الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوحداتها تنتصر الشعوب

ماجد الشيخ

2009 / 2 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


بوحداتها الوطنيّة تنتصر الشّعوب
لا بـ "مفاجآت" التّشجيع على نقضها

ماجد الشّيخ *

لم تنته الحرب العدوانيّة الإسرائيليّة على قطاع غزّة، فالحصار ما يزال شاملا، والمعابر ما تزال كلّها مغلقة، و"شروط الرّباعيّة" ما تزال هي الشّروط ذاتها التي حكمت كلّ محاولات تدخّل الأوروبيين في مجهودات التّسوية السياسيّة، والتّحالفات المضادّة للقضيّة الوطنيّة الفلسطينيّة ما تزال هي الأخرى على حالها. سواء في هذا الجانب أو في ذاك. وقد اختلط حابل التّأييد بنابل الاستعداء، وكادت الفروق أو تكاد تنعدم بين من يطلقون عليهم تسمية "معتدلين" ومن ينعتوا ذواتهم بـ "الممانعين"، فالكلّ في "الحقل الاستثماري" لهذه القضيّة ولأصحابها سيّان نسبيّا، رغم اختلاف الأدوات والألفاظ الدّالة على مثل هذا "الاستثمار" أو "التّضامن القاتل" وسموم "النّصرة الجهادويّة".. إلخ من الكلام اللفظي المنمّق الّذي لا يسمن ولا يغني عن الوحدة والتّوحّد، فيما هو يدفع بالتّشرذم والانقسام حدودا قصوى، بات الخطاب الممانع في "احتفاليّات النّصر والانتصار" يدفع إليها، وذلك من باب استعداء المرجعيّة الوطنيّة الفلسطينيّة والخروج عليها، والتّبشير بمفاجآت تشكيل مرجعيّة أخرى هزيلة، لا مبرّر لاستدعاء وجودها؛ سوى إرضاء النّفس الأمّارة بالسّوء، المتضخّمة بـ "انتصاراتها اللفظيّة" و"مواقفها التّوريطيّة" التي وضعت شعب فلسطين كلّه وفي أماكن تواجده كافّة؛ أمام مهمّات لا يمكن إنجازها أو تحقيق بعضها في ظلّ حالة التّشرذم والانقسام السّياسي والجغرافي.

يجري هذا عندنا، فيما إسرائيل ذهبت إلى أكثر من تحقيق "إجماعها القومي" زمن الحرب، بل هي تذهب الآن إلى توحيد توجّهاتها أكثر نحو اليمين، على الأقل منذ العام 2005، حين عارض اليمين الإسرائيلي وهو الأكثرية الكاثرة في إسرائيل يومها خطة شارون للإنسحاب الأحادي من قطاع غزّة، على أساس أنّ ذلك سوف يتيح للمقاومة الفلسطينيّة استهداف العديد من المدن والبلدات والمستوطنات، كما أنّ ارتفاع نبرة الأصوليّة الدّينيّة "الإسلامويّة" أفادت وتفيد منه التّيّارات الدّينيّة التّوراتيّة في الدّفع بقواها إلى مقدّمة رفض العمليّة التّفاوضيّة، حتّى باتت التّيارات الوسطيّة نفسها تعارض المفاوضات، بما هي إحدى وسائل التّسوية التي تعني التّنازل هنا أو هناك. والإسرائيليّون بمعظمهم يرفضون الانسحاب حتّى حدود العام 1967، أو تقسيم القدس أو حتّى عودة ولو عدد ضئيل من اللاجئين، وهم فوق هذا وذاك لا يقرّون الحدود ولا أيّ حق للفلسطينيين بإقامة دولة أو دويلة مقطّعة الأوصال. بهذا المعنى فإن إسرائيل لن تسمح للمفاوض الفلسطيني بأن يصل إلى نتيجة ترضي ولو قسما من الشّعب الفلسطيني، حتّى يكون لقسم آخر مثل هذا الموقف العدائي من المفاوضات المتعثّرة ومن الأطراف القائمة على عمليّة التّفاوض.. لذلك غاية أو غايات في نفوس أصحابها الأكثر مزايدة على كلّ شئ وعلى أيّ شئ، كذريعة أو ذرائع ما يبتغون الوصول إليه من أهداف بعيدة الغور.

وفي هذا الإطار .. يراد الآن، ورغم أنّ الحرب لمّا تنته بعد، والعدو يصّلّب جبهته الدّاخليّة، فتح معارك داخليّة جديدة تحت عناوين "إعادة الإعمار" وذلك من باب النّفخ في "تقية الّذات" وادعاء الطّهارة الدينويّة والسّياسويّة، وشيطنة الآخرين ووصمهم بقلّة الأمانة، وكأنّ "الّذات السّلطويّة" هنا تختلف عن تلك السّلطويّة هناك. أو كأنّ "إيمان" البعض يمكن له أن يعصمه من قلّة الأمانة، أو كأنّ قلّة الأمانة تقتصر على بعض من البشر دون بعض آخر؛ كأولئك المعقودة على ألويتهم مهمّة التّخوين والشّيطنة واتهامات العمالة، فضلا عن استبداديتهم الملازمة والمحايثة لـ "فكر" و"وعي" هو الأقرب إلى تهويمات "البطركيّة الأبويّة" في فضاء التّديّن الشعبوي المحلّي منه والمعولم أو "الأممي" (نسبة إلى الأمّة الموهومة) على حدّ سواء.

يا لها من تسطيحيّة ما بعدها تسطيحيّة، ويا لها من ذات مريضة تلك التي تتخمها صيحات "النّصرة" اللفظيّة لتيّارات الإسلامويّة الأصوليّة، وسياسويّتها وتصوّراتها الذّهنيّة المعربدة الآن في فضاء "الإحباطات المنتصرة" تلفزيونيّا، وتدخّلاتها من على الشّاشات في شأن وطني خاص من شؤون الشّعب الفلسطيني الدّاخليّة، حيث يراد له هو الآخر ولقضيّته الوطنيّة "التّخلّق" من جديد على صورة الانقسامات التّفكيكيّة والتّقاسمات التّفتيتيّة التي لا يجيد "الوعي" أو "الفكر" الدّيني سوى اللّعب أو الرّقص حول أنوار القضايا الوطنيّة و/ أو الإجتماعية. وهذه كلّها في الواقع لا تشكّل همّا أو هموما عضويّة لـ "فكر الوعي" الدّيني، إلاّ كونها قضايا هامشيّة لا تعنيه من قريب أو من بعيد، وإلاّ كونها عنوانا لـ "نصرة" واجبة؛ يستوجبها "الوعي" بضرورة دعم "سلطة مماثلة" رمزيّا أو هي تتماثل مع ذاك "الوعي" ليس إلاّ.

هكذا تصير الدّوحة "هانوي العرب" وتصير دمشق بكين أو موسكو فيتنام في عرف "سلطويي المقاومة"، ومقاوليها من أولئك الّذين أرادوا لغزّة وما جرى فيها من مذابح ومحارق وحشيّة على يد الإسرائيليين، أن تعيد إليهم "اعتبارهم" المفقود في عواصم التّخريب أو التّجريب الإستخباريّة العربيّة والإقليميّة، حتّى ولو كان ذلك ضدّ شعبهم كلّه أو ضدّ الكلّ الفلسطيني المجسّد في القضيّة الوطنيّة بمرجعيّتها الواحدة الوحيدة.. والموحّدة مستقبلا مرّة أخرى، بعد استعادتها واستعادة وحدتها المعوّل عليها، وذلك بدلا من لفظها، والقفز في مجهول الغيبيّات القاضية بتشكيل مرجعيّة جديدة ذات طابع إسلاموي؛ ترضى عنها عواصم الدّعم اللفظي كما عواصم الدّعم المالي، كما عواصم التمركز الإمبراطوري القوموي والإقليمي.

هكذا .. من بوّابة الإعمار يراد لنا التّسليم بهيمنة "الهدّامين الجدد"، ومن باب المرجعيّة؛ يراد لنا تسليم الرّاية الفلسطينيّة لقومويي ومعولمي التّديّن السّلطوي كما الشّعبوي، ممن يرفعون اليوم راية الفرز الجديد بين القضيّة الوطنيّة الفلسطينيّة وأهلها، وبين المتمسّحين الجدد بقضيّة وطنيّة، طالما جرى تجاهلها أو التّعاطي معها بـ "فوقيّة المموّلين"، لمصلحة "وعي إسلاموي"، أو بـ "فوقية النّزوع الإمبراطوري" لمصلحة "وعي قوموي" عماده معاداة الاستقلاليّة الوطنيّة، ليس في فلسطين فحسب؛ بل وفي كلّ المحيط الإقليمي.

من هنا ضرورة التّمسّك بالمرجعيّة الوطنيّة الفلسطينيّة العليا – على علاّتها – وهذا لا يعني التّوقّف عن المطالبة بضرورة تفعيلها وتطويرها على أسس اتّفاق القاهرة ووثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى)، وذلك كي تجمع الكلّ الوطني في إطارها الوطني الجامع، لا الاستجابة لنداءات "الخوارج الجدد" بتدميرها وإنشاء ما أسماها خالد مشعل "مرجعيّة وطنيّة فلسطينيّة تمثّل الشّعب الفلسطيني في الدّاخل والخارج وتضم كل القوى والتّيارات الوطنيّة"، وهذه مواصفات تمثيليّة شاملة وليست فئويّة، رغم نفي بعض من المتحالفين معه من علمانويي التّديّن الأصولي الجديد المموّل إقليميّا، أن تكون تلك المرجعيّة بديلا لمنظّمة التّحرير الفلسطينيّة. فأيّ مرجعيّة إذن تلك التي تريد "حماس" كما على لسان مشعل، أن تشكّلها كي "تمثّل الشعب الفلسطيني في الدّاخل والخارج" إذا لم تكن بديلا للمنظّمة؟ وكفانا أوهام "التضخيم الإنتصاري"، وأوهام ومزاعم التّفخيم الذّاتوي، فالقضيّة الوطنيّة الفلسطينيّة أقدس من أن يتم وضعها في دواليب المقامرات الإقليميّة وألاعيبها التي تغامر بها على هواها، وهوى أمانيها وطموحاتها الإقليميّة القومويّة، وتريد توظيفها في مواجهة وضع دولي ناشئ، يدرك أو لا يدرك أولئك القائمون على تلك السّياسة الاستخداميّة والتّوظيفيّة، و"استثمارهم" البشع للدم الفلسطيني؛ أنّ السّياسات الدّوليّة لم تتغيّر إلى الحد الّذي يمكن الرّهان عبره على إدارة أوباما، كبديل من إدارة بوش ونهجها الإرهابي في مواجهة قضايا العالم العادلة، جنبا إلى جنب مزاعم القضايا الجهادويّة لتيّارات إسلامويّة أصوليّة تتعولم، أو هي قد أكملت تعولمها منذ لحظة 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابيّة، خالطة حابل الإرهاب بنابل التّحرّر الوطني وقضاياه الوطنيّة العادلة.

من هنا فإنّ هدف وضع الإعمار كأولويّة، على حساب ما أسموه "المصالحة"، لم يكن ليعني سوى وضع العربة أمام الحصان، إرجاء لكلّ شئ إلى ما لا نهاية، فسياسة الإرجاء هذه لا تحسب حسابا للناس، للبشر، لمعاناتهم وتضحياتهم، قدر ما أرادت وتريد تثبيت هيمنة متخيّلة على سلطة لا فاعليّة لها، وتكريس وضع سياسي وجغرافي انقسامي، اقتسامي مكتف بذاته ولذاته، أمسى الوضع الوطني والقضيّة الوطنيّة الفلسطينيّة بموجبه؛ مجرّد وسيلة أو أداة توظيف ذاتويّة في مشروع إسلاموي مناهض للقضايا الوطنيّة، وفي طليعتها قضيّة الشّعب الفلسطيني الوطنيّة، وهذا هو سرّ "الفرز الإنتصاري" الطاغي في أجواء الحركات الشعبويّة العربيّة الرّاهنة، انتصارا لذاك "المشروع المغلّف" لا انتصارا لقضيّة الكلّ الفلسطيني الوطنيّة، القضيّة الأكثر احتياجا للوحدة الوطنيّة الفلسطينيّة داخليّا أولا وأخيرا. وإلاّ فليقتسموا ذواتهم و "وعيهم" المنكود بعيدا عن قدس أقداس قضيّة شعب فلسطين الوطنيّة بدلالاتها التّاريخيّة والواقعيّة وأدوات وعيها العقلانيّة، فلا ينقصنا ذاك الصّنف من المرجئة وفقههم الأضحوي المعادي للوحدة. وإذا كان من عنوان صحيح، فإنّ منظّمة التّحرير الفلسطينيّة وبعد استعادة وحدتها ووحدة قواها الفاعلة وطنيّا هي العنوان الصّحيح والمرجعيّة الوطنيّة، مرجعيّة المقاومة، كما مرجعيّة المفاوضة دون احتكار لإحداهما، أو احتكار النّطق باسم القضيّة الوطنيّة واستبداد التّحكّم بمجرياتها. وقد برهنت معركة غزّة الوطنيّة أنّ المرجعيّة الواحدة الموحّدة هي الأولى بالأمل، والأولى بالانتصار.. انتصار شعب يتوحّد وطنيّا في مواجهة أعدائه، وكلّ الأعداء الواضحين والمباشرين، أو أولئك المتخّفّين تحت عباءات الممانعة التي استمرأت وتستمرئ وشقيقاتها من أصحاب "الوعي" المنخور اقتسام وتقاسم شعب فلسطين، بدلا من العمل أو الإسهام في استعادة وحدته الوطنيّة الخالدة في إطار المرجعيّة الوطنيّة الواحدة.
* كاتب فلسطيني










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن