الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة الرسالة من الحمام الزاجل الى البريد الإلكتروني ومن فان كوخ الى عواد ناصر! 2 من7

جمعة الحلفي

2004 / 3 / 27
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


شهدت طرق وأساليب إيصال الرسالة من المرسل إلى المرسَل إليه، تطوراً هائلاً خلال القرن الماضي، بفضل تقدم علوم التكنولوجيا، حيث تطورت وسائل النقل العام واختُصرت المسافات إلى حدود لم تكن متصورة. وهكذا ظهر "البريد السريع" و "البريد المضمون" إلى جانب "البريد العادي". ثم ظهر، مؤخراً، بريد "الاكسبريس" الذي تولته وكالات خاصة تنقل البضائع والرسائل من قارة إلى قارة أخرى، بين ليلة وضحاها. فعندما كانت الخيول والنياق والبغال، وسائط النقل الوحيدة، كانت الرسالة تحتاج إلى عدة اشهر كي تصل إلى أقرب نقطة بين دولة وأخرى أو مدينة ومدينة. وفي مطلع القرن، أو قبله بقليل، انتظمت عملية إيصال بريد الرسائل عندما أصبح يُرسل مع قوافل التجار، التي تنقل البضائع من حاضرة إلى أخرى، أو عن طريق السفن، التي تمخر عباب البحار والمحيطات. ثم جاء القطار البخاري فأخذت الرسالة مجدها إذ أصبحت تصل بسرعة أكبر من السابق بما لا يقاس، أما عندما حلت الطائرة، كأسرع واسطة نقل، فقد شهدت الرسالة نقلة خارقة في سرعة وصولها، ليس من مدينة إلى مدينة بل ومن قارة إلى قارة أخرى، وإذا كانت بضعة أيام كافية الآن لوصول الرسالة، بالبريد العادي، من كندا إلى العراق، فقد كانت تلك المسافة بين هذين البلدين، تحتاج إلى معجزة لقطعها بوسائط النقل القديمة، لأنه لا يمكن لأي جواد فارع، أو ناقة أو بغل، أن يقطع مثل هذه المسافة دون أن ينفق في ربع الطريق أو عشره.
ومع تطور طرق وأساليب إيصال الرسالة تكونت دوائر البريد وظهرت الطوابع كما ظهر ساعي البريد، الذي رافق الناس عقوداً طويلة من الزمن ثم بدأ يختفي تدريجياً عندما أصبحت الرسالة تصل من دائرة البريد إلى الصناديق الخاصة بالزبائن، مباشرة. ومن المتوقع أن تختفي في القريب العاجل، ومع حلول واتساع خدمة البريد الالكتروني، لا وظيفة ذلك الرجل الطيب، الذي يوصل الرسائل إلى بيوت الناس على دراجته الهوائية، فقط، بل وكذلك دوائر البريد نفسها، عندما لا تعود هناك رسائل تصل إلى صناديقها الصغيرة، التي تشبه أقفاص طيور الكناري.
ومع رحيل وانتهاء وظيفة ساعي البريد، ستنقرض أيضا، مهنة طالما أوحت للفنانين والأدباء، بالأفكار والحكايات التي تحولت إلى أفلام سينمائية وأعمال روائية غاية في الرقة والجمال والإبداع. فمن منا لا يتذكر فيلم "ساعي البريد" المصري، الذي أخرجه يوسف شاهين ومثل فيه الدور الرئيسي الفنان شكري سرحان؟ أما على صعيد الرواية فيمكن القول إن أجمل الأعمال التي تناولت هذا الجندي المجهول، هي رواية "ساعي بريد نيرودا" الذي كان يسطو على قصائد الشاعر المعروف بابلوا نيرودا ليرسلها إلى حبيبته على أنها من إبداعه، وبعد أن افتضح أمره خاصمته حبيبته فتدخل نيرودا نفسه ليصلح بينهما ويتوسط عند أهلها ليزوجها له ويصبح ذلك الشاعر الكبير أشبين ساعي البريد عند تسجيل الزواج في الكنيسة.
رسائل الى الأولياء!
عُرف في بعض البلدان العربية والإسلامية، ومنها مصر خاصة، نوع من الرسائل، التي يبعث بها الفقراء والبؤساء والمرضى من الناس، إلى الأولياء والأئمة، طالبين شفاعتهم ورضوانهم، وحتى مساعدتهم في أمور دنياهم. وقد درس أحد علماء الاجتماع المصريين المعروفين، هو الدكتور سيد عويس، في كتاب مهم، صدر له قبل سنوات، مئات من تلك الرسائل، التي يودعها هؤلاء البسطاء، شبابيك أضرحة الأولياء وقبور السادة ورجال الدين، ممن يؤمنون بهم وبمكانتهم الدينية والروحية وبقدراتهم على المساعدة والشفاعة. وخرج الباحث، في كتابه المذكور، باستنتاجات وخلاصات غاية في الأهمية على صعيد دراسة دواخل الناس وحاجاتهم ومستويات القهر الروحي والنفسي الذي بلغوه في حياتهم اليومية، الأمر الذي يدفعهم إلى التشبث بأي سبيل أو وسيلة يمكن أن تساعدهم على تأمين عيشهم أو شفاء أمراضهم المستعصية أو الحصول على مرادهم. كما وجد الباحث، الذي بذل مجهوداً كبيراً، سواء في الحصول على تلك الرسائل أو في دراستها، نوعاً من الرسائل غاية في الغرابة والطرافة معاً، منها، على سبيل المثال، رسائل تطلب من أحد الأولياء مبلغاً محدداً من المال لقضاء حاجة معينة ومحددة، هي الأخرى، للشخص المرسل، أو لأحد أبناء عائلته، كأن يكون مريضاً وبحاجة إلى العلاج، أو عازباً ويريد الزواج. ورسائل أخرى تطلب أن يثأر الولي أو الإمام، لمرسلها، من عدو أو خصم تسبب في الأذى لصاحب الرسالة، لأنه لا يقوى على الإتيان بمثل هذا الفعل لسبب يتعلق بضعفه أو تعففه، أو بسبب مكانة وحصانة ذلك المعتدي وانعدام القدرة على الوصول إليه. ومن بين أكثر الرسائل طرافة على هذا الصعيد، واحدة تشكو للأولياء من بعض رجال الدين الفاسدين، وأخرى تشكو من ظلم دوائر الحكومة وتطلب إحلال العدل والرحمة على الأرض، وثالثة تشكو لهم فجور بعض الأغنياء وأصحاب الجاه والحظوة، وخاصة في الريف المصري الفقير.
والملفت في أمر هذا النوع من الرسائل، إن مرسليها ليسوا دائماً، أو جميعهم من بسطاء الناس، بل بينهم من هو من المتعلمين وحتى من خريجي الجامعات، إذ يدرس الباحث واحدة من الرسائل يذكر فيها صاحبها أنه خريج أحدى الجامعات لكنه عاطل عن العمل منذ تخرجه قبل سنوات، لذلك فهو يطلب في رسالته، من أحد الأولياء، أن يساعده في الحصول على وظيفة لأنه يكاد أن يموت من العوز والجوع، فيما يهدد صاحب رسالة أخرى، وجدت في ضريح أحد الشيوخ، بالانتحار إن لم تستجب دعوته ويحصل على مراده خلال فترة محددة من الزمن!
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال