الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قبل اطلاق رصاصة الرحمة على خيار الدولتين

جهاد الرنتيسي

2009 / 2 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


للمفاصل التاريخية قوانينها ، فهي محطات انتقال من زمن الى آخر ، ورغم انشدادها الى زمن مضى ، تضع بصماتها على مسارات المستقبل ، وتضبط ايقاع القادم من التحولات .

والمؤشرات المحيطة بالمنطقة تتجه بوتيرة متسارعة نحو مفصل تاريخي ، يحدث قطيعة مع حالة التنميط السياسي الراهنة ، و يحدد معالم مختلفة لمراحل مقبلة .

فالنمطية في حياة الشعوب والدول لا تلغي التراكمات ، حتى لو تضاءلت مساهمات هذه الشعوب والدول في تغيير واقعها ، وتعاظم دور المحاور الاقليمية والدولية في صناعة مستقبلها .

الجزء الاكبر من التحركات السياسية التي شهدتها المنطقة تمحور حول التأهب للتعامل مع مناخات جديدة افرزتها صناديق الاقتراع الاسرائيلية .

فهناك قناعة لدى المنشغلين بالتطورات السياسية التي تشهدها المنطقة والعالم ، تتمثل في ان اتساع حضور اليمين المتطرف في الحياة السياسية والاجتماعية الاسرائيلية ، يقود الى نتيجة واحدة ، هي ادخال تغييرات جذرية على قواعد اللعبة السياسية في المنطقة .

قد تبدأ هذه التغييرات باطلاق رصاصة الرحمة على خيار الدولتين الآخذ في الاحتضار منذ سنوات ، مع استمرار الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة في تقويض اساسات قيام الدولة الفلسطينية المستقلة من خلال استمرار الاستيطان ، و البحث عن ذرائع للتهرب من الاتفاقات ، وتقويض السلطة الوطنية ، الا ان النهايات تبقى مفتوحة ، وليست محكومة بالبدايات ، وان تأثرت بها .

المراحل التالية لدفن خيار الدولتين ـ حسب التصور الاسرائيلي ـ تقود الى الحاق الضفة الغربية بالاردن ، سواء بضم ما يتبقى من ارض وسكان ، او ايجاد دور اردني في ادارة السكان دون انهاء الاحتلال .

لتمرير هذه التصورات يجتهد الليكود الاسرائيلي في طرح فكرة الانعاش الاقتصادي للضفة الغربية .

ذهن نتنياهو وهو يطرح تصوراته لا يخلو من اعتقاد بنضوج الظروف الفلسطينية والعربية والاقليمية لتحويل هذه التصورات الى حقيقة .

فالانقسام يشل الفعل الفلسطيني ، ويتيح لاسرائيل تسويق فكرة غياب الشريك في عملية السلام ، واظهار الفلسطينيين بصورة العاجز عن ادارة شؤونه ، والمحتاج الى اوصياء على قراره .

ويعبر الوضع الداخلي الفلسطيني الحرج عن حالة حرج اكبر تتمثل في الانقسام العربي الذي يحول دون تكوين مواقف موحدة واتخاذ قرارات فاعلة في مواجهة الخطوات الاسرائيلية لاستثمار اشواط مصادرة اراضي الضفة في فرض وقائع سياسية جديدة .

كما يراهن اليمين الاسرائيلي على التطورات الاقليمية المقبلة حيث التصعيد الذي يقود اليه التسلح النووي الايراني .

فالمواجهة المحتملة بين اسرائيل وايران كفيلة باستعادة الجانب الاسرائيلي لدوره المفقود في الاستراتيجية الكونية .

ومثل هذه الاستعادة تتيح مجالا اوسع لفرض واقع سياسي يتماشى مع الوقائع التي لم تتوقف اسرائيل عن فرضها في الاراضي الفلسطينية .

في مواجهة الثقة الاسرائيلية العمياء بامتلاك ادوات صناعة المستقبل السياسي للمنطقة لم يخل الامر من رؤية نقيضة تبلورها الاطراف العربية التي اعتادت على التعاطي مع المشهد بعيدا عن صخب الشعارات .

ظهرت الملامح الاولية لهذه الرؤية في عدد من الخطوات التي اتبعتها عواصم الاعتدال العربي .

فالسياسة التي اتبعها صانع القرار الاردني ، وهو يتمسك بحل الدولتين ، ويدعو الى تحرك دولي سريع لاستئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني ، ويؤكد على ضرورات المصالحة الوطنية الفلسطينية، تعبر عن هذا التوجه .

طرح المسؤولين الاردنيين لهذا الموقف كلما التقوا مسؤولا دوليا كان يثير استغرابا لدى المشككين في الصالونات السياسية التي لا ترى سوى الجزء الفارغ من الكأس .

والواضح من خلال تطورات الاحداث انه كان لابد من اشارة الى ان الجزء الفارغ من الكاس لا يعبر عن الحقيقة كلها ، فهناك جزء مملوء يمكن الالتفات اليه ووضعه في الحسبان ، لدى بناء تصورات التعاطي مع ما هو مقبل من الاحداث .

الاشارة التي توقظ الوعي ، وتوجه الانظار الى عناصر القوة ، وتبدد الياس المقيم ، جاءت على لسان راس الدولة كما هي العادة .

ففي لقائه مع ممثلي شرائح المجتمع الاردني توقف الملك عبدالله الثاني عند الحقيقة التي يجري تجاهلها باستمرار ، وهي قدرة الشعب الفلسطيني على خوض التحدي المقبل ، وقلب الموازين بصموده على ارضه ، رغم المحاولات الاسرائيلية لاخضاعه وتهجيره .

ومن خلال هذا الصمود ، ورفض خيار الوطن البديل ، يتحول تلاشي خيار حل الدولتين الى عبء اسرائيلي .

فهناك حقائق اخرى تتكرس على الارض غير تواصل الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية واستمرار مصادرة الاراضي وتهويد المقدسات .

وفي مقدمة هذه الحقائق الوضع الديمغرافي حيث يصل عدد الفلسطينيين في مناطق الخط الاخضر خلال سنوات الى 50 % من عدد السكان الامر الذي يعني اضطرار الجانب الاسرائيلي للرضوخ الى حل الدولة ثنائية القومية .

رسالة الملك لم تكن تهدف الى تبديد الشكوك في الداخل الاردني وحسب ، فهي موجهة ايضا الى حكومة اليمين الاسرائيلي قيد التشكيل ، وعنوان هذه الرسالة ان الاردن الموحد في رفضه لدفع فاتورة المأزق الاسرائيلي يستطيع مواجهة السياسة العدوانية كما واجهها خلال ولاية حكومة نتنياهو السابقة .

ولا تخلو هذه الرسالة من تحديد لملامح الاجواء التي ستتحرك فيها حكومة يمينية يقودها نتنياهو .

كما تحدد قدرات الحكومة الاسرائيلية المقبلة على الاستمرار في ظل اجواء دولية ضاقت ذرعا بممارسات اليمين الاسرائيلي .


ملامح الرؤية الاردنية التقت مع بوادر نضوج تفاهم فلسطيني على ارضية مواجهة التطرف الاسرائيلي .

ظهرت هذه البوادر من خلال تسليم الطرفين الرئيسيين في المعادلة الداخلية الفلسطينية " فتح وحماس " باجندة جهود الوساطة المصرية التي تعثرت مع تصديق الحكومة الاسرائيلية المصغرة على قرار ربط التهدئة بالافراج عن الاسير جلعاد شاليط الذي اتخذه رئيس الوزراء المنصرف ايهود اولمرت .

فقد اندفعت الرئاسة الفلسطينية نحو البحث عن قنوات لتحريك عجلة الحوار المتوقفة .

وفي المقابل لم تعد حماس ـ بعد ردود الفعل الرافضة لتشكيل مرجعية جديدة للشعب الفلسطيني ـ ميالة الى التشكيك بنوايا السلطة الوطنية الفلسطينية تجاه الحوار والمصالحة .

بوادر نضوج رغبة فلسطينية في الوصول الى صيغة تفاهم تنهي حالة التشرذم الراهنة لم تأت من فراغ ، بقدر ما هي نتيجة للمتغير الاسرائيلي ، الذي تترقبه الاطراف الاقليمية والدولية بحذر ، وقد تتحدد على ضوء افرازاته المقبلة ، وشكل علاقته مع الادارة الاميركية ، ونظرته لمعالجة الملف النووي الايراني طبيعة التطورات في المنطقة .

كما استنفذت الاطراف الاقليمية ـ التي تدفع باتجاه استخدام بؤر التوتر العربية اوراقا للضغط على الولايات المتحدة ـ امكانية الحصول على مكاسب من خلال ادامة الخلاف الفلسطيني في المرحلة الراهنة مما يتيح لرام الله وغزة امكانية اتخاذ القرار بعيدا عن المؤثرات الخارجية .

الا ان بلورة الرغبة الفلسطينية في المصالحة ، ووصولها الى نتائج ، يتطلب من طرفي الخلاف الرئيسيين في الساحة الفلسطينية استعدادا للتخلي عن مكتسبات السلطة ، التي تراكمت خلال العامين الماضيين ، الامر الذي لم تتضح مؤشراته في ظل اولويات التهدئة واعادة الاعمار .

التحرك السعودي لترميم مؤسسة العمل العربي المشترك الموغلة في الترهل ياتي في سياق الرؤية العربية الباحثة عن واقع مختلف .

فقد ركزت الدبلوماسية السعودية منذ اطلاق الملك عبدالله بن عبدالعزيز مبادرته في قمة الكويت الاقتصادية وانعقاد القمة الخليجية التي سبقت اجتماع الدوحة على تجاوز حالة الانقسام والفرقة .

والهدف الواضح من التحرك الدبلوماسي السعودي اعادة ترتيب البيت لمواجهة التحولات الاقليمية والدولية التي تفوق سرعتها قدرة العرب على التماشي مع تداعياتها .

لذلك اتجهت الدبلوماسية السعودية نحو استعادة محور الممانعة الذي تحول لرهينة ايرانية الى البيت العربي .

والواضح ان الخط البياني لتحرك الرياض ، الذي يلقي قبولا من بقية عواصم الاعتدال العربي ، ياخذ منحى تصاعديا ، كلما اقترب موعد انعقاد العربية المقبلة في الدوحة .

غير ان الرؤى والتحركات العربية التي تبقى ناقصة ما لم تجد اطارا ناظما لها يتيح الفرصة امام الاستفادة من الامكانيات الكامنة .

فالادراك العربي لخطورة المفصل التاريخي الذي تقف المنطقة على مشارفه يملي مهمات تتمثل في التحرك النشط لمحاصرة حكومة اليمين الاسرائيلي المتطرف ، وتكثيف الجهود لوقف الاستيطان في الضفة الغربية ، وتقييم ما تم انجازه من عملية السلام على مختلف المسارات، واعادة الاعتبار للعمل العربي المشترك ، والابتعاد عن سياسة المحاور ، واخراج القضايا العربية من حالة الارتهان للحسابات الاقليمية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة