الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق الرأسمالية المالية

ماجد الشيخ

2009 / 2 / 22
الادارة و الاقتصاد




وابتداع حلول لمشكلة المجاعة والفقر

في ظلّ الأزمة الماليّة والإقتصاديّة العالميّة، التي تبرز الآن ملامح مأزق الرّأسماليّة الماليّة الرّيعيّة، وتأثيراتها المتصاعدة على أقسام واسعة من البشريّة في العالم أجمع، لن يكون بالإمكان الوصول إلى مستويات ناجحة من "تأميم" الخسائر النّاجمة عن تلك الأزمة، والتي لم تزل تتدحرج مثل كرة الثّلج، رغم محاولات علاجيّة هي إلى العقم أقرب، طالما أن هاجس تلك المحاولات لم يتعدّ "تخصيص الأرباح"، وذلك لمصلحة القلّة المنتفعة من تلك الرأسماليّة الرّيعيّة التي إستمرأت جني أرباحها من مضارباتها ورهوناتها وضمانات قروضها، وتلاعبها بأسهم الشّركات والمودعين من رأسماليين أصغر، ومن حالمين بالثّروة من أبناء الطّبقات المتوسّطة التي ستزيدها الأزمة إفقارا فوق إفقار.

هكذا.. وبإختصار نحن أمام كارثة عالميّة غير مسبوقة، حيث يحمل "تأميم الخسائر" و "تخصيص الأرباح" المزيد من رياح وسموم تعميم الفقر، حيث بات مليار شخص يعاني من المجاعة. فيما أزمة الجياع عالميا تسير في اتّجاه واحد: الاستفحال، بينما كانت "الفاو" وهي المنّظّمة التابعة للأمم المتّحدة للأغذية والزّراعة، قد تعهّدت بخفض عدد الجياع حتى العام 2015. وحسب جاك ضيوف المدير العام للمنظّمة، فإنّ أزمة الغذاء العالميّة التي تهدّد باضطرابات اجتماعيّة وتدفع بملايين إلى الفقر، ستتفاقم بسبب أزمة الائتمان العالميّة وانخفاض أسعار الأغذية. ولهذا شارك ممثّلون من 95 بلدا في مؤتمر انتهى يوم 27 كانون الثاني (يناير) الماضي، تابعوا فيه أعمال قمّة أخرى رعتها الأمم المتّحدة في حزيران (يونيو) 2008 في روما، أعلن فيه ضيوف أنّ انخفاض أسعار السّلع الزّراعيّة أو الأخطار الماليّة غير المحسوبة، تتسبّب في تراجع استثمارات المزارعين وتقود إلى انخفاض كبير في إنتاج الأغذية بين 2009 و 2010.

وقد شكّل عام 2007 عاما مفصليّا في تزايد أعداد الفقراء، رغم ما أعلن ويعلن عن مكافحة الفقر هنا أو هناك، ففي هذا العام فقط إنضم
75 مليون شخص إلى قوائم الفقراء، وباتت 36 دولة حول العالم بحاجة إلى معونات غذائيّة، في حين ضاعت جهود 15 عاما لمكافحة الفقر في أميركا اللاتينيّة وحدها، وذلك بفعل الأزمة الماليّة – الإقتصاديّة الرّاهنة. بينما تبرز مخاوف متزايدة من تقليص المساعدات والمعونات المخصّصة للدّول الفقيرة؛ جرّاء إنشغال العالم كلّه بمراكزه وبأطرافه بتلك الأزمة، بينما تتوقّع منظّمة الأغذية والزّراعة (الفاو) أن تشكّل العودة للحمائيّة التّجاريّة جرّاء الأزمة الماليّة؛ سببا أو أسبابا متزايدة لاستفحال أزمة غذائيّة
خلال العام الجاري (2009).

ويبدو أنّه لم يعد ممكنا تلمّس أيّ حلول ناجعة لأزمة المجاعة عبر العالم، فالخلل الجوهري الذّي تعانيه تلك المشكلة هي في كونها أعمق مما تبدو على السّطح، وأعمق مما أشير إليها في حزيران (يونيو) من العام الماضي، وهي تتطوّر وتكبر في ضوء المشكلات الماليّة الرّاهنة، طالما أنّ حركة التّجارة السّلعيّة سوف تتأثّر بالطبع بالمشكلة الماليّة، بل أنّ هذه تؤثّر تأثيرا واسعا وكبيرا على الإقتصادات الحقيقيّة، ما يعني أنّ الوضع المأساوي لحال الجياع في العالم سوف يتفاقم، لا سيّما حين يجري مواراة المشكلة الغذائيّة خلف المشكلة الماليّة، وذلك عبر تركيز المعالجات على "تخصيص الأرباح" والعمل على إنقاذ تلك الفئات من الرّأسماليّة الماليّة، وإحتلاله الهم الأوّل لدى الحكومات.

وإذا كانت قمّة روما التي انعقدت صيف العام الماضي، قد حدّدت رقم 12 مليار دولار لمواجهة الأزمة الغذائيّة، إلاّ أنّ ما قدّمته الدّول المانحة حتى الآن لم يتجاوز المليار، بينما تخصّص لتدخّلاتها في الأزمة الماليّة الآن مئات مليارات الدولارات لإنقاذ حفنة من المضاربين بالأسهم والبورصة، اولئك الّذين لا يقدّمون اليوم للإقتصاد الحقيقي سوى المزيد من الأعباء لتغطية خسائرهم في "إقتصادهم الإفتراضي" الّذي هندسوه ليخدم أهدافهم الأنانيّة فقط.

بيد أنّ استئصال الجوع يبدو هدفا بعيد المنال، في ظل استفحال أزمات هي من صنع البشر أولا وأخيرا، حيث أفادت "الفاو" أنّ ارتفاع أسعار الغذاء أدّى إلى زيادة أعداد الجياع في العالم بنحو 40 مليون شخص خلال العام الماضي 2008، ليرتفع عدد الّذين يعانون من سوء التّغذية إلى 963 مليون شخص. فيما أعلن البنك الدّولي أنّ الارتفاع الهائل في أسعار المواد الأوّليّة في النّصف الأوّل من العام، سيخلّف آثارا دائمة على الاقتصاد العالمي، حتّى مع تراجع الأسعار إلى مستويات معقولة، منذ ذلك التّاريخ. وبحسب البنك ستبرز هذه الآثار في مستويين أوّلهما: زيادة فقر الطّبقات الأشد هشاشة، وثانيهما: الإبقاء على الأسعار في مستويات أعلى من العقود السّابقة.

من هنا ضرورة إلزام الدّول بواجباتها تجاه الفقراء ومشكلة الغذاء المتفاقمة، وهو ما ينبغي أن يسبق ايّ واجب آخر؛ من قبيل إنقاذ المديرين والمضاربين وسرّاق المال العام المهيمنين على مفاصل الإقتصاد الإفتراضي، وذلك قبل أن نكون أمام إحتمالات قيام ثورة جياع كونيّة ضدّ النّظام الدّولي الجائر، الّذي يسمح أو "يتسامح" ويقف متفرّجا إزاء موت مئات الآلاف من الفقراء؛ جرّاء المجاعات وغياب سياسات كفيلة بإنقاذهم من الموت جوعا.

إلى ذلك، فقد حذّر مدير مكتب العمل الدّولي خوان سومافيا (20/10) من أنّ الأزمة الماليّة قد ترفع أعداد العاطلين عن العمل في العالم من عشرين مليون شخص إلى 210 ملايين شخص في نهاية العام الجاري (2009)، بل يمكن لهذه الأرقام أن تتفاقم، وذلك بحسب تأثير الأزمة على الإقتصاد الحقيقي، مؤكّدا الحاجة إلى تحرّك سريع ومنسّق للحكومات للوقاية من أزمة إجتماعيّة؛ يمكن أن تكون قاسية وطويلة وشاملة.

إنّ توصيفات الأزمة هذه، لن تنجو منها كبرى دول العالم، وهي التي أطلقت شرارة الأزمة الماليّة، حيث بدأت الولايات المتّحدة تشهد مآسي إنسانيّة ليس بالإمكان التّغاضي عنها، لا سيّما أنّ القروض الإستهلاكيّة التي تشكّل صمّام أمان في تحريك العجلة الإقتصاديّة باتت تنحسر باضّطراد، وتجّر معها حياة طبقة إجتماعيّة بأكملها، وصلت الأزمة ببعض أسرها إلى قتل النّفس هربا من مواجهة قسوة العوز.

ويؤكّد راصدو نتائج الأزمة بروز ظاهرة إجتماعيّة نفسيّة أشبه بإرهاب 11 أيلول 2001 من حيث الوقع؛ وليس الصّدمة فحسب، وأسوأ ما في الأزمة داخليّا، أنّ القروض الإستهلاكيّة الممنوحة للأسر الأميركيّة تراجعت في آب (أغسطس) من العام الماضي بنسبة 7,3 في المئة، مسجّلة أكبر إنخفاض منذ كانون الثّاني (يناير) من العام 1998، وهو تراجع يضيف عنصرا سلبيا جديدا إلى وضع إقتصادي قاتم، ويكتسب بعدا خاصا في الإقتصاد الأوّل في العالم.

من هنا الحاجة إلى نظام دولي جديد، مالي وسياسي، وليس مجرّد فتح الأسواق وجعلها هي الحكم وترياق الحلول، عبر إنقاذها من الإفلاس جرّاء ممارساتها في المضاربة واللعب بأموال النّاس وشفطها. وتقبع مسؤوليّة الدّولة هنا ليس في الإتّجاه نحو العمل على "تأميم الخسائر" وبالتّالي "تخصيص الأرباح" لمصلحة قلّة مضاربة من رأسماليّة متعدّية للجنسيّة، بل "تخصيص الخسائر" وحصرها بهؤلاء، بدلا من تعميمها على المكلّفين من أبناء الشّعب الفقراء ومتوسّطي الحال عبر العالم كلّه، و"تأميم الأرباح" وفق ما يمكن لرأسماليّة دولة وطنيّة؛ وهي تسعى للحفاظ على بلدانها وأنظمتها الإقتصاديّة والسّياسيّة في مواجهة الخضوع لتبعيّة الخارج وهيمنته الإمبرياليّة، حيث قامت وتقوم عقيدة "حرّيّة الأسواق" الآن بتدمير نفسها، لتتجاوز في تأثيراتها التّدميريّة والتّخريبيّة حدودها إلى مناطق العالم كافّة، بل ولتتجاوزها إضرارا وتدميرا إلى الغير .. ومحاولة حصرها بهذا الغير فقط؛ وسط عالم أضحى أكثر تعولما، أدّى إنفتاحه المتزايد، وبلا حساب، بل وساعد في انتشار الأزمة من مركز إلى آخر، ومن المراكز حتّى الأطراف النّائية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى الجزائر إلى منافسة المغرب في تصدير الطماطم إلى أوروب


.. ملف الاقتصاد في المناظرة الرئاسية الأميركية.. ترامب الأقوى




.. التحدي الاقتصادي يتصدر أولويات الرئيس الإيراني الجديد وسط تض


.. عمرك شوفت زراعة السمسم.. زراعة 15 ألف فدان بمحصول المنتج الذ




.. التصعيد بين إسرائيل وحزب الله: ما الأضرار الاقتصادية على لبن