الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد الانتخابات العراقية.. حقائق جديدة وتطورات ملفتة

نجاح محمد علي
سياسي مستقل كاتب وباحث متخصص بالشؤون الايرانية والإقليمية والارهاب وحركات التحرر

(Najah Mohammed Ali)

2009 / 2 / 25
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق



أعادت نتائج انتخابات مجالس المُـحافظات العراقية صياغة الكثير من الحقائق، التي كانت غائبة في عراق ما بعد نظام صدّام حسين، منها ما يتعلّـق بمستقبل التكتُّـلات وطبيعة الولاءات الطائفية والعرقية، وتعزيز العملية الانتخابية على أساس الانتماء الوطني، بدلا من الطائفة، خصوصا في محافظات الوسط والجنوب (الشيعية)..
الانتخابات التي جرت في أجواء آمنة تماما من دون دماء، رسمت إلى حدٍّ كبير وبشكل لم يكن متوقّـعا لدى الكثيرين، ملامِـح المرحلة المقبلة، قبل الانتخابات البرلمانية المقرّرة أواخر العام الجاري، وحضّرت لدى العراقيين رغبتهم الجدية في استعادة العراق الموحّـد، صاحب السيادة، بعيدا عن التقسيم وحتى الفدرالية، ووضعت اللّـبنة الأولى للتّـغيير المُـرتقب في عراق ما بعد صدّام.

لقد نجحت الانتخابات بكل المقاييس، وكانت المشاركة طبيعية جدّا في مثل هكذا انتخابات محلية، وحقّـقت قوائم أطلقت شعارات لتعزيز سُـلطة القانون، مثل قائمة رئيس الوزراء نوري المالكي (ائتلاف دولة القانون)، نتائج فاقت كل التصوّرات، إذ حصد مرشّـحو هذه القائمة أعلى نِـسبة، خصوصا في الجنوب، فيما تراجع مرشّـحو المجلس الإسلامي الأعلى وحزب الفضيلة وبقية الأحزاب والتيارات الإسلامية، حيث بدَا لافِـتا ضُـعف نفوذ هذه الأحزاب (وليس انحساره تماما)، في ضوء التحالفات مع عِـلمانيين، وحتى مع بعض البعثيين، ما يعني أن الأحزاب الإسلامية ما عادت في الرِّهان بديلا وحيدا للنِّـظام السابق، رغم أن قائِـمتيْ المالكي ومؤسّـسة شهيد المِـحراب، حظِـيتا باهتمام ملحُـوظ من قِـبل الناخبين (وهم أقلّ من نصف المسجّـلين في لوائح الاقتراع)، في الوسط والجنوب.

ويُـمكن القول في ضوء ما قام به المالكي من قيادة مباشِـرة لكُـبرى العمليات العسكرية والأمنية في البصرة والعمارة وغيرهما وفرض القانون على الخارجين عليه وأسلوبه في تحقيق قدْر كبير من المُـصالحة الوطنية، التي أدّت إلى تفكيك عُـقد كثيرة من التّـحالفات الطائفية، التي أكلَـت الكثير من دِماء العراقيين وجُـهدهم، أن العراقيين أخذوا يميلون بوضوح نحْـو الخِـطاب العقلاني وبناء دولة عراقية قوية، تحترم بقية الدّول مُـواطنيها حاملي جوازات سفرها..

تبلوُر وعــي جماهيري
والمُـهم في هذه الانتخابات، هو أن الخطاب الدِّيني الذي مُـورس بقوّة، رغم حظره قانونيا، واستخدام الرّموز الدِّينية في الحملة الانتخابية وكل الهجمات الإعلامية، التي لم توفِّـر المالكي شخصيا، لم تمنَـع من انحسار نفوذ قائمة المجلس الإسلامي الأعلى في البصرة ومُـدن أخرى، ما يُـشير إلى أن الوعي الجماهيري ضدّ تقديس الأفراد، أخذ يتبلْـور بشكل طبيعي في العراق الجديد.

لقد كان واضحا أيضا أن الكثير من الإسلاميين الشيعة لم ينجَـحوا طوال السّنوات الماضية في تحسين صُـورتهم النَّـمطية، التي أظهروا بها أنفسهم أو أظهرتهم تصرّفاتهم كماضويين اختزلوا - أمام العالم – مُـشكلة الشيعة مع نظام صدّام، فقط.. في زيارات المراقِـد الدينية! وكأن صِـراعهم مع النظام السابق كان فقط من أجل هذه الزيارات، مع ملاحظة أن الإسلاميين الشيعة كسَـبوا في المدّة الماضية - بعد سقوط صدّام - شعبية كبيرة، عندما كان الفرْز بين العراقيين يتِـم على أساس الإنتِـماء الطائفي، غير أن أداءهم السيِّـئ، خصوصا في الجنوب، والاتِّـهامات بالسَّرقة والاختلاس ونهب المال العام وتغليب المحسوبية والمحبوبية والولاءات الحِـزبية والشخصية، على الكفاءة والوطنية، كسرت الكثير من قواعِـد اللُّـعبة في مُـعادلة الولاء والانتماء، جعلهم يفقِـدون الكثير من احترامهم، حتى لدى أنصارهم وذوي الأسَـر الذين تمَّـت التضحية بهم في طريق "ذات الشوكة"..

نضج سياسي
وإذا كان المالكي نجح، حيث فشل المجلسيون في شعارهم "معكم معكم"، المقتبس من زيارة دينية، في الاحتفاظ بنسبة ولاء عالية من قِـبل أسَـر "الشهداء"، وكان برنامج ائتلاف دولة القانون يستنِـد إلى نجاح الحكومة في فرْض القانون والمُـصالحة الوطنية، وكذلك على وِحدة العراق وتقوية المركز وتعديل الدستور، لإضعاف سلطة الفدراليات، خاصة في كردستان، فإن بقية الأحزاب الدِّينية الشيعية تحديدا، وبسبب تخلِّـيها بالمُـطلق عن تلك الأسَـر، ظلّـت تُـطارد قائمة الائتلاف في التّسلسل الانتخابي بعد فرز الأصوات.

وما من شكٍّ، فإن هذه الانتخابات أشعرت المُـواطن العراقي أن المالكي، وهو أمين عام حزب الدّعوة الإسلامية، أعاد للعراقيين الثِّـقة بوجود قيادات مخلِـصة ترجِّح مصالح الوطن على مصلحة الحزب، بالرغم من كل العقبات والمؤامرات. وبدا ذلك واضحا، عندما أظهرت قائمة ائتلاف القانون استعدادا للتعاون مع باقي الكُـتل السياسية، من واقع أن فوز القائمة، هو "نصرٌ لكلِّ العراقيين".

وعلى أي حال، أفرَزت هذه الانتخابات قِـوى جديدة، بعضها كان شخصا واحدا في كربلاء مثلا، حين تلألأ نجمُ مرشّـحٍ واحدٍ في مقابِـل تكتُّـلات وأحزاب لها رصيد كبير من التاريخ، وهو يوسف محمد هادي الحبوبي، الذي كان من موظّـفي النظام السابق، وقد جاء بالمَـرتبة الأولى على حساب الشيرازيِّـين والتيّـار الصّدري والمجلس الإسلامي الأعلى، في مؤشر على أن العراقيين وصلوا إلى مرحلة من النُّـضج السياسي، باتوا يميِّـزون هذا الخِـطاب عن ذاك، من دون نظّـارة يلبسها نيّـابة عنهم الآخرون، وأنهم يحبُّـون مَـن يخدمهم.

صحوة انتخابية
في الأنبار، حيث اشتدّت المنافسة كثيرا، أرضت النتائج كل الأطراف، ومنها الحزب الإسلامي ومجالس الصّحوة، التي حاربت القاعِـدة وأعادت الأمن والاستقرار إلى تلك المنطقة السَّـاخِـنة.

وشكَّـلت هذه النتائج مُـفاجأة، حين تمّ إقناع الكثير من البعثيين بالانضمام إلى الانتخابات، وأعلنت قِـوى مسلّـحة كثيرة، ممّـا يسمّـى "المقاومة"، وضع السلاح جانِـبا، لتُـجرى الانتخابات بيُـسر وسلاسة..

ويبقى أن هذه الانتخابات ستسجِّـل بداية مهمّـة في تثبيت عُـرى ديمقراطية جديدة للعراق الجديد، إذا تمّ بالفعل تفعيل خِـيار الناخب العراقي، وأجريَـت الانتخابات القادِمة على أساس ترشيح الأفراد.. وليس الكُـتل والقوائم.

وأخيرا، لا يبدو أن الانتخابات العراقية شكلت ردّة فعل ضدّ التوجهات الدينية أو التديّن عموما (مثلما قال البعض)، بقدر ما كانت ضدّ وعود الإسلاميين وطائفيتهم، التي اختبَـؤوا خَـلفها منذ سقوط نظام صدّام، غير أنها قد تُـصبح في مرحلة أخرى ردّ فعلٍ قوية ضدّ أولئك الذين يحمِـلون على الدّوام هوية فكرية وعقائدية لم تمنعهم من الإنخراط حتى النُّـخاع في المشروع الأمريكي لبلادهم والمنطقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شيعي ام عراقي وطني؟؟ ام شيعي وعراقي ووطني
عبد العالي الحراك ( 2009 / 2 / 25 - 14:23 )
ارجو ان لا اخطأ ان قلت انك كنت تكتب عمودا يوميا في جدريدة كيهان عربي الايرانية الصادرة في طهران في التسعينات وكنت تبجل بالنظام الايراني ورموزه وتنسى مأساة العراقيين هناك في مخيمات الذل..الا حان الوقت لتكفر عما كتبت سابقا والبدء بالكتابة عن الوحدة الوطنية وفضح الاطراف الطائفية التي تسيء اليها عن طريق الترويج للطائفية واستخدام الخطاب الطائفي..الا يجدر بك كأعلامي عراقي ان تفضح طرق واساليب التدخل الايراني في العراق والاطراف السياسية والامنية التي يتكأ عليها...دعم الوحدة الوطنية وارساء الديمقراطية يتم اولا بالتصدي لأعدائها في الداخل وفي الخارج

اخر الافلام

.. سيلين ديون تكشف عن صراعها من أجل الحياة في وثائقي مؤثر


.. -هراء عبثي-.. شاهد رد فعل مؤرخ أمريكي على الديمقراطيين الذين




.. نيويورك تايمز: تجاهل البيت الأبيض لعمر الرئيس بايدن أثار الج


.. انتخابات الرئاسة الإيرانية.. مسعود بزشكيان




.. بزشكيان يحصل على 42 % من أصوات الناخبين بينما حصل جليلي على