الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور السياسات الاقتصادية في استفحال ظاهرة البطالة في العراق

فلاح خلف الربيعي

2009 / 2 / 22
الادارة و الاقتصاد


تشير التجربة الاقتصادية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة إلى فشل الحكومات، وبدرجات مختلفة، في تطبيق إستراتيجية وسياسات اقتصادية قادرة على بناء اقتصاد قادر على تأمين النمو الاقتصادي المتواصل، الذي يؤمن فرص التشغيل المنتج ، والقادر على تعزيز المنافسة وتمويل مشاريع البنية الأساسية والمرافق والخدمات العامة.
وقد أسهم هذا الفشل في استفحال المشاكل السياسية والاجتماعية في البلاد ، وفي مقدمتها مشكلة الارتفاع الكبير في معدلات البطالة وبفعل تراكم الأخطاء الإخفاقات أصبح أكثر من نصف شباب المدن العراقية عاطلون عن العمل، في حين لا تتجاوز مشاركة المرأة في القوة العاملة 19 % ، وهذه البطالة في معظمها بطالة هيكلية ناجمة عن توقف قطاعات الإنتاج الرئيسية وبخاصة قطاع الزراعة والصناعة التحويلية ومعظم الأنشطة الخدمية من ناحية والتحول في أنماط الطلب على القوى العاملة في سوق العمل من ثانية ، فضلا عن دو العامل الموضوعي المرتبط بطبيعة سوق العمل التي تتطور بسرعة أكبر من التطور في نظام التعليم والتدريب وما سيترتب على ذلك التطور من اختلال العلاقة بين الشروط المطلوبة في سوق العمل والمؤهلات المعروضة من مخرجات النظام التعليمي.
فهذه المشكلة ارتبطت بمجموعة واسعة ومتشابكة من العوامل والتحديات، في مقدمتها التوجهات غير الرشيدة للسياسات الاقتصادية لتلك الأنظمة ، التي أهملت القطاعات الإنتاجية وسخرت الإيرادات النفطية لتمويل والمؤامرات، والتطهيرات، والتطهيرات المضادّة، والقمع الفظيع للمخالفين في الرأي.
وأخيراً وليس آخراً الحروب، والمغامرات الطائشة للنظام السابق الذي تبنى مجموعة من السياسات النقدية والمالية التوسعية غير العقلانية وبالخصوص سياسة تمويل العجز في الموازنة العامة عن طريق الإصدار النقدي الجديد، فأدت إلى ارتفاع معدلات التضخم و تدهورت مستويات المعيشة، في مقابل ذلك خفضت من الإنفاق على قطاعات التعليم والصحة، ونجم عن ذلك ارتفاع في معدلات التسرب المدرسي وانخفاض في كفاءة نظام التعليم ، وتدهور إنتاجية رأسمال البشري، وأصيبت فرص التشغيل بأفدح الإضرار.ولمتابعة تأثير تلك السياسات على أنماط الطلب على القوى العاملة ومستويات البطالة في العراق، يجري التمييز عادة بين مرحلتين مهمتين في تطور الاقتصاد العراقي :-
الأولى :هي مرحلة الفورة النفطية التي استغرقت عقدا كاملا هو عقد السبعينات من القرن العشرين وما صاحبها من فائض في الموازنة العامة، وتبني للسياسات الاقتصادية التوسعية وزيادة حجم التخصيصات الاستثمارية الموجهة نحو جميع الأنشطة الاقتصادية.وقد أظهرت تجربة التنمية في تلك المرحلة عن وجود إمكانيات كبيرة لتوظيف الموارد النفطية في مشاريع عامة منتجة والقدرة على تطوير الطاقات المؤسسية في إدارة الاقتصاد.
الثانية:هي مرحلة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي بدأت منذ مطلع الثمانينيات من القرن العشرين ومازالت مستمرة لحد الآن، حيث واجه العراق في ظروف تلك الأزمة مختلف أنواع الويلات والمصاعب بدء من التدهور الكبير في إيرادات النفط مرورا بالحروب المدمرة وعسكرة للاقتصاد والحصار الاقتصادي الدولي وأنتهاءاً بالاحتلال. وساهمت هذه الظروف في تعميق الاتجاه الركودي في الاقتصاد و تدهور قابلية القطاعين العام والخاص على استيعاب المشتغلين.
كما شهدت نوعية التعليم في تلك المرحلة تراجعاً ملحوظاً ، نتيجة لتوقف عمليات تطوير البنية التحتية المتعلقة بالأبنية المدرسية والجامعات والمعاهد وعمليات تطوير المناهج،كما أدى ارتفاع معدلات التضخم وتدهور مستويات رواتب إلى إضعاف حوافز أعضاء هيئات التدريس. وكانت المحصلة هي عجز النظام التعليمي عن إنتاج الخريجين المؤهلين للعمل، والنقص الواضح في المهارات وهبوط الإنتاجية، كما شهدت هذه المرحلة تفاقم ظاهرة بطالة الخريجين للأسباب الآتية:ـ
1ـ تخلي الدولة عن أسلوب التعيين المركزي في توظيف الخريجين
2ـ ضعف قدرة القطاع الخاص على استيعاب الخريجين، أو خلق فرص العمل الملائمة التي تتناسب مع تخصصاتهم العلمية.
3ـ عزوف الشباب عن التعليم المهني أو التقني، وميلهم نحو التخصصات الإنسانية مما ضخم أعدادهم في هذه التخصصات.
4ـ أخفاق خطة القبول المركزي في تحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم و احتياجات سوق العمل
5ـ وضعت الضغوط الاجتماعية عدد من القيود على مشاركة المرأة في سوق العمل وحصرتها في بعض الأنشطة كالتركيز على التدريس، وهذا الأمر أضعف من تأثير الزيادة في نسبة مشاركة الإناث في سوق العمل، كما أدت العوامل الاجتماعية الى تركز المشتغلين في الأجهزة الحكومية وتضخم الجهاز الإداري كما دفعت تلك الضغوط صانعي السياسات التعليمية الى مخالفة شروط سوق العمل والاستجابة للشروط الاجتماعية .
6ـ شيوع الأمية المهنية لمعظم الخريجين وظاهرة الخوف والقلق من مواجهة المهن
7ـ ضعف الرغبة في التعيين، جراء ارتفاع معدلات التضخم وتآكل قيمة الأجور والرواتب الحقيقية .
8ـ توقف معظم المشاريع والمصانع عن الإنتاج بعد عام 2003، نتيجة لتدهور الحالة الأمنية وعدم توفر الطاقة الكهربائية .

لم تبرز ظاهرة البطالة بوضوح خلال عقد الثمانينات والتسعينات بسبب ظروف التعبئة العسكرية العامة التي شملت معظم الإفراد النشطين اقتصاديا ، وهذا ما يفسر استفحال تلك الظاهرة بعد سقوط النظام في ابريل 2003،وبعد أن اتخذت إدارة الاحتلال الإجراءات بحل الجيش السابق وتسريح مئات الآلاف من المطوعين والمكلفين في الجيش والشرطة وقوى الأمن الداخلي، فضلا عن توقف العمل بقانون الخدمة الإلزامية ، وتفاقمت تلك الأزمة نتيجة استمرار تدهور الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي وعدم اتخاذ الإجراءات السريعة لمعالجة البطالة العالية والفقر وارتفاع الأسعار، وتعمير البنية الأساسية، وتأهيل الصناعات الرئيسية المخربة، وخاصة منها طاقات إنتاج الكهرباء ومياه الشرب، وتقديم الخدمات العامة. فبدلاً من معالجة الأزمة منذ البداية، كان اهتمام متخذي القرارات متركزاً في تجارة النفط الخام، والتمهيد لخصخصة الصناعة النفطية، وترويج لمنح الأسبقية للشركات الأجنبية في عمليات الاستثمار .

شكلت نتائج تلك المرحلة الثمرة المرة للسياسات غير العقلانية وللفشل في توظيف الموارد النفطية في بناء اقتصاد قوي يؤمن زيادة مستمرة في النمو والتشغيل وقدرة على تمويل مشاريع البنية الأساسية والمرافق والخدمات العامة ، و في جميع مراحل تلك الأزمة، كان التصرف السيئ بالموارد النفطية، ولا يزال، أحد الأسباب الرئيسية في وجودها. ولهذا فإن ترشيد التصرف بتلك الموارد سيظل العامل رئيسي في علاجها ، لذا أصبحت معالجة التوجهات غير العقلانية في السياسات الاقتصادية أمر ضروريا في المستقبل ،لأن استمرار العمل بهذه السياسات من شأن أن يعمق الأزمة الاقتصادية الحالية بجميع مظاهرها المتمثلة بتراجع النمو في قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات، وانخفاض الدخول، وزيادة البطالة، وانتشار الفقر، وارتفاع الأسعار، وزيادة النقص في الخدمات والمرافق العامة، واستمرار النقص في الكهرباء ومياه الشرب، وتزايد الحاجة لإنشاء البنية الأساسية الاقتصادية (المادية) والاجتماعية والبيئية.وزيادة المديونية الخارجية . وفي المدى البعيد، فإن المظهر الأبرز في تلك الأزمة هو طبيعتها الهيكلية المتمثلة باستمرار بقاء الاقتصاد الوطني رهينة لهيمنة قطاع النفط.
وبعيداً عن تفاصيل الأساليب والتحليلات الفنية المستخدمة في تلك المعالجة،نؤكد على أهمية التركيز على العناصر الهادفة إلى تحرير الاقتصاد من هيمنة قطاع النفط والتأكيد على أهمية التصرف الرشيد بالإيرادات النفطية ورفع مستوى النشاط الاستثماري والإنتاجي وتعزيز دور القطاع الخاص كسبيل وحيد لزيادة الدخول والتوظيف والتحسن في مستويات المعيشة على أن يقترن ذلك ببرنامج اقتصادي يهدف إلى توظيف الإيرادات النفطية لصالح الاستثمار العام في برامج ومشاريع البنية الأساسية والخدمات الاجتماعية العامة، ومن المهم أيضاً إدراك العلاقة السببية القوية بين تفاقم المشكلات الأمنية والاجتماعية والسياسية وبين استمرار المشكلات الاقتصادية والمعيشية من ناحية، وعدم التقليل من خطورة الأزمة الاقتصادية بحجة توفر الثروة النفطية والتفاؤل بالمستقبل من ناحية أخرى.

وبقدر تعلق الأمر بمشكلة البطالة ينبغي اتخاذ الخطوات الكفيلة بمعالجة تلك المشكلة من خلال العمل على:-
1ـ دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتنميتها لكونها مشاريع كثيفة وتساهم فعلياً في امتصاص جزء كبير من البطالة.
2ـ العمل على تحديث المناهج التعليمية وجعلها أكثر مواكبة للتطورات العلمية المستجدة، وبما يضمن تأهيل الخريجين من الناحيتين العلمية والعملية.
3ـ استحداث برنامج وطني يقوم على التنسيق بين الوزارات المختلفة مثل التعليم العالي والبحث العلمي والتخطيط والتعاون الإنمائي ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية لخلق فرص العمل التي تتناسب ومؤهلات الخريجين في القطاعين العام والخاص، مع عدم تناسي الدور الذي قامت به كل من وزارة التربية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية في هذا المجال.
4ـ المواءمة بين مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل وبما يؤدي إلى تلبية احتياجات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وضمان تنمية القدرات البشرية لدعم التنمية البشرية المستدامة من خلال إعادة النظر بخطة القبول المركزي.
5ـ الاهتمام بالتعليم المهني والتقني بما يعزز مهارات الخريجين ويلبي احتياجات سوق العمل.
6ـ دعم القطاع الخاص من أجل خلق المنافسة المشروعة بينه وبين القطاع العام خدمة لدعم الاقتصاد الوطني.
7ـ تحسين الكفاءة الداخلية لنظام التعليم من خلال محاربة الفساد والممارسات الإدارية البيروقراطية، وتوزيع الموارد المالية بتنسيق أفضل بما يخدم الإنفاق على التعليم والاستثمار فيه أكثر من الإنفاق على الجوانب الإدارية.
8ـ العمل على تحسين المناخ الاستثماري وخلق بيئة استثمارية لتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية من أجل خلق فرص العمل للخريجين وحسب مؤهلاتهم العلمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سعر جرام الذهب عيار 21 يستهل تعاملات اليوم عند 3160


.. البنك المركزى: تعطيل العمل بالبنوك الأحد




.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 26 يونيو 2024 في مصر


.. أخبار الصباح | ترمب يتقدم في مواجهة بايدن بفضل الاقتصاد وجور




.. مناظرة ثلاثية بين الكتل الانتخابية الكبرى في فرنسا... ماهي أ