الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤسسة الدينية .. من يعلّق جرس الإصلاح؟

رابحة الزيرة

2009 / 2 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية
[email protected]

"عرض قسّ على راهبة أن يصطحبها بسيارته من الدير الذي يقطنان فيه إلى الكنيسة، وما أن انطلقت المركبة بهما حتى وضع القسّ يده على ساق الراهبة التي بادرته:
يا أبانا هل تتذكر وصيّة "المزمور-129"؟
أعاد القس يده إلى عجلة القيادة، ولكنه سرعان ما أعاد وضعها على ساق الراهبة مجدّداً ..
يا أبانا أذكّرك بالمزمور-129..
المعذرة .. المعذرة، لن أعيدها ثانية .. كم هي خطّاءة هذه النفس البشرية!
وصلا إلى الكنيسة، فرمقته الراهبة بنظرة مؤنّبة وأطلقت تنهيدة حسرة .. ثم نزلت ..
هرع القسّ إلى الكنيسة وفتح الكتاب المقدّس فوجد في المزمور-129 الآتي: "واصل السعي، حقّق ما تصبو إليه، ابلغ منتهاه.." ..
ثم ذُيّلت القصة بالعبرة التالية: "إنّ عدم إحاطتك بتفاصيل عملك من شأنه أن يفوّت عليك فرصاً ذهبية"!

بعيداً عمّا تستبطنه هذه العبرة من نصيحة خسيسة، حيث تصوّر أن القسّ فوّت على نفسه فرصة ذهبية (!) عندما لم يواصل ما بدأه من تحرّش بالراهبة، ما لفتني هنا – ودائماً - هو أن التجّار ورجال الأعمال والإداريين لا يتركون طريقة، أو قصة، أو حكاية، أو طرفة، أو موروث ثقافي، أو ديني أو مناسبة، أو أي وسيلة تواصل وإقناع كلاسيكية أو حديثة لتثبيت قيم العمل التي يؤمنون بها لدى موظّفيهم، أو للترويج لخدماتهم والبضائع التي ينتجونها إلاّ توسّلوا بها، ناهيك عن اللجوء إلى الكذب، والخداع، والتمويه، بحجة أن الغاية تبرّر الوسيلة، فأُلّفت آلاف الكتب في أخلاقيات العمل، وطرق التعامل مع الزبائن لكسبهم، وأُسّست مئات مراكز التدريب، وابتُدعت عشرات السبل لإلزامهم بمواثيق شرف تحافظ على سمعة الشركة أو المؤسسة التي ينتمون إليها بغض النظر عن الخدمات أو البضائع التي تقدّمها أكانت شركة تأمين على الحياة، أو مصنع لصناعة منظّف لبلاط الحماّمات، أو لإنتاج مبيد حشري!!

على النقيض من ذلك تماماً المؤسسة الدينية (الله يرحمها) وعلى رأسها بعض رجال الدين (المحنّطين) قلباً، وقالباً، فبقدر ما تقدّم عالم التجارة والصناعة تخلّفت المؤسسة الدينية، فاستُثمرت حتى استُنفذت كل الطاقات لضمان المزيد من الانتعاش في عالم المادّيات، بينما حوربت ووُئدت كل محاولة إصلاح داخلية أو خارجية أو (عملية إنعاش) لجسد المؤسسة الدينية، وفي معظم الأحوال كان الوأد بأيدي رجال الدين المتعصّبين الجامدين، أعداء التجديد، الذين لا ينشطون إلاّ في الشرّ إما بتشويه سمعة المصلحين إن قامت لأحدهم قائمة، أو الطعن في آرائهم ونواياهم، أو بتعميق الخلافات الطائفية ونفخها، وإعادة الناس إلى كهوف القرون السالفة واستنزافهم لحفظ مقاماتهم.

أزمة المؤسسة الدينية التقليدية أنها مصابة بداء الغرور والرضا عن النفس، وبالتالي لا ينتابها أي شعور بالتهديد من مشاكل داخلية أو خارجية، ولا تعترف بوجود حالة طوارئ يتطلّب منها التحرّك لإصلاح فسادها، ولا ترى البتة أنها معنيّة بالتخفيف من الأزمات الاجتماعية والأخلاقية والتربوية العالمية، فإما أن تكتفي بدور المراقب، أو أن تأخذ دور الشامت المتندّر على من حوله، مع أنها ليست بأحسن حال من غيرها من قبل ومن بعد.

عندما أتأمل المؤسسات التجارية التي أخلصت لوظيفتها وموظّفيها وزبائنها ومجتمعاتها وإن تلخّص دورها في بيع الكماليات للناس كالشوكولاتة أو المشروبات الغازية، أو أدوات تنظيف أو أي شيء كان، وأقارنها بحال المؤسسة الدينية وتردّيها مؤسّساتياً، وبالتالي قصورها وتخلّفها عن المساهمة في عملية الإصلاح الحقيقي بما يتناسب وحجم التحدّيات التي تواجه المجتمع الإنساني، وتخاذلها عن أداء رسالتها رغم ما تدّعي لنفسها من أهمية .. أتأمّل ذلك فتقرع أذني صرخة للإمام علي (ع) حيث كان يقول لمن معه من المتخاذلين عن نصرة الحق: "لوددت أن معاوية صارفني بكم مصارفة الدرهم بالدينار، فأعطيه عشرة منكم ويعطيني واحداً منهم"، فأود أن أقول كما قال، فنستبدل عشرة رجال دين متخاذلين برجل دنيا مخلص لوطنه، وعمله، ورسالته في الحياة.

يبدو أن المؤسسة الدينية جعلت لها (أذن من طين وأذن من عجين) تجاه الانتقادات التي توجّه إليها، وخاصة إذا نذر أتباعها أنفسهم للدفاع عن أخطائها كلما ارتفع صوت ينادي بتنقيتها مما أصابها من فساد، لذا فإنها لا ترى نفسها مسئولة عن أيّ من مشاكل العالم لا الاقتصادية منها ولا الأخلاقية ولا الاجتماعية ولا التربوية، مع العلم أنها لو كانت تعمل في العقود بل القرون الماضية بنفس إخلاص المؤسسة التجارية لاستطاعت أن تكبح جماح الفساد وتخفّف من أضرار الشرّ الذي خلت له الساحة فعبث فيها كما شاء.

بالمناسبة فإن العبارة المذكورة آنفاً بأنها المزمور- 129، ليست صحيحة، ولا أدري من أين اختلقها راوي القصة ولماذا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح