الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصر جديد يعزز الديمقراطية والثورة الحمراء

فنزويلا الاشتراكية

2009 / 2 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن إطلاق اسم ”الثورة البوليفارية“ على التغييرات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتم في فنزويلا بالأمر العبثي أو حباً فقط بكلمة ثورة، بل هو وصف دقيق للعمل الملموس على أرض الواقع الذي يسبقه فكر متحرر من قيود التخلف والرجعية قادر بفضل ثوريته على الوصول للجديد دون تردد.

ومن هذه الثورية أو ”الأيديولوجية الثورية“ حسب وصف الرئيس تشافيز ينطلق أعضاء الحزب الاشتراكي الموحد لتنفيذ المهام التي يرون أنها واجبة التطبيق في الميادين كافة بما يخدم مصالحهم الطبقية مصطدمين بكل أنواع الآراء والتحديات النظرية وبشكل مختصر الأيديولوجيات المعارضة التي إن عارضتهم في بعض الأحيان لأنها ترى في العمل الثوري الجديد ضرراً فإنها غالباً ما تعترض طريق الثوريين لأنهم لا يتقيدون بالقديم السائد وبالتالي هم خارجون عن ”العادات“ أياً كانت العادات وأياً كان أسلوب التخلص منها وبهذا تتهمهم بالتخريب أو بالطوباوية.

وطوال الفترة السابقة من عمر الثورة البوليفارية منذ تولي الرئيس تشافيز للرئاسة في فنزويلا كانت التغييرات الجذرية على وجه الخصوص تتعرض لانتقادات شديدة كما حدث عندما تم العمل على الإصلاح الزراعي، أو تتسبب بردود أفعال عنيفة كالمحاولة الانقلابية الفاشلة التي أعقبت تأميم شركة النفط الفنزويلية PDVSAوسواها من الأعمال التي غيرت في فنزويلا.

ومؤخراً علت أصوات البرجوازية ضد الثورة لخروجها عن أحد التقاليد السائدة في البلاد وهو تقدم الجمعية الوطنية بتعديل دستوري وعرضه على الاستفتاء الشعبي العام بحجة أن هذا التعديل هو خروج عن الديمقراطية وتهديد لها ولمستقبل فنزويلا.

وهي ذات الذرائع التي ترددها الطبقات التي كانت سائدة سابقاً وتحديداً في بلدي الثورة الأكثر راديكالية: فنزويلا وبوليفيا، فحين تقدم الرئيس في العام 1999 بالدستور الفنزويلي المعمول به حالياً واجه معارضة شديدة لأنه أقر حقوقاً أساسيةً كالتعليم والرعاية الصحية وسواها لضمان العيش الكريم للإنسان وكانت ذريعتهم لرفضه في حينها أنه سيزيد من دور الدولة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطن وهو ما لم تعتد فنزويلا عليه في الماضي وكان وقتها خروجاً عن ”العادات“ وإن كان هذا "الخروج" قد حدث في العديد من الدول الرأسمالية المتقدمة، فإن البرجوازية الفنزويلية قد عارضته, فهذه الطبقات السائدة لا تبتعد عن السلطة إلا بصعود قوى ثورية أكثر تقدمية ومعارضة تلك الطبقات للثورة ما هي إلا لمعارضة التغيير والجديد الذي يهدد سلطانها وهو ما كان في فنزويلا وما حدث مع الدستور البوليفي الجديد عندما حاولت مراراً وتكراراً البرجوازية البوليفية منعه من الإقرار بكافة الوسائل الديمقراطية منها وحتى العنفية.

وبعد إقرار الدستور الفنزويلي الحالي وتحول العمل به إلى ”عادة وتقليد“ لم تكن البرجوازية الفنزويلية وحدها المعارضة لأي تعديل جديد عليه، بل شاركتها في ذلك أصوات كانت محسوبة في السابق على الثورة، وهذه الأصوات الداخلية منها والخارجية التي كانت قد أيدت في السابق دستوراً يقر الحقوق الأساسية رافضةً في حينها حجة أن ضمان الدولة لتلك الحقوق هو تجاوز للديمقراطية لأنه يتنكر للعرف القديم، تعود اليوم لتقع في ذات الموضع الذي وجدت البرجوازية نفسها فيه سابقاً بمعارضتها التقدم والتجديد وتعاملت بجمود مع الثورة التي تصعّد من درجات مرونتها لتكون قادرة على محاكاة التحديات الجديدة.

التعديل الجديد درست شرعيته وأعطته الموافقة أعلى هيئة دستورية في البلاد وقدم للجمعية الوطنية لمناقشته والتصويت عليه بعد أن جمع أكثر من 5,5 مليون توقيع وهو أضعاف عدد التواقيع المطلوبة لطرح تعديل دستوري على الجمعية الوطنية التي وافقت بغالبية أعضائها على الاستفتاء الشعبي العام عليه. فكل المراحل السابقة لهذا التعديل-أي قبل عرضه على التصويت-كانت ديمقراطية 100% ودستورية بشكل كامل ولم تخرج عن القانون ليكون عملاً استبدادياً واستمر التعديل بالعبور على الطرق الديمقراطية حتى بلغ مفترق طرق إما أن يقر فيه ويوافق عليه بغالبية أصوات الفنزويليين أو يرفض وكأنه لم يكن في استفتاء أشرف عليه مراقبون محليون ودوليون سواء كأفراد أو كممثلين عن منظمات وهيئات دولية وإقليمية وهو ما حدث في كل انتخابات وكانت آخرها الانتخابات المحلية الفنزويلية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) التي شهدها مئات المراقبين وأكدوا على نزاهتها وأقر الجميع بأن انتخابات فنزويلا هي بين الأفضل عالمياً من حيث المقاييس الثلاثة: النزاهة والشفافية والفاعلية، وهذا ما كان في الاستفتاء الأخير.

فدستورية التعديل وديمقراطية طرحه والتصويت عليه واستحالة التشكيك بنزاهة عملية الاستفتاء هي ما تفسر توجه معظم المعارضين له لانتقاده على أنه يمهد للتحول إلى حكم ديكتاتوري فردي، وأن العطل ليس في التعديل بحد ذاته بل بآثاره اللاحقة، فالنظم الديمقراطية-بحسب رأيهم-تفرض حدوداً على عدد المرات التي يجوز لرؤساء الدول والحكومات أن يتولوا فيها المناصب ذاتها، كما هو الحال في فرنسا وطبعاً في الدولة الأنموذج للديمقراطية-كما يرونها-الولايات المتحدة الأمريكية، وترك فرد واحد ليكون على رأس السلطة التنفيذية لفترات غير محددة هو من سمات النظم الاستبدادية.

وإن هكذا ذريعة توصلنا وفقاً لآلياتهم المنطقية لنتيجة مفادها: إن كان النظام الاستبدادي يتميز بحكم فرد لفترات غير محددة فإن كل نظام لا تحدد فيه فترات ولاية كل منصب فيه هو نظام استبدادي. وهذا يشبه القول بأن: إن كانت السمكة قادرة على الغوص في عمق المياه فإن كل ما يغوص في المياه هو سمكة. وهذا تسطيح لما تحمله نظم الحكم ومجتمعاتها من تراكمات تاريخية ومفاهيم فكرية وأهداف سياسية وأيديولوجية بشكل عام.

وينحدرون في كثير من الأحيان من السذاجة والتسطيح إلى التلفيق، فمن دول الاتحاد الأوروبي 17 دولة لا تفرض حدوداً على عدد الولايات لقادتها، ومنها بريطانية وألمانيا وإيطاليا والسويد والدنمارك وهولندا وبلجيكا وإسبانيا، ففي تلك الدول وباختلاف نظم الحكم فيها يحق لرئيس السلطة التنفيذية أن يستمر بمنصبه إلى ما لا نهاية مادام يحصل على التأييد الشعبي الكافي لاستمراره بمنصبه.

أما اعتبار أن وجود الفرد ذاته في المنصب عينه لفترة زمنية طويلة يهدد الديمقراطية ويدل على وجود أزمة في البلاد العاجزة عن تقديم شخصيات قيادية لتضخ دماء جديدة في السلطة، فهو أمر يستحق الوقوف عنده، ففي فرنسا مدة الفترة الرئاسية 6 سنوات وفي الولايات المتحدة الأمريكية 4 سنوات ووفق آلية فهمهم للأمور فإن الولايات المتحدة الأمريكية تتقدم بديمقراطيتها على فرنسا التي يبقى فيها الرئيس لفترة زمنية أطول، وتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق كان يمضي بدربه نحو الديكتاتورية لولا أن شعبيته تراجعت وأرغمته على التنحي عن منصبه. ويعني بالضرورة أن الشعب الأمريكي يتفوق على الفرنسي بقدرته على إخراج قيادات جديدة في فترات أقل، وطبعاً دول مثل بريطانية والدنمارك والسويد أتعاني من أزمة باستمرار عدد من المسؤولين المنتخبين فيها في مناصبهم لفترات زمنية طويلة؟ أهي شعوب تخوض في أزمات وتتجه نحو النظم الاستبدادية؟!

المسألة ليست في تغيير الأشخاص بحد ذاتهم، فقد يتبدل الأفراد ويستمر النهج، وقد يسوء الأداء، وقد يبقى هذا أو ذاك في منصبه ويتحسن عملهم وقد يتراجع، فالمسألة ليست بتبديل الأوجه بل بالعمل الذي تقدمه، والأهم من كل شيء إن كان هنالك قدرة على تقييم الأداء أم لا وهل يمكن التصرف بصدد هذا التقييم.

قال الرئيس تشافيز إن "القرار السيادي للشعب الفنزويلي" هو الذي سيحدد مصيره، فالديمقراطية باختلاف تعريفاتها وباختلاف المتحدثين باسمها تمتلك نقطة تلاقي في جزء منها ألا وهو حكم الأكثرية للأقلية، وحكم الأكثرية هو فرض رغباتها لتلبية مصالحها وتحقيق ما تراه مناسباً، أي أن الديمقراطية هي أداة لفرض إرادة الغالبية سواء بتغيير لون العلم الوطني أو تبديل اسم هذا الشارع أو ذاك وتأميم هذا المصنع أو خصخصته وهي حتماً لا تتوقف عند فرض الأهم وهو اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب، وبما أن الفرد في مجتمعه هو الأقدر على تقدير مناسبة هذا الفرد أو ذاك لأحد المناصب بحكم تفاعله المباشر معه فلا بد له بذاته أن يختار من يشاء، سواء برغبته بالتغيير أو للاستمرار مع مسؤول قدم المطلوب منه وليس بفرض قيود عليه لمنعه من فرض رغبته وإرادته بحجة أن الشعب "جاهل" لا يعرف مصلحته وأن النخب هي الأدرى بمصلحة البلاد، ففنزويلا اختارت أن يكون للإنسان أياً كان حقه بتقرير مصيره أياً كان هذا المصير للتقدم نحو اشتراكية القرن الواحد والعشرين التي ترى في الديمقراطية أداة لفرض الإرادة الشعبية وليست لسلبها.

فإما أن يكون المرء مؤيداً لفرض قيود على المواطن وتحديد اختياراته كما لو أنه "قاصر" مهما كانت الذرائع، أو أن يؤيد منح كل الخيارات للشعب بكل طبقاته لتحديد ما يراه مناسباً والتعامل مع الإنسان كإنسان حر لا كإنسان سيستمر بقيده وإلى الأبد كما لو أننا وجدنا على هذا الكوكب مقيدين بالمحرمات وسنبقى كذلك إلى ما لا نهاية.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السلطة المطلقة مفسدة مطلقة
سوري ( 2009 / 2 / 23 - 06:18 )
السلطة المطلقة مفسدة مطلقة منذ الأزل وإلى الأبد سيبقى هذا الشعار صحيحاً

اخر الافلام

.. جماهير ليفربول تودع مدرب النادي التاريخي يورغن كلوب


.. ليبيا: ما هي ملابسات اختفاء نائب برلماني في ظروف غامضة؟




.. مغاربة قاتلوا مع الجيش الفرنسي واستقروا في فيتنام


.. ليفربول الإنكليزي يعين الهولندي أرنه سلوت مدرباً خلفاً للألم




.. شكوك حول تحطم مروحية الرئيس الإيراني.. هل لإسرائيل علاقة؟