الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة هيكلة الخدمات الصحية.. بين الثوابت والضرورات

خالد كلالدة

2009 / 2 / 24
الادارة و الاقتصاد


حقق القطاع الصحي الأردني، إنجازات ضخمة على المستوى المحلي والإقليمي، من حيث تطور الكادر الطبي والتقدم التقني. إلا أن عاصفة من التطورات الإيجابية والسلبية التي حصلت في السنوات الأخيرة على مستوى النظريات المختلفة في مفهوم الخدمة الصحية، وعلى المستوى المهني، وزيادة الضغط على القطاع العام الصحي، ومداخلات الاستثمار في المجال الصحي، وتراجع دور المؤسسات الطبية العامة في التدريب وانتشار عادات معالجة مكلفة وغير ضرورية، كل ذلك، جعل الكلفة الإجمالية للخدمات الصحية في البلاد، لا تتواءم مع الجدوى والجودة.

فنسبة الهدر في تكاليف الخدمات الصحية تقارب 30 بالمائة، بينما تعاني إدارة مرافق وموارد وتجهيزات وزارة الصحة من مشكلات بنيوية، تجعلها أقل قدرة على القيام بواجبها.

على هذه الخلفية، بات من الضروري إعادة النظر في هيكل الخدمات الصحية في البلاد، وليس مجرد معالجة هذا الخلل أو ذاك.

لكن هناك ثوابت تجب مراعاتها:

أولاً: التأكيد على الدور الرئيسي والقيادي للقطاع العام في مجال الخدمات الصحية في البلاد.

ثانياً: ضرورة تحسين نوعية خدمات القطاع العام الصحي جذرياً.

ثالثاً: ضرورة وقف الهدر وخفض النفقات في هذا القطاع وتحويلها إلى الاستثمار في تطويره.

من يدير القطاع الصحي؟

إن ضعف دور المجلس الصحي العالي، كجهة عليا ترسم السياسات وتتابع تنفيذ البرامج الصحية، أدى لفتح الباب أمام الضياع والهدر والنقص والتدني الذي يمس العملية الصحية. ويعود ذلك لقصر ولاية الوزير والحكومة التي تدوم لأقل من سنة في المتوسط. بينما من المفترض أن تستمر البرامج لمدة 4-8 سنوات. وهذا يؤدي إلى غياب دور المجلس الصحي العالي، كمرجعية أساسية في رسم السياسات الصحية ودوره القيادي والتنسيقي والرقابي على كافة القطاعات الصحية، وإضعاف دور وزارة الصحة وبرامجها وخططها. إن إدارة الصحة تتم استجابة لضغوطات سياسية، وليس بناء على تقدير الحاجات الفعلية للمناطق، أو حلول تم طرحها وحازت على اعتراف اجتماعي أو فني، وإنما لتلبية طلبات الجمهور. وهذه الطريقة في الإدارة توسع الفجوة بين رغبات الناس وحاجاتها الحقيقية، وتدفع الجمهور لعدم الثقة بوزارة الصحة أو الخدمة المقدمة والتوجه نحو أعلى المرجعيات لحل المشاكل، مما يؤدي إلى المزيد من عدم الثقة بوزارة الصحة. وقد آن الأوان لكسر الحلقة المفرغة، وإعادة الاعتبار لوزارة الصحة.

القطاع الصحي الاجتماعي

يتميز الأردن بتعدد القطاعات الصحية، فمنها الخاص والعام والدولي. وهنالك نواة للقطاع الاجتماعي من خلال مؤسسة الضمان الاجتماعي الذي يسمح قانونها بمزاولة تقديم الخدمات الصحية لكافة المنضوين تحت مظلتها، والإشراف على ذلك من خلال التعاقد مع القطاع العام أو الخاص أو بشكل مباشر بشراء أو بناء مؤسسات صحية وتشغيلها. وبذلك تستطيع المؤسسة سد النقص الحاصل في التأمين الصحي وتخفيف العبء عن وزارة الصحة، والوصول إلى تحقيق الأهداف الوطنية بتوفير التأمين الصحي لكافة المواطنين. وهي الأقدر على التعامل مع الفئات المستهدفة وجلهم من العمال الوطنيين والوافدين. وهذا يتطلب من مؤسسة الضمان الاجتماعي المباشرة بهذا البرنامج، وتفعيل تلك المواد المتعلقة بذلك في قانونها، وإصدار التعليمات الضرورية، وتعديل قانون المجلس الصحي العالي بما يسمح بإضافة عضوية المؤسسة في المجلس. وبذلك نكون قد أنجزنا مشروع التأمين الصحي الشامل.

ضبط الإنفاق الصحي ورفع الكفاءة

تعاني الخدمات الصحية وخاصة القطاع الخاص من ارتفاع كلف الخدمة، حيث أصبح ذلك مصدر قلق للمواطن. ونجم ذلك عن انتشار نمط التسوق والإحالة الذاتية وتقاضي العمولات واستخدام تقنيات غير ضرورية، مما يحدث ضغوطات على القطاع العام لمجاراة السوق. وتقوم الشركات بالقيادة الفعلية للقطاع، من خلال نشر أنماطها التشخيصية والعلاجية، وعقد الندوات الترويجية والتدريبية والسياحية للأطباء. وهي أساليب مشبوهة في الدستور الطبي والقانون. وفي النهاية، فإن المريض والدولة يمولان كل شيء. وقد أدى ذلك إلى إضعاف دور الجامعات والمؤسسات العلمية، ومراكز التخطيط الصحي، وإلى انخفاض معنويات الأطباء. إن ضبط الإنفاق الصحي الخاص وتقليصه يعتبر ضرورة ملحة. ويتطلب ذلك العمل على نبذ الخصخصة، وتقوية دور القطاع العام كما يلي:

1- في الرعاية الصحية الأولية: تطبيق معايير منظمة الصحة العالمية في تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية، وتأهيل الكوادر فنياً بخاصة: أقسام الأمراض السارية والمعدية، والصحة المدرسية، والأمراض غير السارية، ورعاية الأمومة والطفولة، وتنظيم الأسرة. ومن الضروري تطبيق تلك المعايير على نظام السجلات الطبية، والبطاقات الإلكترونية، واستخدام التعليمات ومعايير الجودة، وتوفير الأدوية الضرورية. وتقوم وكالة الغوث الدولية بتطبيق معايير منظمة الصحة العالمية بعد مواءمتها مع ظروف الأردن. ونتيجة ذلك فهي تنفق 5،2 ديناراً لكل نسمة سنوياً، بينما تنفق وزارة الصحة 18،6 ديناراً لتقدم نفس الخدمات.

2- في المراكز الصحية: تقديم الخدمة لكافة المواطنين، ضمن اتفاقيات، وتحديد مراكز مناوبة على مدار الساعة وتوفير الخدمات اللازمة من مختبرات وأشعة وتوفير الاختصاصات الطبية الأساسية. وفي الأماكن التي لا تتوافر فيها مراكز صحية، يتم الاستفادة من عيادات الطب العام لتقديم الخدمات للمؤمنين صحياً. وذلك بعد عقد دورات تأهيلية مكثفة للأطباء الراغبين في الانضمام للتعاقد من خلال وزارة الصحة.

3- في الإسعاف والطوارئ: تحسين إمكانيات الدفاع المدني في نقل المرضى للمستشفيات، وتطويرها لغايات الإسعاف وتوكيل المهمة له، بعد أن أثبت جدارته، وذلك بتزويده بالكوادر الصحية، وزيادة موازنته، وتمثيله في المجلس الصحي العالي.

4- في المستشفى التعليمي لوزارة الصحة (مستشفى الأمير حمزة): إصدار نظام خاص لمستشفى الأمير حمزة يكفل ملكية وزارة الصحة له، لتقديم الخدمة للمنخرطين في صندوق التأمين الصحي الحكومي. والغاية من هذا: التوفير في فاتورة التأمين الصحي، تدريب أطباء وزارة الصحة على آخر تقنيات التشخيص والعلاج من خلال برامج التخصص وما بعدها، والاستفادة من خبرات أطباء القطاع الخاص لهذه الغاية، وذلك لسد الفجوة القائمة بين مستويات الخدمة بين القطاعين العام والخاص. على أن يدار المستشفى من قبل مجلس إدارة ومدير عام وبموجب تعليمات لتسيير العمل اليومي وضمان تقديم الخدمات الصحية بشكل لائق وكفؤ، وأن يعمل المستشفى على مدار الساعة لاستغلال البنى التحتية على أكمل وجه، من مختبرات وأشعة وعمليات وتأهيل وغيرها.

حل مشاكل برامج التأمين

يصل الهدر في الفاتورة العلاجية الأردنية إلى 30 بالمائة، وذلك بسبب شيوع نمط تجاري في المعالجة تسنده الشركات، كذلك هناك المبالغة في بند العلاجات داخل المستشفى حيث تشكل ما نسبته 33 بالمائة من إجمالي الفاتورة، بينما تبلغ النسب العالمية لنفس البند حوالي 15 بالمائة فقط. وهناك أيضاً المبالغة في صرف العلاج للمرضى في العيادات الخارجية، حيث تصل فاتورة الأدوية من إجمالي الفاتورة العلاجية ما نسبته 70-80 بالمائة، فضلاً عن المبالغة في طلب الفحوصات المخبرية بشكل غير مبرر علمياً، وارتفاع نسبة الإدخالات غير المبررة للمستشفى بنسبة 2 بالمائة عن النسب العالمية، ما يؤدي إلى زيادة كلفة الفاتورة العلاجية للمؤمنين داخل المستشفى. كذلك فإن تعدد الجهات التأمينية للمريض يؤدي بالضرورة إلى هدر غير مبرر في الوسائط التشخيصية (المختبر والأشعة) والعلاجية كذلك. ولا ننسى لجوء بعض المواطنين إلى المكرمة الملكية بقصد العلاج لدى الجهات التي يرغبون بها، من دون الحاجة الطبية لذلك. كما أن قبول أعداد جديدة من المؤمنين لدى صندوق التأمين الصحي الحكومي، قد دفع بأعداد ضخمة من أصحاب الأمراض المزمنة للاشتراك، ليتسنى لهم للحصول على العلاجات الشهرية بأقساط زهيدة جداً. ويعتبر ذلك من السلبيات الكبيرة في علم التأمين.

ولحل هذه المشاكل، من الضروري العمل على:

1- وضع خطوط واضحة ما بين دور الرعاية الصحية الأولية والثانوية والثالثية بشكل يضمن تكاملها على مستوى لائق، وذلك بأن يصبح الطبيب العام الحلقة الأولى في التعامل مع المريض وتدبيره، وتحويله إلى الاختصاصي أو إلى المستشفى إذا لزم الأمر.

2- إلزام الشركات بإلغاء ازدواجية التأمين الصحي، وبأن لا يتجاوز ربح البوليصة 20 بالمائة من قيمتها.

3- تحديد سقف عدد الحالات التي يستقبلها الأطباء حسب تخصصاتهم.

4- وقف كافة النشاطات الترويجية للشركات، وضبط الإعلام الصحي، ووضع قائمة بالأدوية واللوازم الضرورية للحصول عليها بأسعار تفضيلية.

5- تفعيل دور المجلس الطبي الأردني للإشراف على تعليم وتدريب الأطباء والمقيمين والعاملين الصحيين، بالدوران في مؤسسات الخدمات الصحية وتحديد الأعداد والتخصصات المطلوبة، والقيام بإدارة التعليم الطبي المستمر وإصدار شهادات بذلك.

كذلك يجب على المستوى القانوني الانتباه لضرورة ما يلي:

أ‌- توحيد المقاييس الوطنية للخدمات الصحية، وذلك من خلال تشكيل لجنة للوفيات والمضاعفات الصحية داخل المستشفيات، وضع واعتماد الأنظمة والتعليمات وبروتوكولات التدبير والعلاج الموحدة، ومساءلة الأطباء والعاملين الصحيين على أساسها. وهذا سيؤدي إلى توحيد المقاييس الوطنية للخدمات الصحية، ويحد من التنافس والمزايدات غير المشروعة ويضبط الإنفاق.

ب‌- إدراج التعديلات المتعلقة بالمساءلة الطبية في قانون نقابة الأطباء.

ت‌- إيجاد أنظمة خاصة وحوافز للعاملين الصحيين، من ناحية ساعات العمل أو البدلات المالية لجذبهم للعمل في القطاع العام.

* الأمين العام لحركة اليسار الاجتماعي الأردني










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تشخيص دقيق ومطالب مرنة ومقترحات ممتازة
محمد عبد القادر الفار ( 2009 / 2 / 23 - 20:52 )
ولكن هل يتجاوب أصحاب القرار مع هذه التوصيات القيمة أو يولون أي أهمية تذكر لأي رأي لا يحمل التفاعل معه أي نفع لجهة الحفاظ على المنصب أو إطالته على الأقل أو تحقيق امتيازات وظيفية شخصية كإرضاء المرؤوسين للرؤساء من ناحية التوفير عليهم وعلى -الدولة..؟..

أصحاب القرار هم في الغالب من أصحاب مقولة ضرورة تخفيض استنزاف ميزانية الدولة من القطاع الصحي ، وذلك يفسر تجاهل تسديد مديونية القطاع الصحي لموردي الأدوية مما فيه تهديد للأمن الدوائي للمواطنين...

أليس كذلك دكتور خالد

اخر الافلام

.. كيف هو الاقتصاد الفلسطيني بعد 8 عقود من النكبة؟


.. شبكات | إحباط تهريب أطنان من الذهب خارج ليبيا..




.. فرص كبيرة لتنمية التبادل التجاري العربي


.. محمد علي ياسين: غياب السلام أضاع فرص ثمينة على اقتصادات المن




.. غزة تشهد نقصا حادا في السيولة المالية بسبب تعرض البنوك للتدم