الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الإيرانية بعد ثلاثين عاماً وقبل الانتخابات المقبلة

عبدالجليل النعيمي

2009 / 2 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


يوم 11 فبراير/ شباط احتفل أنصار الثورة الإسلامية في إيران وخارجها بذكرى انتصارها الثلاثين. عظمة هذه الثورة ليس في إطاحة آخر شاهنشاه في الإمبراطورية الفارسية، بل وفي إنهاء نظام الحكم الفردي الذي استمر 25 قرنا. كما قدمت للعالم نموذجا لاستخدام العامل الإسلامي في أهداف سياسية محلية وعالمية. وبذلك سجلت الثورة أحد أعظم أحداث القرن العشرين.
نهاية السبعينات بلغ السخط الشعبي على الشاه أوجه. وقد ضمت الحركة الشعبية طيفا واسعا من الشيوعيين وممثلي الليبرالية البرجوازية والبازار والمجموعات الدينية ومجاهدي خلق وفدائيي إيران والإسلاميين الراديكاليين. ومن بين هذه القوى تمتع الاتجاه الذي قاده آية الله الخميني بسيطرة أيديولوجية ومالية وقدرات دعائية عبر شبكة المؤسسات الدينية التي فقدت أجهزة السافاك السيطرة عليها. وقد أهّلته تلك الإمكانات لأن يصبح زعيم المعارضة المتنوعة بلا منازع.
وما أن انتصرت الثورة بدأت تأكل أبناءها. لقد استخدم نظام الملالي اللجان الثورية الإسلامية الموجودة سابقا وفيالق حراس الثورة الإسلامية التي شكلت فيما بعد، وحزب الله وبقايا السافاك للقيام بعمليات قمع واسعة ضد الرأي الآخر، بمن في ذلك رجال الدين. وقد شكل إعلان الخميني في 14 يونيو/ حزيران 1980 بداية الثورة الثقافية الإسلامية نقطة انطلاق موجات القمع. فتحت غطائها جرت ملاحقة كل من لا يحمل فكر ملالي الحكم. وفي السنوات الخمس الأولى فقط قدر عدد الذين أعدموا بأربعين ألف شخص. ولا يوجد حصر لأعداد الذين اعتقلوا. ببساطة لخص المدعي العام للثورة آنذاك حسين موسوي تبريزي في خطاب بالراديو طريقة التعامل لا ينبغي إرسال المتظاهرين المسلحين إلى السجون ليناموا ويأكلوا لأشهر. يجب محاكماتهم وإعدامهم فورا. هذا هو قانون الإسلام، من يقاوم الثورة الإسلامية ويخالف الإمام يجب أن يموت. إذا قبض عليه يقتل، إذا وجد جريحا يجب أن تزاد جراحه حتى يموت . وقد ترافق ذلك مع سياسة أسلمة كل مناحي الحياة، ما أدى إلى هجرة أكثر من مليوني إيراني. وبهذا استتب الأمر منذ النصف الأول من الثمانينات للحكم الإسلامي، وأصبحت الجمهورية الإسلامية التي أعلنت رسميا في الأول من أبريل/ نيسان العام 1979م حقيقة سياسية واقعة.
مع ذلك، وبخلاف البلدان الإسلامية الأخرى تعتبر الثورة الإسلامية في إيران أول محاولة في التاريخ للجمع بين الحكم الإسلامي والمؤسسات الديمقراطية العامة. وفي تاريخها اجتازت الثورة اختبارات عسكرية، سياسية، اقتصادية واجتماعية كان أصعبها الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات وحصدت مئات الآلاف. ورغم مآسيها وحدت صفوف الحرب الإيرانيين لصد المعتدي. وقد مكّن الطابع التعبوي الذي امتاز به الاقتصاد الإسلامي الثوري (الاقتصاد التوحيدي) من تفادي الانهيار الاقتصادي، لكنه بدا عاجزا عن إخراج البلاد من أزمة ما بعد الحرب.
تطلب الوضع مقاربات جديدة. الرئيس رفسنجاني الذي حكم بين 1989 و1997م قرر القطع مع الاقتصاد التوحيدي وبادر بإصلاحات سوقية أفسحت الطريق أمام القطاع الخاص وسمحت بالخروج من أزمة ما بعد الحرب. وقد عزز الرئيس محمد خاتمي الذي خلفه بعد انتخابات 1997 ذات النهج.
وفي 16 عاما من حكم هذين القياديين البارزين، ورغم كل التناقضات والتراجعات والإخفاقات أصبحت إيران من الرياديين في منطقة الشرق الأوسط. وطبيعي أن عائدات النفط والغاز التي تضاعفت 4 مرات بين العامين 1998 و2005م ساعدت في ذلك كثيرا. وفي الحياة الداخلية لوحظ زيادة النشاط الاقتصادي والاستثمارات والتوسع في مجال الديمقراطية. وفي السياسة الخارجية استطاع خاتمي بالذات اختراق الحصار والانفتاح على العالم. وقد حسن ذلك كثيرا من صورة النظام الإيراني أمام الرأي العام العالمي. وكان من الطبيعي أن يشكل ذلك عاملا مهما لدخول إيران في العمليات السياسية الاقتصادية العالمية وتعزيز الاقتصاد الإيراني.
إلا أن لتلك النجاحات ثمنها على الثورة الإيرانية. في خضمها اختمرت عوامل هز أركان الخمينية التي جاء الملالي لترسيخها وحمايتها أصلا. وسواء أراد مهندسو الإصلاحات أم لا، فإنهم موضوعيا ابتعدوا بالبلاد والمجتمع عن الخط العام للخميني. ولم يكن بوسع غالبية الروحانيين السماح بمضي الأمور بما يهدد مصائرهم. كان عليهم بعث النظام الخميني من جديد. والأهم هو تغيير النهج الذي سار عليه رافسنجاني وخاتمي واستمرار الإمساك بزمام الأمور. وهكذا جاء المحافظون بمحمد أحمدي نجاد ليضع نهجا بديلا بإطلاق الآلة الثورية الإسلامية بأقصى طاقتها.
في الأربع سنوات الماضية أعاد نجاد الوضع ربع قرن إلى الوراء من أجل العودة للخمينية. ولم يكن ذلك ممكنا من دون إزالة كل علائم الليبرالية، خصوصا في المجال الأيديولوجي. فشددت الرقابة الإسلامية على كل مناحي الحياة. وتم التراجع عن كل بدايات الدمقرطة، وازداد القمع ضد الرأي الآخر. لكن التحولات الارتجاعية الداخلية استدعت تحولات مماثلة في السياسة الخارجية. من جديد قفزت إلى مقدمة الاهتمامات مسألة تصدير الثورة الإسلامية التي أعلنت منذ البدء كأحد أهم مبادئ سياستها الخارجية.
وقد عكس خطاب الرئيس نجاد في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2008 أثناء تكريم متطوعين إيرانيين هذا النهج حين قال كانت الثورة الإسلامية حركة ليست بحدود إيران فقط. حركة ليست من أجل إقامة نظام جديد فقط، بل ومن أجل تجسيد الوعد الإلهي. حركة مؤسسة ومقررة بالنسبة للإنسانية كلها . وفي خطاب آخر بمناسبة عودة الخميني من منفاه رغم أن الثورة الإسلامية حدثت في إيران، لكنها لن تظل في حدودها .1
ومن جديد تتزايد وتترافق في عهد نجاد نزعة تصدير الثورة بنزعة الأطماع التوسعية. الأولى وجدت تعبيراتها في عدد من البلدان العربية، والثانية في استمرار احتلال الجزر الإماراتية وفي تكرار ادعاءات إيران بأن البحرين جزء لا يتجزأ من أراضيها.
لقد جرى تطور الثورة الإسلامية في 30 عاما بشكل حلزوني. وفي مجراه عادت إيران في عهد نجاد إلى المنابع، بينما بلغت مستويات راقية من التطور التكنولوجي الذي وضع أساسه الرئيس خاتمي في الأصل. إن هذا التناقض الصارخ بين التراجع على صعيد السياستين الداخلية والخارجية والتقدم التكنولوجي الإيراني يبرز أعراضا خطرة للغاية ليس على البلدان المهددة بتصدير الثورة وبالتوسع، بل وعلى إيران نفسها إذا استمر نهج الرئيس الحالي. ولعله -مدركا أن هذا النهج قد يضع الثورة الإيرانية على مشارف نهايتها التاريخية- بارك مرشد الثورة الإيرانية آية الله خامنئي ترشيح خاتمي لخوض معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة من أجل إطلاق دورة جديدة من التطور الحلزوني للثورة الإسلامية في إيران.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل