكل هذا ما هو ألا حجج ملتوية ولذا ينبغي التصدي لها ، وأن نعتبره أساس منطقي لرفض الحرب...
ومن جوانب اليسار في الماضي كان معارض للامبريالية حيث كان يهدف إلى المساهمة في إحياء معارضة مبدئية للحروب الإمبراطورية الجديدة التي تشن في المقام الأول من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا.
ولعل أهم نقطة من الواجب التطرق إليها هو أن "التدخل الإنساني" بمثابة الأساس المنطقي للسخرية ووسيلة لتهميش القوانين الدولية ، بل هي في العادة تتطلب أقصى قدر من السرعة لتجنب مزيد من الكوارث ، وبالتالي ليس هناك وقت للشكليات مثل مراعاة لميثاق الأمم المتحدة أو القانون الدولي بوجه عام . وبالنسبة للعقدين الماضيين على الأقل ، فإن الولايات المتحدة كانت تُحبك لإضعاف الأمم المتحدة وأكثر من ذلك إلى تقويض أساس القانون الدولي وسيلة للحصول على هذا الهدف ، تم تعزيز "الحروب الإنسانية" أو حتى "القصف الإنساني"
ما يدعو إلى الإحباط هو أنها ليست بحصان طروادة لكي تصد من قبل منظمات حقوق الإنسان الرئيسية ، وهو ما يسميه الجمهور والمثقفين أو الجماعات على اليسار، قبول تبرير الحروب فقوضت الحركة المناهضة للحرب ، ويبدو أنه قلة تأثير وضعف في الإطار القانوني الدولي ، أي أن العالم اليوم يعاني من الحروب المتواصلة ، والتي يحكمها قانون الغابة ـ وتلك التي تسعى لمقاومة الامبريالية ، أو الحصول على قدر من العدالة وأنها يجب عليها الدفاع عن مبادئ القوانين الدولية ، وبالتأكيد ، فلا يسمح لأي خدع في نداءات الحروب.
إذا كانت الولايات المتحدة وحلفائها تشن الحروب على أساس مبررات زائفة ، فإن السؤال المطروح هو ما هي الدوافع الحقيقية ؟؟ فالأسباب الحقيقية للحروب أو لتلك التدخلات ، هو ضمان حصولها على المواد الخام لتمشية أمورها في الأسواق العالمية.
ومن الإنصاف القول أن معظم المجتمعات الغربية تدين التنمية الاقتصادية إلى حد كبير في الحصول على الموارد الرخيصة ، ومعظم المداخلات في مواصلة السعي لضمان هذا الوصول، واليوم حتى أصغر / وأفقر دول العالم الثالث يجب عليها الامتثال – وان لا تتسامح مع هذه الانحرافات ، حيث أن رفض فكرة هذه الحروب لضمان الموارد الرخيصة التي تمتلكها ...
وحتماً نحن لا نذكر أي من الكوارث الإنسانية التي أثارت نفس ردة الفعل في العالم ، فهي مهملة دائما وأبداً ، في حين نجد أن التدخل في دارفور لظروف غامضة ، وذلك الصمت الذي يحوم حول قضية الكونغو ؛ وقضية فلسطين التي قد تكون أكثر أهمية ، لكننا نجد منذ الأمس وحتى اليوم قضيتها مهملة أيضا ، أن هذه الحالات ما هي إلا دعوة لتلك الأصوات التي تطبق معايير مزدوجة غايتها الحروب فقط ...
مرصد حقوق الإنسان ، بصورة خاصة ، كانت منظمة رئيسية لدفع الحروب باسم الإنسانية ، فالتقدير السليم لمثل هذه المنظمات هو من الضروري التصدي لنفوذها ، وأخيرا ، إن بعض من أهم دعاة الحروب الإنسانية ، أو ما يسميها العامة أو من المثقفين الليبراليين ، والكثير منهم نجد من مواقفهم القرب من السياسة الأميركية ، من اليساريين أو الليبراليين الذين قفزوا على عربة الإنسانية للدخول في الحروب فهم إلى حد كبير يستخدمون أسلوب النفاق والخداع عندما يحاول أحدهم اليوم أن يصف " التدخل " وما هو في الحقيقة سوى حث دولهم العسكرية للهجوم على دول أخرى ، بينما هم متربعين على عرش الجمال، وباسم الإنسانية ... ومما يجعل الأمور أكثر سوءا هو أن الجيوش في الواقع هي لم تنشأ لأهداف إنسانية ، وإنما لمصلحة فرض سلطة الدولة في الآونة الأخيرة ، في أول إشارة إلى أن الدول لا ترغب في استخدام قواتها العسكرية لإغراض الإنسانية عندما تكون هناك إشارات إلى " عمل متعدد الأطراف " فهي لا تفعل شيئا أو ببساطة ما هو إلا توفير رمزي لقوات تخضع لصرامة " قواعد الاشتباك ".
فاعتماد المنطق الإنساني في الحرب كان له تأثير ضار خاصة ما تبقى من اليسار في البلدان الغربية ؛ وإحدى هذه المبادئ الأساسية لليساريين في أنهم كان ينبغي لهم معارضة الامبريالية والحروب ، فالشاهد على هذا الإحباط هو اعتماد البشرية والإنسان إلى لغة مشتركة في تشجيع الحروب ، وتقبلها كجزء أساسي ومنطقي في الحروب أو لمجرد إثباتات تعكس تفكير مشوش ، فمن الواضح أنها متاهة معنوية كبيرة ، وإماطة اللثام عن التفسير المغرض للتاريخ ، ومضاد رئيسي ضيق يعاني منه عصرنا : ألا وهو النفاق، إذ ما هو ألا مساهمة في غاية الأهمية لمساعدة هؤلاء الذين يدعون الإنسانية ، وخلق مأزق فكري كبير يحيط بما يسمى الحروب الإنسانية.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب