الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحداثة من منظور غربي: كيف تنظر الرأسمالية إلى تحديث الإسلام؟

سلامة كيلة

2002 / 6 / 9
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


>كيف يمكن لمثقف حداثي، ان يعالج النقد الذي بدأ يوجّه للايديولوجيا التقليدية (وهنا الاسلام) من قبل المثقفين في أميركا، وايضا من قبل المسؤولين في الدولة الأميركية؟
>هذا السؤال بدا ملّحاً في ضوء ما يرافق <<الحرب ضد الارهاب>> من <<حرب أيديولوجية>> تتناول الاسلام بالتحديد، فالصورة التي باتت تُرسم للاسلام، من قبل مثقفي الدولة الأميركية، تتحدد في التأكيد على انه <<بنية مغلقة>> ترفض <<القيم الغربية>>، ولهذا تؤسس للصدام مع الغرب (وربما كان هذا هو جوهر فكرة صموئيل هنتنغتون). لكن <<الحرب ضد الارهاب>> باتت تفرض <<تجفيف جذوره>> الايديولوجية، لهذا بدأ الضغط على الدول الاسلامية عموما، وعلى السعودية ومصر خصوصا، من أجل <<تدريس>> فهم جديد للدين، يتوافق مع <<القيم الغربية>>، او بالاساس يمنع تحوّله لأساس لنشوء الإرهاب!! هنا تبدو الدولة الاميركية وكأنها تعمل حقيقة من أجل التحديث يعكس كل سياساتها السابقة. كما بدت وكأنها تحمل لواء الحداثة والتطوير، وتصفية البنى التقليدية، لكي <<تسود القيم الغربية>>، قيم الحداثة والديمقراطية والعلمانية، والتسامح والانفتاح، وكذلك قيم اقتصاد السوق.
>هنا يصبح السؤال آنف الذكر ذا حساسية معينة، لان المثقف الحداثي، عمل منذ بدء عصر النهضة (هذا العصر الذي تحدد أصلاً بنشوء المثقف الحداثي)، من أجل <<تفكيك>> الايديولوجيا التقليدية التي كانت سائدة (والسائدة الى الآن)، وتأسيس منظومة جديدة، تستند الى القيم التي أنتجها الغرب الرأسمالي، كونها القيم التي توافق عصرا جديدا بدأ مع نشوء الصناعة، والنمط الرأسمالي، ولقد خاض معركة مزدوجة منذئذ، أولا ضد البنى التقليدية وأيديولوجيتها، وثانياً ضد الغرب الرأسمالي الذي كان يستعمر وينهب، لكنه كان كذلك يحافظ على البنى التقليدية وأيديولوجيتها ويدافع عنها. لهذا كانت معركته معقدة ومزكّية، ومربكة كذلك. حيث <<إنحشر>> بين <<الحداثة الغربية>>. و<<التخلّف الشرقي>>، المتوافقين على ضرورة إفشاله، وإنهاء مشروعه.
>ولقد بدا منذ سبعينيات القرن الماضي ان المثقف الحداثي قد تلاشى، حيث انزوى او <<تأسلم>> او حتى <<تغربن>>، وبدعم من <<الغرب الرأسمالي>> عادت الايديولوجيا التقليدية لتبدو انها المهيمِنة. حتى وهي ليست أيديولوجيا السلطة، وبالتالي أصبح حلم الحداثة أقرب الى الوهم. لقد أصبحت محاربة الالحاد وتكريس القيم <<الخاصة بنا>>، و<<الأسلمة>> هي الايديولوجيا المهيمنة والآن يتقدم الغرب الرأسمالي من أجل <<التحديث>>، ولسوف يقدّم <<تفسيرا>> جديدا، ملزما لنا، ليبدو التاريخ وكأنه مَسْخرة. لهذا من مهام المثقف الحداثي ان يفسّر انقلاب الامور، وان يعيد تأكيد دوره، ليس لان الغرب الرأسمالي يسعى حقيقة للتحديث، فهذه مَسْخرة كما أشرت، لكن لان اعادة الامل بامكان التطور والتحديث باتت ضرورة، وهو هنا سوف يكون في صدام مع الغرب الرأسمالي أولا، لان تحديثه غير <<تحديث>> ذاك، ومصالحهما متناقضة، خصوصا وان قضية التحديث مرتبطة ب(او مؤسَّسة على) ضرورة تحقيق التطور الاقتصادي القائم على الصناعة، الامر الذي يفرض الحاجة الى الاستقلال، وإلغاء مفاعيل الآليات الرأسمالية العالمية على <<الاقتصاد القومي>>، وبالتالي يفرض تصادم المصالح.
>هذه المسألة كانت في أساس دعم الغرب الرأسمالي للطبقات والقوى التقليدية، ومحافظتها على البنى التقليدية ذاتها، حيث انها عنصر اعاقة لعملية التصنيع والتحديث وعنصر التحاق بالرأسمالية المسيطرة، ولا شك في ان النمط الرأسمالي العالمي ما زال يقوم على الاسس ذاتها، ويهدف الى المسائل عينها: السيطرة والنهب واعاقة التطور، لان النهب يفرض تحويل الامم الاخرى الى سوق، يجري التحكم بها عبر السيطرة. و<<الحرب ضد الارهاب>> هي الحرب من أجل تكريس ذلك في عالم أحادي القطب. فهي حرب من أجل انفتاح الاسواق (او انفلاتها) وهي حرب من أجل السيطرة على المواد الاولية. وهي كذلك حرب من أجل تدمير مستويات التطور التي تحققت خلال فترة الحرب الباردة، وأسست لاستقلالية ضرورية. وبالتالي فهي حرب من أجل ان يتحقق النهب الضروري لتراكم الرأسمال الامبريالي، والضروري لتجاوز الرأسمالية أزماتها.
>في هذا الوضع ماذا يعني <<التحديث>> الذي بات هاجس <<المثقف الغربي>>؟ انه يعني تكييف البنى (بما فيها الايديولوجيا التقليدية) بما يحقق مصالحه. اي بما يسمح ب<<قبول>> آليات النهب والسيطرة، بمعنى أنه لا يهدف الى ان يجري تجاوز هذه البنى، بل يهدف، بالضبط، الى استمرارها مكيّفة وحدود مصالحه. هذا ما عمل عليه منذ بدء الاستعمار، وهذا ما استمر يعمل على تحقيقه.
>وهنا يتحقق التفارق مرّة اخرى بين <<تحديث الغرب>> ومطامح المثقف الحداثي، الذي يسعى من أجل تجاوز البنى التقليدية في اطار مشروع مجمّعي شامل يهدف الى الاستقلال والوحدة. والديمقراطية والعلمانية وتحديث القيم. وبالاساس لبناء المجتمع الصناعي. وبالتالي ليبقى تصادم المصالح أساسا غير قابل للردم، ولتبقى رؤى التحديث متناقضة، وغير قابلة لجسر الهوّة، وسيبقى المثقف الحداثي (وكل حركة الحداثة والتقدم عندنا) غارقا في تناقض مزدوج مع البنى التقليدية وقواها وأنظمتها من جهة ومع <<الغرب الرأسمالي>> من جهة اخرى، لانه لا يسعى الى <<تحديث>> البنى فقط، بل يسعى كذلك لتأسيس مجتمع بديل، يستند الى نمط اقتصادي اجتماعي آخر، يتضمن كل منجزات الرأسمالية، لكنه لا يخضع لآلياتها. ان حلم المثقف الحداثي يتمحور، إذن، حول ادراج مجتمعه في مسار الحضارة من دون ان يكون خاضعا او تابعا، انطلاقا من تأسيس التكوين القادر على تحقيق التكافؤ، وهو في ذلك يتمسّك ب<<الخصوصية>>، لكنها ليست <<الخصوصية الثقافية>> التي تطرح، وتكون غطاء رفض الغرب (وهنا كل الغرب)، بل الخصوصية التي تجعل للأمة كيانها الفاعل والمميّز معا، والقادر على بناء العلاقات المتكافئة في هذا العالم المضطرب.
>
>() كاتب فلسطيني.
جريدة السفير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الثقة بين شيرين بيوتي و جلال عمارة ???? | Trust Me


.. حملة بايدن تعلن جمع 264 مليون دولار من المانحين في الربع الث




.. إسرائيل ترسل مدير الموساد فقط للدوحة بعد أن كانت أعلنت عزمها


.. بريطانيا.. كير ستارمر: التغيير يتطلب وقتا لكن عملية التغيير




.. تفاؤل حذر بشأن إحراز تقدم في المفاوضات بين إسرائيل وحماس للت