الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عولمة الثقافة

ايمان محسن جاسم

2009 / 2 / 23
العولمة وتطورات العالم المعاصر


إن الثقافة بشكل عام هي الذاكرة الجمعية لأي مجتمع من المجتمعات، وهى تشكل قيم هذا المجتمع والسلوكيات المرتبطة بالأدوار المختلفة فيه. فالثقافة هي أساس هوية المجتمع وانتمائه، وتميزه عن غيره من المجتمعات ويتكون العالم من مئات، بل آلاف الثقافات والثقافات الفرعية، فالثقافة سمتها الأساسية هي التنوع، مع وجود حد أدنى من الاتفاق حول القيم الإنسانية الأساسية. وهكذا يمكن أن نتحدث عن هوية عربية، أو عقائد هندية أو ثقافات بدائية في أدغال أفريقيا .والتجانس الثقافي بين البشر سابق بعصور طويلة على ظهور العولمة الحديثة، لكنه كان محدودا بأقاليم معينة متمايزة ثقافيا مثل الثقافة الإسلامية، والثقافة اليونانية، وغيرها. وشكلت هذه الأقاليم تجمعات ثقافية تجمع فيما بينها سمات مشتركة وتميزها عن غيرها سمات أخرى.والعولمة الثقافية تؤدى إلى زيادة المساحة المشتركة بين الثقافات في كل أنحاء العالم، وخلق ثقافة جديدة منفتحة على كافة الآراء والاتجاهات، والتطورات العالمية.والعولمة الثقافية كما نعيشها اليوم هي وليدة تطورين أساسيين، الأول تطور سياسي اجتاح العالم في نهايات القرن العشرين وهو انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وحلفائها، والاتحاد السوفييتي وحلفائه، والثاني هو التطور التكنولوجي الهائل في وسائل الاتصال العالمية والبث الإعلامي الفضائي، الذي أصبح يربط البشر في كل لحظة، وفى كل أنحاء الأرض. فقد أدت نهاية الحرب الباردة إلى رفع الحواجز أمام انسياب المعلومات والتفاعلات بين البشر في مختلف بقاع الأرض، فالاهتمامات بحقوق الإنسان، والديمقراطية وحفظ السلام والعدالة الاجتماعية وفرص الحياة الكريمة، وحماية البيئة، هي كلها اهتمامات ذات طابع إنساني. من ناحية ثانية، لعب التطور التكنولوجي ووسائل الاتصال الحديثة دورا أساسيا في تسريع وتسهيل عملية عولمة الثقافة، بمعنى تطوير وعي وإدراك وقيم ثقافية عالمية. فوسائل الاتصال والإعلام الحديث، والإنترنت، نجحت في توسيع دائرة الاهتمام بالقضايا الإنسانية، وسهلت للمواطن العادي في العالم كله متابعة المعلومات والتطورات حول تلك القضايا، وتجاوزت ذلك في بعض الأحيان إلى المساهمة في تشكيل قناعات وأنماط سلوكية معينة ذات طابع عالمي. فالعولمة الثقافية هي وليدة زوال الموانع السياسية، من ناحية، وزيادة التفاعل والاتصال العالمي نتيجة للتطور في تكنولوجيا الاتصال والفضائيات من ناحية ثانية. ولذلك، أصبحت قضايا مثل التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان والشفافية والمحاسبية ومكافحة الفساد وحقوق المرأة وحماية البيئة، وغيرها من القضايا العالمية، ويهتم بها المواطنون في جميع أنحاء الأرض.
وهناك حركة عالمية تدعو إلى صياغة مواثيق أخلاقية عالمية تعتمد على التراث الأخلاقي للإنسانية، والثقافة المعاصرة، وأساسها قيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. والحركة العالمية لبناء الاتفاق حول عدد من القيم الإنسانية، وخاصة احترام حقوق الإنسان هي حركة سابقة على العولمة المعاصرة. فقد اهتمت منظمة الأمم المتحدة منذ نشأتها، بوضع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان منذ حوالي نصف قرن. ونجحت هذه الجهود بالفعل في إصدار عدد من المواثيق الدولية مثل: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والثقافية 1966. كما امتد التشريع الدولي لحقوق فئات معينة من البشر، فصدرت الاتفاقية الدولية لحماية اللاجئين 1951، والاتفاقية الدولية لقمع جريمة التمييز العنصري والمعاقبة عليها 1973، واتفاقية حقوق الطفل 1989، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1981، وغيرها من الاتفاقيات العالمية التي تسعى للاتفاق على احترام حقوق وحريات البشر اعتمادا على القاسم المشترك بين الثقافات المختلفة. ولكن الجديد في عصر العولمة، هو ذلك الوعي الجديد الذي ينتشر تدريجياً بين البشر -على اختلاف أشكالهم وألوانهم، وانتماءاتهم السياسية، ومستوياتهم الاجتماعية والثقافية- بتلك الموضوعات التي كانت من قبل حكرا على الحكومات والهيئات الدولية، وبعض المنظمات المحدودة، والقليل من المثقفين.الجديد أيضا في عصر العولمة أن الوعي بالقضايا الإنسانية يترجم نفسه في صورة حركة عالمية لصياغة برنامج عمل لمواجهة بعض القضايا العالمية موازية لحركة الحكومات والدول. وتشترك في هذه الحركة أطراف اكتسبت أهمية متزايدة هي أساسا المنظمات غير الحكومية، بل إن أعدادا كبيرة من البشر أصبح متاحا لها اليوم التأثير على الرأي العام، ويطلق البعض على هذه الظاهرة التي بزغت في عصر العولمة، ظاهرة المجتمع المدني العالمي.ولكن هذا الانفتاح المعولم لا يخلو من المخاطر، فثمة مخاطر تحملها في طياتها أدوات الإعلام المختلفة حيث أن الإعلام هو اليد الطولي للعولمة، وإن دولة كأمريكا تنتج 60 % من البث التلفزيوني المشاهد في العالم ما يعنى القدرة على تعميم المفاهيم والقيم وتسويق القدرات، فالمنتج الإعلامي العولمي يروج للقدرات غير المتناهية للكيان الأمريكي وهو ما يثير الشعور بالدونية لدى الكيانات الصغرى التي لم يصلب عودها، فكل أفريقيا بما فيها الدول العربية في شمال أفريقيا تملك 1.4 % من المحطات التلفزيونية وتنتج 1.8 % من الكتب الصادرة في العالم .لم يستفز الإعلام عولمي التأثير (الهوية) فقط داخل الشباب بل استفز أيضا القيم والتقاليد وحرك ثباتها فتأرجحت ولم تستقر بعد، وما زال الوقت مبكرا أمام استقرارها في ظل غياب ستراتيجيات ثقافية مدروسة ذات رؤى محددة فإن حالة التأرجح ستبقى هي الحاكمة لسلوك المجتمع والشباب، كما تساهم في تنامي الازدواجية داخل مجتمعنا، تلك الازدواجية تتقدم أو تتراجع بناء على قوة الكيان المجتمعي أو قوة كيان الشباب وعلى مدى النضج النفسي والاجتماعي والمعرفي ودرجة التحقق الاقتصادي والانسانى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
احمد الجعافرة ( 2009 / 2 / 23 - 19:27 )
شكرا لك عزيزي لأنك انرت الطريق لي حول موضوع الثقافه العالميه فكما فهمت من مقالك ان وسائل الاتصال الضعيفه في العصور السابقه كانت سبب في ايجاد ثقافة المجتمع المغلق
اما في هذا العصر الذي انفتحت به وسائل الاتصال واصبحت عالميه فانه من الضروري ان تكون الثقافه عالميه وبالتالي تنهار كل الثقافات الاقليميه والقطريه امام هذه الثقافه الطاغيه والتي لا نملك لها رد
ومن هنا يأتي اهمية الحديث عن ثقافة الانسان كونه انسان وليس كونه انسان في اقليم معين او قطر معين
شكرا لك عزيزي مرة اخرى والى الامام

اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل